قراءة في رواية ( من يرث الفردوس ) للطفية الدليمي
أن مرحلية السفر في أتون أجواء دلالات رواية ( من يرث الفردوس )للروائية و الكتابة المسرحية القديرة لطفية الدليمي لربما يتطلب منا ما يعيننا و نحن نتطلع ال وسيلة ليست زائفة في دراما و بناء و أسلوبية و متن و عتبة وفضاء صنيع هذا النص الروائي الكبير . ولغرض الوصول الى موضوعية و ثيمة و فجيعة فردوس لطفية الدليمي لا بد لنا من أن نمر بفاجعة البدايات الروائية من زمن بناء الرواية ذاتها . فالبداية في الرواية هي مرحلية العلائقية التي تربط المتن بخاتمة أحداث الرواية .. أنها الجسر الذي من دونه لايمكننا فهم مخصوصية العمل الروائية بأسرها . ( بنية الخطاب في دوال المسرود المداري ) أن مخطط أنجاز رواية ( من يرث الفردوس ) ما هو إلا حركة محورية ما من شأنها أن تحدد أعتبارات مصائر
شخوصية في مجلى السرد الروائي المحبوك تمويها في تشكلات المجال التنوعي في حقيقة حجم الكفاية المتطورة في نمو العلامات المتحققة في معطى حكاية النص .. ولع من أكثر السمات الجمالية اقترانا براوية الدليمي هو ذلك التكثيف اللحظوي في مسافات خلجات المشاعر و الأحاسيس
لدى شخوص الرواية .. إذ أنها تميزها بهالة صورية تتعالى عن الحدث العارض و الموقف العابر فيما تمنحها قوة التواصل نحو أفق أزمنة المماثلة بين الأحوال الذاتية و الظرفية الزمنية والسياسية الاعتبارية بذاتها . . أن الحديث منا عن تفاصيل أحداث و مشاهد رواية ( من يرث الفردوس) تتبنى منا استدعاء مطرد لرصد مواقفها الامكانية في محيطها الذي يشبه تقاسيم صور مدن اليوتوبيا الخيالية .
غير أنها و بالارتكاز على نموذجها المتخيل الواقعي لا تستند الى صورة مدينة اليوتوبيا خاصة وأن أحداثها المحورية و شخوصها تتشاطر مغزى رمزية المحتوى السياسي المتخيل في جدلية لحمتها النصية المبطنة دامغة أفقها بصبغة مآزق الوقوع بين سلطتي ( الإمكان ــ الوهم ) و ملامح رحلات البحث عن ذلك الحب الأفلاطوني المثالي . هكذا تنبني ظهوريات حلقات و محاور و دراما رواية الدليمي على وهج إيقاعات ( الأرتداد ــ النأي ) وصولا نحو زمن حلمي انفصالي في خطيته العلائقية الكامنة في وجه مقابلات وقائعية الذات الخائبة و المخيبة . أن بنية الخطاب في دوال المسرود المداري في الرواية يأتينا تباعا منذ ولوج العاشقان ( مزينة / سحبان ) قاع اللحظات التمثيلية من أرض مشهدية الرواية : ( لا شيء يروى ظمأ سحبان فالنار تأجج في الروح و تلتهم الجسد / مرر لسانه على شفتيه الجافتين و طلب ماء مست يده ذراع معشوقته مزينة فتماوجت الرعشة في جسدها لكنها غالبت نشوتها و نهضت تحضر كأس ماء من مسقاة الحصن التي تتوسط الباحة الحجرية و الكون سكون و رقدة كاملة كأن لا حياة و كأن لا صبح سيبزغ بعد أحداث هذه الليلة الدموية التي تهاوت فيها النفوس وأنهارت التجربة وعم القنوط ) ان آلية هذا النمط الأولي في كلام السارد ينفرد به الفصل الأول من الرواية و الذي جاء تحت عنوان ( الصعود الى جبل الساهور ) و بديهي أن يكتشف قارىء الرواية بأن طبيعة هذا الفصل ما هو إلا روية التخايلية الختامية من زمن مكابدات العاشقان سحبان و مزينة إذ إنها بمثابة الأنتزاع الأخير في رحلات صورة الفضاء العنيف الذي ضم سحبان و مزينة في خضم حيوات حصن ( المسهج ) ومدينة ( مدرارة ) التي هي مسقط مولدهما : ( فجر هروبهما الأول من مدينة مدرارة رأى قبل أن يوقظها شيئا بارقا يومض مثل جذوة وسط الضباب وعندما استضاءت السماء بدت له اطلال مدينة غابرة عرف فيها بقايا مدينة أثرية تعرف بأسم ــ أم دفار ــ فأستنتج أن ذلك الشيء الشاخص مثل جبل وحيد وراءها ماهو إلا حصن ــ المسهج ــ حصن ممر الرياح / كان الأسم يثيره
فلطالما سمع الحكايات و الأساطير عنه و ضعه هذا الأسم في حالة ألتباس المشاعر و ارتباك القلب ــ ترى هل أوشكا على الإمساك بجمرة الحلم ؟ ) ( البنيات النصية و تفاعلية زمنية الميتاحكي ) للأسف الشديد لم يمسكا سحبان و مزينة بجمرة الحلم ؟ أننا بمعنى آخر و في إطار توضيح العلاقة التي جمعت سحبان و مزينة بسكان ذلك الحصن لابد لنا من توضيح منقولية مقابلات صيغ الميتاحكي التي ضمت صعيد السرد و العرض تحت سقف ذلك الحصن و إذا ما استرجعنا صوت المؤلفة في مقدمتها لزمن الرواية فسوف نقول بأن دلالات مجاهيل
ذلك الحصن ماهو إلا ذيوعا يوتوبيا في شكل سوي وسليم .
