خلق النفوس المتعالية عن التباغض والملتفّة على المحبة والمتطلعة للموضوعية هي الركن الأساس في بناء علاقة وطيدة بين المنابر الأدبية.
أثارت مقالتي السابقة عن الرواية العراقية داخل وخارج العراق الكثير من ردود الأفعال والتفاعل من عدد لا بأس به من الروائيين والنقّاد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الردود بحد ذاتها دليل على أن ما ذهبت إليه مازال محطّ نقاش وجدل، وإذا كنت في المجمل أهدف من وراء المقالة تحريض النقد الخامل نوعاً ما للتواصل مع التجارب الروائية العراقية الكثيرة والمتنوعة، فإن البعض ممن علّق أحالني إلى قصور وتراجع الحركة النقدية في العراق نتيجة انشغال النقّاد أنفسهم بتجريب حظوظهم في كتابة الروايات انسياقاً وراء الجوائز.
فراح الكثير من الروائيين أنفسهم بالتصدي لمهمة الكشف عن التجارب الروائية المتميزة والتبشير بها وتسليط الضوء عليها، وتعتقد الكاتبة لقاء موسى بأن النقد العراقي يحتاج إلى مجلات ومواقع أدبية متخصصة تفتح صفحاتها لتجاربه الرصينة كي تُفرز الأعمال الروائية الأكثر جودة وتُسلط الأضواء على نتاج المبدعين البارزين.
بينما عدّ الروائي العراقي خضير فليح الزيدي المقالة إنصافا للتجارب الروائية العراقية الجديدة والناهضة حسب تعبيره وتلفت الانتباه إلى الغبن النقدي الذي تعاني منه الكثير من الأعمال الروائية، على الرغم من أنَّه يعتقد بأن مفهوم رواية الداخل والخارج أصبح من الماضي، وما هو إلا عقدة أوجدتها الدوائر الثقافية ودور النشر العربية.
من جانبه يعتقد الروائي العراقي حميد الربيعي بأن الرواية العراقية لا تعاني من الغبن إلى هذا الحد، وثمَّة ظروف تحول دون انطلاقها وتسليط الضوء عليها إعلامياً، بيد أنَّها أصبحت مُنافسة إلى حد ما في العالم العربي، على الرغم ممّا يكبّل هذه الانطلاقة من قيود، وهي جزء من مشكلة بنية الثقافة العراقية وما يعتري المجتمع العراقي من إشكالات متعددة، كما أكد على قضية تقصير النقد العراقي في مهمته.
أما الكاتب والروائي العراقي البارز ناطق خلوصي، الذي عُرف بمواكبته للتجارب الروائية الجديدة ومواصلة الكتابة عنها إلى جانب غزارته في الكتابة الروائية، فيعتقد أن ما ذهبت إليه في مقالتي الأولى دقيق جداً، وأن العتب يقع على النقّاد الذين أداروا ظهورهم للسرد المغترب مكتفين بما نكتبه نحن الروائيين من قراءات نقّديَّة عن تجارب بعضنا البعض، ونوّه إلى أنَّه كتب شخصياً الكثير من القراءات النقّديَّة في محاولة لسدّ النقص النقّدي الحاصل في هذا المجال، على الرغم من أنّه لا يرغب بإطلاق صفة الكتابة النقديَّة الأكاديمية على ما يكتب، لكنَّه نجح على الأقل في تسليط الأضواء على أكثر من عشرين عملاً روائياً عراقياً ضمن مشروع يطمح في أن يتواصل بهدف التعريف بالسرد العراقي.
أما الكاتب والناقد العراقي المعروف أحمد الحلي فكتب معلقاً بأن الرواية العراقية في الداخل والخارج بحاجة إلى النقد الممنهج المستند إلى رؤى نقديَّة منفتحة وليس ذلك النقد المقيد بمدارس نقديَّة متحجرة وأساليب عفا عليها الزمن تحاول إخضاع النصوص الجديدة إلى مساطر وقوالب جاهزة.
ويعتقد الكاتب العراقي عمّار الثويني بأن الحقيقة التي لمسها للأسف هي الكسل والتقاعس النقّدي عن تناول الأعمال الجديدة وعرضها وتمحيصها، كما أن ما ينشر من عروض سريعة أو غير متخصصة للروايات في الصحف يستند بالدرجة الأساس إلى حزمة العلاقات الشخصية بغض النظر عن المستوى الفني لتلك الروايات.
أما الكاتب إحسان عبد الكريم عناد فيقول، يغفر لمن يجهل.. ويسامح من لم يطلع.. ويمنح الناقد فرصته في إبداء ذائقته وفق المنهج النقدي الأكاديمي.. ولكن خلق النفوس المتعالية عن التباغض والملتفّة على المحبة والمتطلعة للموضوعية هي الركن الأساس في بناء علاقة وطيدة بين المنابر الأدبية.
نقلا عن العرب