18 ديسمبر، 2024 11:39 م

الروح الغائبة والوعي المهزوم!!

الروح الغائبة والوعي المهزوم!!

عندما تغيب روح أية أمة يتبلد وعيها , وتتمرغ في أوحال الإذلال والتبعية والهوان , وتصبح ذات نزعات إستلطافية للقيام بدور الضخية , الذي تكون فيه فريسة لما لا يُحصى من الوحوش السابغة التي تزأر في ديارها , وتستجمع ما فيها لتواصل إنقضاضها وإلتهامها حتى نخاع العظم.

وأمة تم مصادرة روحها , وإيقاف قلبها , فما عاد ينبض , تخثرت الدماء في عروقها , وتصملت , وعم فيها المُوات , فتأسّدت عليها الهَوام.

أمة تضيق عليها الأرض بما رحبت , وتطاردها زوابع التهم والإجرام أينما حلّ أبناؤها , سواء في ديارهم أم في تيهانهم المهجري الأليم , فأنى يهاجروا تجدهم أمام تحدٍ كبيرٍ يستهدف وجودهم وهويتهم ولغتهم ومعتقدهم وتراثهم وما يمت بصلة إليهم , وفي ديارهم يتعرضون لأبشع العدوان من قبل أبناء بلدهم وجلدتهم ودينهم , فكيف لهم لا ينسلخون عمّا فيهم ويدل عليهم من العلامات والسمات.

فهل أن في الهروب خلاص؟

وهل في الإستسلام خلاص؟

وهل أن الذي يجري في ديار أمة ينخرها الضلال والبهتان , سيصل بها إلى غير مستنقعات الفناء والخَياب المهين؟

فالأمة تدنس أروع ما فيها , وتخرّب جوهر كينونتها , ومعيار وجودها , وتمزق هيكل ذاتها , فتناثرت مفردات هويتها كذرات الرمال التي تذروها رياح النكران وأعاصير الإمتهان, وغابت روحها في أطيان الحاجات المستعرات في كل مكان , حتى لتجدها مقعدة متسولة , ومُسخرة لتنفيذ ما يناهض طبعها وحاضرها ومستقبلها , فالأمة تعادي نفسها , وتنقض على وجودها , وإنها لأمة منتحرة!!

أمة تهشمّت , وتحولت إلى هباء منثور , وكأنها كالعهن المنفوش , تستنجد بأعدائها على بعضها , وتبذّر أموالها في مشاريع الخراب والإقتتال والدمار , وما فكّرت بالبناء وإعلاء شأن الإنسان , ورفعة الأوطان , والإعتصام بحبل التعاون والتفاعل الإيجابي , الذي يزيدها قوة وقدرة على المطاولة والتحدي , والوقوف بهمة متكاتفة ذات إرادة إنضمامية , وعزيمة متوثبة نحو تأمين مصالحها في حاضرها ومستقبلها , حتى بدت وكأنها سفينة مثقوبة في لجج البحر الهائج المزدحم بالأعاصير.

أمة تقوقعت وما تجددت , فتعفن ما في أوعيتها وتكاثرت فيه الجراثيم والطفيليات والديدان الساعية لنخر بدنها المتفسخ في حفر الزمان , وأقبية المكان الغابر المكفهر الذي يحارب أشعة الشمس , ويُبعد أي نور عن التسلل إلى أخبية الضياع والإنهزام والإنقياد لإرادة المفترسين الصائلين على الراتعين بديارها , والفاقدين لقدرات التحدي والمجابهة والتواصل العزيز.

أمة عليها أن تنهض قبل أن تتعاون على تهبيرها سواطير الطامعين , لتقطعها إربا إربا , وترمي بأشلائها لسوابغ الغاب والوحش الشنين؟!!

أمة اليقظة والثورة والتفكر والتعقل والعزم والحزم , عليها أن تولد من أرحام عدميتها إلى فضاءات كينوناتها المتوهجة السناء!!

وإنها بجوهرها الأصيل لسوف تكون!!