ولوهلة ما نرد ما قالته لطفية في مقدمة روايتها : ( رواية تفند فكرة اليوتوبيا و تكشف استحالة نشوء المدن الفاضلة و هي تستحيل خلال التطبيق الى نظم شمولية قامعة : مقدمة المؤلفة ) بالفعل فأن المصير الذي لاقى سحبان و مزينة في جو ذلك الحصن لم يتسم بطابع اليوتوبيا الفاضلة لأن الحياة مع سكان الحصن كمقابل تفاعلي لا تتسم بروح طموحات الشخوص سحبان و مزينة إلا في حدود مسافة أولية من دخولهما أبواب ذلك الحصن الفردوسي المميت : ولكننا قبل أن نهم بدخول مهاوي دلالات ذلك الحصن سوف ندخل شعاب فصل ( الصبية تنضج بين اللظى و الصمت ) لنتابع منه تفاصيل أشد فوزا وسعة بحيوات و خلفيات اطلاقية نمو الميتاحكي في مخطوطة ذوات سحبان و مزينة : ( هي تعرف لغة الماء و تنزل النهر تعرف لغة الجوع لكنها تنام على الطوى و تخبئ لواعجها وراء درع الحلم الرهيف / تسرح عيناها في الامداء القصية تستعيد لون حلمها القديم فترتعد مثل أشجار البساتين في الزوابع / : قالت سحبان ــ في القرية التي لم تكن قرية أنما شبكة مياه مجدولة
من الأنهار الصغيرة و الأبار و الجداول / قرية الماء الذي يأتي بالسمك و المحار و السلاحف كانت هناك الأبار بدلائها وحبالها و عذوبة ماءها و أعماقها الغامضة / هناك كنت ابنة الشجر و الماء لا ابنة أبي و أمي / بنات المدن ينتمين الى حضن الأم و الأب أما مزينة فكانت تشعر أنها ابنة الماء و التراب و أنها وجدت منذ الأزل شبه روح برية هائمة بين البساتين و الأنهار : قالت له ــ لم أعد خائفة من الماضي أنما أنا قلقة بشأن ما سيأتي / :ــ أخشى الأثنين معا فلن يدعنا الماضي نفلت بسهولة من براثنه ولكننا سنقاوم .. ألست معي ؟ أتريننا عاجزين ؟ هل تنقصنا الشجاعة ؟ سوف ترين ما سنفعله . وقال لها : ــ ألا تحدثيني عن مليكة ؟ سيذهب حديثك الطريف بالتعب .. حدثيني فصوتك يساند روحي و يمدني بالقوة و العزم . ) لقد اوردنا في هذا السياق مشاهد
وعلامات من شخصية مزينة وكيفية تلاحق الأحداث الماضوية بها وصولا مع علاقة حبها و فرارها مع حبيبها سحبان سرا من ذويها ومن وجه تعسف مدينتها التي حاربتها وضيقت الخناق حول مصير علاقتها العاطفية بشخصية سحبان فهاجرتها مع سحبان في جنح من الليل تطاردهما رؤية الطريد و الخائف و القلق الذي لا يفقه في مصيره من
شيء ما لا تفارقهم سوى الأحلام و الأمنيات وحبهما والتجاذب فيما بينهما على طول مساحة الصحراء نحوالفردوس المجهول : (نهض سحبان مستفزا و نظر حواليهلم يكن هناك من شيء غير الأنقاض و تلال المدينة البائدةو أكداس الحجر و بغتة رأى عامود دخان أبيض يرتفع من وراء تلة قرب الأطلال لعله كان فخا ينصب لهما لو لم
يكونا هاربين لمنحهما هذا الدخان بعض من الأمل ولكنه
الآن أشبه بالنذير / لاح لهما الحصن وهما يركضان عبر
الوادي ميزا اسوارا عالية وأعمدة تطل رؤوسها من أعالي
