18 ديسمبر، 2024 8:20 م

الرواية العراقية ما بعد 2003 (رواية الصراع الطائفي) صورة السياسي والديني

الرواية العراقية ما بعد 2003 (رواية الصراع الطائفي) صورة السياسي والديني

لقد حاولت الرواية العراقية بعد (2003) أن تكون أكثر قربا وانهماكا داخل واقعها بكل صراعاته وتصدعاته السياسية والاجتماعية، لذا راحت تعبر عن أبرز الظواهر حضورا وهو الصراع الطائفي المأساوي الذي ظهر بعد الاحتلال، وما جره من قتل وتهجير وتبعات نفسية واجتماعية، احتلت مساحات واسعة من النتاج الروائي، حيث تناولت موضوعة (الصراع الطائفي) بمختلف الطرق والأساليب الأدبية والفنية لما يشكله هذا الصراع من صدمة أتت على كل أمل جميل في بلد مثل العراق، انعكس ذلك على الفضاء السردي العراقي، و بنية النص التي بدت أكثر سوداوية وتشاؤما ، كما ظهرت المواقف من الإحداث أكثر تشظيا وضياعا، أسهم ذلك في انعدام الرؤية والتوجه المستقبلي الخلاق حتى بدت كأنها رؤية تدور في مكانها ترصد وتوثق حالة التمزق العامة التي أحدثت شرخا في النسيج الاجتماعي العراقي وفوضى في القيم الوطنية والفساد السياسي، والأخلاقي و ازدواجية في المعايير الإنسانية العامة حتى احتلت صورة الصراع والموت مكان الفاعل أنا الكاتب. لقد خلق هذا النوع من الروايات تميزا واختلافا عما شاع آنذاك من رواية الحرب الأهلية سواء في الغرب أو في المنطقة العربية مثل لبنان وسورية وذلك بحكم المتغيرات في الوعي وتنوع أساليب السرد واختلاف تقنياته، كما أن الانفتاح على التجارب العالمية أعطى الروائي العراقي حرية نسبية في تمثل أشكال الصراع الطائفي والأسباب التي تقف خلفه، أسهم ذلك في إنتاج نصوص ذات توجه نقدي تحليلي توثيقي ينفتح على مختلف الأحداث و عوامل تاريخية، وسياسية، ودينية ، تتيح له سبر عمق هذا الصراع والقوى الفاعلة في تغذيته، كما يكشف هذا النوع من النصوص عن مستويات جمالية ذات حساسية فنية متقدمة في السردية العراقية تمكنت من تحقيق خصوصية هذا النوع الروائي، و نجح في أن يضفي على الرواية العراقية سمة مميزة حقق على أثرها الروائي العراقي حضورا مهما على المستوى العالمي والعربي وهو ما دفعنا لوضع ذلك ضمن الإطار التجديدي و الإبداعي للرواية العراقية ، تمثل ذلك في العديد من الروايات التي اتخذت من الصراع الطائفي ثيمة  أساسية في بنائها ، ومنها رواية قياموت للكاتب ( نصيف فلك) واحدة من الروايات الأكثر انهماما وانهماكا في إشكاليات الصراع الطائفي اليومي وفي أكثر تفاصيله تأثيرا وحضورا في الرواية العراقية وهو الصراع السياسي والديني بكل تصدعاته واختلالاته وإفرازاته الاجتماعية والنفسية. تقوم ثيمة الرواية على فعل القيامة والموت كما يصرح عنوان الرواية ( قياموت ) وهي ثيمة مركزية تنتقد بجرأة وشجاعة موضوع الثقافة الدينية والسياسية، أحد أهم عوامل التراجع والقتل الممنهج ما بعد التغيير، حيث يعلن الكاتب منذ اللحظة الأولى على لسان أبطاله سهامه النقدية للمنظومة الدينية والسياسية بكل انتماءاتها الطائفية والسياسة التي لم تنتج سوى ثقافة الموت، والأصوليات، كمنتج أصيل (جيوش على مد البصر من عفاريت الأوس والخزرج يصطفون على باب نومي يطرقونه بسيوفهم: جيش العرش وجيش السماء وجيش الذباحة وجيش العلاسة وجيش الصكاكة وجيش الخلفاء وجيش الحلفاء وجيش الجلفاء ) ص8 . كما تمثل رواية (بوصلة القيامة ) للروائي (هيثم الشويلي ) لحظة شك ومراجعة و توثيق وأرشفة لمرحلة ما قبل التغيير بكل ما تحمله المرحلة من مشاهد وحشية وأساليب قمع واضطرابات نفسية واجتماعية، كانت مقدمة وسبب ونتيجة لفترة ما بعد التغيير، يلخصها الكاتب في استهلال قصير ومكثف عن موضوع الرواية (كل الروايات لم تكن أقرب من الخيال بقدر الحقيقة التي أصبحت شيئا من الخيال في مملكة الجحيم) فالرواية تحكي قصة