الأسوار بتيجانها المنقوشة التي لا تحمل سقفا أنما تقف وقفة
بلهاء لا معنى لها تحت الأبدية ) فهذا المشهد الحواري و السردي بمدته النموذجية حيث من شأنه مطابقة زمن رحلة
سبحان و مزينة وسط الصحراء فهو بمثابة حلولية المطابقة
المصورة بين زمن السرد و زمن تقنية الكولاج أو التقطيع
حيث يكون مشهدا بعد مشهد من زمنين متقاربين و تتكرر
هذه التقنية في صفحات عديدة من دلالات أفعال بنية الرواية
فيما يساهم المونولوج في توفير مدة مشهدية تساعد
الشخوص على أستلهام أحداث ماضيهم وكيفية بلوغ مستوى
قلقهم و مخاوفهم وسط موجات الصحراء و قسوة جنونها
الملوث بعصابات حراس المباني الأثرية : ( و من كوة في
كوخ متداع يقيم فيه حراس الآثار امتدت فوهة بندقية صيد
و انطلقت نيرانها صوب الوادي فأخطأتهما / قال الحارس
لرفيقه لا فائدة هرب الفاجران / قال أحد الجالسين على دكة
الحجر خلفه : أنا أفضل الطرائد التي تشوى هذا الأرنب الذي
نضج على اللهب أطيب من كل شيء الأفضل أن لا تبدد
رصاصك في أجساد لا تؤكل ثم لماذا تضربهم أنهم يريدون
النجاة بأنفسهم ولا وقت لديهم لسرقة كسر الأجر و الحجارة /
قال الذي يحمل البندقية وقد التمعت عيناه بومض داعر : ــ
حظينا مرات عديدة بنساء هاربات مع عشاقهن أستدرجناهم
وكانوا مع حذرهم يستسلمون لضيافتنا بعد أن انهكتهم رحلة
الفرار كن نساء عجيبات من نساء المدن .) و يتسع من أفق
هذه الأنعطافة المحفوفة بالمخاطر و الخوف و الترصد
لخطوات الاثنان سحبان و مزينة داخل عمق ممرات
الصحراء حيث تواجد الوجوه الصحراوية الموحشة مع
خوف الاثنان سحبان و مزينة من الانتماء الأي جهة تصلح
الى أن تكون مأوى أمن لحبهما الذي بات يخفت في حمى
الهروب و ضجيج الزواحف في قارعة الطريق و الحياة
المرعبة في قلب التيه الصحراوي . و في غضون هذا
التأرجح البانورامي / الصوري تتجلى لنا دلالات عوالم
خلفيات فصل ( نوفل النادري : يحنط الطيور و الذكريات )
في هذا الفصل تحديدا تتضح حياة الوجه الآخر من مدينة
مدرارة حيث غلب الخوف و القلق غياب مزينة عن دار
أهلها حيث بات والد مزينة نوفل النادري و شقيقتها الأصغر
منى و شقيقها زاهد في حالة أشد من الجنون و الهستيريا .
من البديهي أننا كقراء و من جانب نوعية هكذا منطلق يكابد
موقف هروب فتاة من دار أهلها لابد أن تكون في أعلى
درجات العار و خسران المحافظة العائلية من قبل الأب
نوفل النادري .. و لكن هناك حكايات حدثت بالفتاة مزينة
وحبها لسحبان هو ما جعلها أن تختار سبيل الفرار من دار
أهلها و مدينتها متجه نحو حرب الحصون الأثرية و في
أعماق رعب الأسرار الكامنة ما وراء كواليس تلك الحصون
: ( ماذا حدث فجأة لينهار هذا البيت ؟ كل شيء كان يبدو
لعيني نوفل النادري متينا وراسخا لا يزلزله شيء مرت بهذا
البيت أزمنة عسيرة وهو شاخص بوجه الأحداث و منطو
على أهله مثل زهرة تنغلق على نفسها عند أقتراب الخطر.)
بعد هذه الفقرة المشهدية من فصل نوفل النادري يحق لنا
طرح السؤال : هل تستمد رواية من يرث الفردوس قيمتها
وريادتها من الأفكار و المعالجة التي تناولتها أم من جماليات
خطابها السردي ؟ لاشك أن الأفكار في رواية الدليمي
مازالت تكتسب راهنيتها و سخونتها في مجتمع لم تنجح فيه
أنظمته الأجتماعية و السياسية الأصلاحية وصولا لحرمان
أبناءه من حرية الحب و الأختيار الأرادي في سلوكه
الشخصي . أن قيمة رواية من يرث الفردوس تكمن في أنها
لم تمتثل شخوصها لجور أساليب القمع و خنق روح الحرية
في نفوس و مفردات افرادها . فعلى سبيل المثال نشاهد
فرار مزينة مع حبيبها سحبان عند تعرضهم لمحاولة
الضغط و المناورة من قبل شخصية عواد السليم المجحفة
، و الحال أيضا مع نوفل في عدم رضوخه لأبتزازات
عواد ومنى الشقيقة الصغرى تشاركهم ذات الموقف من
التحدي و الصمود في وجه غوايات عواد السليم . والى
جانب هذه المواقف نعاين صورة ( المؤلف / الرائي /
الراوي ) وهو يجمع بين خصائص صوت الشخوص
كما تجمع خصائص النص الروائي مفهوم الحلمية في
صياغة رؤياه لمكونات مادة الرائي و الروي إذ ليسا
في الأخير سوى قناعين للمؤلف . و في رواية لطفية
تبرز لنا بوضوح العناية الكبيرة بالأستهلال و القفلة في
كل فصل مما يوفر للقارىء عناصر أضافية من حس
التشويق فيما يغري المتلقي بمتابعة أحداث زمن الرواية
الأنفتاحي حول مديات صراعات و نزوات و اندفاعات
في فضاءها الفسيح .
( ثنائية الصراع بين الحب و الموت )
أن ثنائية الصراع بين الحب و الموت حتما تجد تمثيلها
الصوري في الصراع القائم في جو الحصن الذي بات
مأوى أمنا بادئ ذي بدء لسحبان و مزينة ولكن الأمر لم
يطل كثيرا نشبت به أشكال غريبة من الصراعات و
التنافرات و التعصبات بين أفراده .فمن خلال مشاهد
فصل ( الوارثون ) نتعرف على أشياء غريبة قد برزت
في فضاء معيشة الحصن إذ ثمة ظهور خيمة تجارية داخل
الحصن تتناسل من خلالها صور غوايات و مؤامرات
دنيئة كان يمثلها الشخصية المترأسة لزمام الحصن و التي
تدعى ( إياس) ولإياس ولدا يدعى مطيع و آخر أسمه
شجاع و كان لولده مطيع الشأن التسلطي على المساكين
من أهل الحصن وصولا لأمر أعتقالاته السرية لبعض
شخوص الحصن كشخصية رشاد : ( أقبلت مزينة نحو
الرجال الأربعة وظلت تحدق في وجه رشاد الحاتمي و بقايا
شعره الأحمر الذي يحيط بصلعته : قالت لنفسها : قد يكون
هو يا مزينة كم يشبهه !! وعندما نظر أليها بعينيه الكليلتين
ميزت فيهما تلك النظرة الوادعة القديمة : قالت أنت
يا سيدي ؟ .. قال : من أنا ؟ : ــ أنت من رسم لي الجبل
في بستان أبي في النادرة قبل عشرين عاما .. من أنت يا
سيدي ؟ .. ــ أنا ؟ .. بل من أنت يا أبنتي ؟ .. ــ مزينة
أبنة نوفل النادري .. ودهش رشاد وقال لماذا ؟ .. ما الذي
أتى بك الى هنا .. الذي جاء بك يا سيدي .. جئت مع سحبان
الغفاري بعد أن حاول عواد السليم تدمير حياتنا : ــ عواد
السليم ؟ .. ــ أجل .. ــ وماذا ستفعلان هنا ؟ .. لماذا لم تذهبا
الى جبل الساهور ؟ .. ألم يكن الجبل حلمك و أنت صغيرة؟
.. أقتربي مني .. اقتربت فهمس لها : في الجبل بيت حجري
جميل لفلاح أسمه زبير الحاتمي أذهبي إليه .. أذهبا بسرعة
لا تمكثا هنا يوما واحدا .) ليس من شك فان البقاء في ذلك
الحصن الفردوسي أصبح يشكل عبئا ثقيلا عل حياة مزينة
وسحبان خاصة بعد أحتدام الصراع ما بين إياس و عصبة
من سكان الحصن .. أن رواية من يرث الفردوس كأنها
مخطط تمثيلي في قاعة العرض المسرحي إذ باتت تنسج
من خلالها العلاقات الشخوصية في عالم الحصن صورا
تخييلية بليغة عن القيم و الطبائع و الأهواء وصولا الى
مرحلة التعصبات و الخلافات و القتل و سفك الدماء ..