رجل تشبث بالحياة بقوة مقاتل، بعد ما اكتشف انه يملك ثلاث أمهات ورابعتهم الجدة ) ص5. تقوم ثيمة الرواية على ثنائية (الأنا) المقموع، الطفل المواطن من أصول شيعية أمام الآخر من أصول سنية القامع الحاكم الطاغية والتي تعكس طبيعة الصراع الطائفي ما قبل وما بعد بكل دلالاته الفكرية والنفسية والاجتماعية المتمثلة في ثنائية تتناسل منها ثنائيات على كبر مساحة الوطن. أما في رواية ( فندق كويستيان) للروائي (خضير فليح الزيدي ( يسعى الكاتب إلى إعادة التذكير بأنموذج سابق وهو أنموذج التآخي ما بين هذه العينات المختلفة الانتماءات والتوجهات، التي تتجلى في رواية كتبها قبل أحداث التغيير (مخطوطة) وجاء ليطبعها في العراق لكن تنتهي محاولته بالقتل على يد المليشيات الطائفية والتي تحولت فيما بعد إلى اقتتال وتشريد وكره أعمى بين أبناء البلد الواحد. كذلك نجد إن رواية (مثلث الموت) للروائي (علي لفته سعيد) تصور  هذا الصراع الطائفي على شكل مثلث رأسه السلطة السياسية واضلاعه  المذاهب الدينية التي تسعى للاستحواذ على السلطة من خلال إعادة أنتاج صورة الماضي تبدأ الرواية بوثائق تدين الكثير من الوجوه السياسية والدينية البارزة التي تحاول خلط الأوراق للفوز بالسلطة ، لذا كان هذا الصراع يتخذ من المكان بؤرة مركزية . تبدأ رواية ، (مثلث الموت) لفك شفرة الصراع عبر احداث تجري في مثلث يقع مابين بغداد والحلة وكربلاء ( المحمودية ) يمثل عنوان الرواية مثلث الموت العتبة الاولى والذي ينتهي في آخر عتبة للرواية وهي (الموت صناعة وطنية) ولو حاولنا فك شفرة هذه الدلالات سنجد أن هذه الدلالات تأخذ شكل مثلث أضلاعه الثلاثة تشكل هرما رأسه المدبب يرمز للموت الطائفي وضلعاه القائمان المتصلان بالرأس والقاعدة يمثلان الدين والأحزاب السياسية، وقاعدته الجماهير المسحوقة الفاقدة لمصيرها ومستقبلها، وهو ما يرسم شكل العلاقة الخفي داخل الواقع الفعلي في العراق والتي تقوم على أساس التنافس والصراع الطائفي ما بين هذين المحورين ديني / سياسي ، والتواطؤ والتآمر والإقصاء ضد المحور الثالث والذي يمثل المواطنة/ الجماهير بغية الوصول إلى رأس الهرم، الحكم على حساب القاعدة التي هي الجماهير التي ترمز دلاليا بالكبش أو الضحية ( إنه صراع الموت ..الاحتلال بحاجة لمقاومة، والمقاومة بحاجة إلى موت والعنوان هو القتل ) ص121. لذا نجد ان هذا النوع من الروايات اتسم بمعاير جديدة ومختلفة عن روايات ما قبل التغيير أبرزها، أنها تتخذ من الحدث الآني أو ما يطلق عليه هنا والآن( الصراع الطائفي) مكانة مركزي في بؤرة الأحداث التي تراجعت مكانها أنا الكاتب ، وتشظي لصورة البطل، وتعدد صوت الروي أمام تكثيف لزمن الصراع ومكان الصراع وصور الخراب. كما وجدنا هناك تفوق واضح في هذه الروايات للجانب التوثيقي، والفني على الجانب الفكري- أي أن المادة الفنية والتوثيقية كانت اكبر من بعدها الفكري وهو ما يشكل ضعفا واضحا في الجانب الفكري العام . وكشف هذا النوع من الروايات أن هناك علاقة وثيقة بين الصراع الطائفي وبين الفساد الاقتصادي و المتغيرات السياسية التي طرأت على العراق بعد 2003 حيث تم إسقاط قيم ومفاهيم كانت تمثل طبقات سياسية حاكمة وبروز أخرى خاصة بالطبقات السياسية الجديدة مثل الطائفة والمذهب والعرق والدين والعشيرة ….الخ وهي أحد أهم عوامل الصراع .
كما كانت صورة الموت والخراب في ظل الصراع الطائفي كحتمية أبدية (لعنة ) مع غياب شبه تام لصور الحب والأمل والمستقبل، ما يكشف عن ترسيخ صورة واحدة تساهم في ترسيخ أنساق ثقافية عدائية تشاؤمية مغلقة، وأن المكان في هذا النوع من الروايات كان يمثل الاطار المركزي للروايات كونه مادة الحوادث . وعليه فقد سعينا جاهدين لكشف ابرز سمات هذا النوع من الروايات ووضع ابرز خصائصه الفنية والموضوعية .