و تبعا لهذا تحولت حياة الحصن الفردوسية الى ساحة نزاع
و موت و صراخ و بكاء و ثأر بعد أن تقاتل الأخوة أبناء
إياس فيما بينهم فراح الشخصية مطيع ولد إياس صريعا في
دماء موته البارد .. ( مشى سحبان منهك القوى في الأروقة
المظلمة التي لم يوقد مشاعلها أحد هذه الليلة سار حزينا حزنا
لاحد له يعتري خطاه الأضطراب و يعتصر قلبه الفزع و
انهمر المطر على الدنيا محاولا غسل أحزانها و تفتيت
مصائبها / و إذ هو ضائع بين الأروقة هاجمه الظمأ اللعين
الذي يعرفه ظمأه الأبدي الذي لا يروى و رأى الموت يطوق
بالحصن و يتسلل الى القلوب كلها ..)
( تعليق القراءة )
أعتبر جينيت أن موضوع البويطيقيا هو معمار النص لكنه
في سنة 1982 يرى أنه عدل هذا الموضوع و لم يبق هو
معمار النص أو معماريته بما أنها مجموعة المقولات العامة
أو المتعالية ــ أي أنماط الخطابات ــ و أنواع التلفظات التي
نجدها في كل نص على حدة .. ألا أننا كقراء لرواية من
يرث الفردوس نرى بأن هناك جملة بنيات سردية خطابية
متعددة في معمارية النص أبرزها ما تحتويه مجالات نواة
حاصلية وقائع النص من مؤثرات تعددية ( خارجية /
داخلية ) وصولا الى أنفتاحية سياقية من شأنها ربط جل
العلاقات النصية المتفرعة داخل فصول محتوى الميتاروائي
الفصولي وهو يأخذ في مراحل السرد الفصولي مساحة
إضافية ما من الوعي الذاتي للحكي أو المحكي المسرودي
.. و كل هذا ساهم في تطوير دراستنا السريعة لمادة الرواية
بحثا لها عن بنية تسمية نصية معينة . لأجل طرح استقلالية
النص و تبعيته المعمارية ليتبين لنا من خلال قراءتنا
لمشروع رواية لطفية بأن هناك معمارية نصية مدلولية أوسع
من مساحة فكرة العشق و المغامرة الفنتازية . إذ هناك قيمة
موضوعية أكبر من بناء الرواية ذاتها و معنى هذا أن
الرواية بكل ما تحمله من كلية أطروحية في مفاصل خطابها
لم تقر بكل ما تم في دواخلها الأساس من خلفيات رسومية
و بنائية و دلالية متكاملة . لكننا و بلمح التبصر القرائي
أدركنا حجم حجوبية خطاب النص عن قوله الحقيقي ، و ذلك
لأسباب تتعلق بصعيد سياسي كبير و خطير . على أية حال
أنتهت أحداث رواية المبدعة لطفية الدليمي متضمنة مجموعة
شرائط شفروية كبيرة تدعمها خلفيات واسعة من القرائن
السردية البانية لمتتالية محورية سردية جميلة و مشوقة
و مؤثرة أخذت لذاتها لغة و علامات و استفهامية المحكي
المتعدد بحمولاته الأصواتية المتخيلة ليغذي سلطة الرمزية
الأسلوبية في تسميات التفاعل الملفوظي و الظرفي و الذواتي
و التشخيصي ليفضي في الرواية دلالات من ثنائية الصوت
المتعدد في الداخل النصي و الخارج التحاوري فيما أضحت
تجريبية موضوعة الرواية بمثابة المراوحة و الأرتداد من
خلال فضاءات أزمنة شخوص رواية أنتهت حكايتها بين
يوتوبيا الحب و فردوس الموت .