– الرواية العراقية أراها مقصرة لحد الآن في تناولها للماضي العراقي ابتداءً من تاريخ حضاراته القديمة
حاوره : عامر القيسي
وصفته صحيفة الموندو الاسبانية بـ “واحد من أهم الروائيين والمسرحيين العراقيين المعاصرين وأحد أبرز مترجمي كلاسيكيات الأدب الإسباني إلى العربية”، حصدت روايته “الفتيت المبعثر” بترجمتها الى الانكليزية جائزة أركنساس 2002 ونالت الترجمة الإنكليزية لرواية ـ(حدائق الرئيس) جائزة القلم الدولي2016، وجائزة سيف غباش بانيبال 2018.
حول مفهوم “رواية الداخل والخارج” الشائع في السرديات النقدية العراقية بل والعالمية حتى و السمات المشتركة لروايات المنفى ، وان كان يصح أن نصنفها كمفهوم نقدي في إطار الدراسات أو النقود التي تناولتها ، يقول الرملي” مفهوم رواية الداخل والخارج مفهوم نقدي مصاغ أصلاً منذ زمن طويل في مختلف ثقافات العالم، وفي العصر الحديث نجده في الأدب الإسباني والألماني والصيني والكوبي وغيرها، ومعتَمد في الدراسات الثقافية بشكل عام وفي الدراسات الأكاديمية، وهو مفهوم إجرائي صحيح، شخص الكثير من السمات العامة لعموم هذه الآداب والسمات الخاصة بآداب كل بلد، ويمكننا أن نذكر منها على سبيل المثال، التباينات في: هامش الحريات، وجهات النظر والتناول، المؤثرات الثقافية واللغوية والأساليب، التعامل مع المكان والزمان والقيم.. وغيرها.
ذاكرة الماضي
– غالبية روايات المنفى، إذا لم يكن جميعها، إذا اتفقناً افتراضاً على هذا المفهوم، منغرسة في ذاكرة الماضي، بل ان بعضها تتحدث عن اشكالات مجتمعية وسياسية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة. ويبدو زمنها محصوراً بما قبل الخروج من الوطن الأم.. كأن الروائي غارق في زمن الماضي.. هل هذا التوصيف صحيح؟
ـــ لا أتفق مع هذا التوصيف، فبشكل عام كل الروايات في العالم قائمة على الذاكرة وتناول أمر مضى، باستثناء روايات الخيال العلمي التي تتخيل المستقبل، وهي ذاتها معتمدة أيضاً على معطيات من ماضي العلوم وماضي التجربة الإنسانية، وفيما يتعلق بالرواية العراقية، فعلى العكس، أراها مقصرة لحد الآن في تناولها للماضي العراقي ابتداءً من تاريخ حضاراته القديمة وإلى اليوم، فلحد الآن ليس لدينا روايات تدور أحداثها في حقب سومر وبابل وآشور وأور والحضر والنمرود وغيرها، بينما نجد الكثير من النماذج الروائية في ثقافات أخرى تتدور أحداثها في زمن الفراعنة والرومان والفايكنج والمايا وحضارات الصين القديمة وما إلى ذلك، وربما يعود انشغال الرواية العراقية بالتاريخ القريب الحديث، بسبب حداثتها أولاً وبسبب فداحة الأحداث التي شهدها وعايشها الكُتاب، بحيث يطغى اهتمامهم بها على ما سواها.
اللغة الأخرى
– كتب محسن الرملي أعمالاً باللغة الاسبانية، هل فضاءات هذه اللغة منحتك حرية أوسع في التعبير عن أفكارك، وأنت الموّلع بها منذ كنت داخل الوطن وتعلمتها في تلك الفترة، على حد علمي؟
ـــ صحيح أنني أحب اللغة الإسبانية، ولكنني أحب اللغة العربية أكثر وأجد نفسي في التعبير بها أفضل وأعتبر نفسي في نهاية الأمر كاتباً عربياً عراقياً، أما الأعمال التي نشرتها بالإسبانية فكانت لكل منها ظروفه الخاصة به، منها ما يتعلق بمناخ العمل نفسه، ومنها لأسباب مادية وأخرى في إطار مناسبة ما، ولكنها في العموم جزء من حرصي على المشاركة والتعايش والتواصل مع المحيط اللغوي والثقافي الذي أعيش فيه.
التجريب الروائي
– في كتابك “ليالي القصف السعيدة” تبدو كما لو أنك تخوض غمار التجريب الروائي في الشكل والأسلوب واستخدام الشخصيات الحقيقية، حتى انك لم تصنف هذا النتاج على غلاف الكتاب، هل هو رواية أم ماذا؟ حتى لو كان كولاجاً سردياً ، هل كنت خائفا من التوصيف الروائي لتلك الليالي؟ بوضوح: لماذا تركت هذا النص دون تسمية؟
ـــ بالفعل، لهذا الكتاب تجربته الخاصة، فنصفه كولاجاً سردياً يمتزج فيه كل شيء، بما في ذلك مقاطع من نصوص لآخرين وصحافة وتاريخ وشعر وغيرها، والنصف الآخر قصص قصيرة، وأنا أحب تجربتي في هذا الكتاب شكلاً ومضموناً، فمن حيث المضمون أردت القول بأنه يمكننا النظر إلى العالم حتى من خلال مفردة واحدة، وهنا اتخذت مفردة (القصف) وبالطبع هناك تجارب أخرى لكتاب آخرين من ثقافات أخرى سبقوني في ذلك عبر محورة عمل كامل على أساس مفردة واحدة، أما من حيث الشكل، فكان من السهل عليّ، وبتغييرات بسيطة أن أحوله إلى رواية أو إلى مجموعة قصصية، لكنني كنت أحب وأميل إلى التجريب، عدا أني أحلم ذات يوم بكتابة كتاب جامع ومفتوح بلا تجنيس ثابت، كما كان يحدث في الكثير من الكتب الكلاسيكية العربية، وربما كان هذا الكتاب محاولة أولى لتجربة ذلك.
التأثيرات الخارجية
– هل تأثرت نصوصك الروائية وغير الروائية بثقافات بيئة المنفى، خصوصا وانت الباحث في التأثيرات الثقافية المتبادلة كما في شهادة الدكتوراه التي حصلت عليها في اسبانيا والتي كان موضوعها أثر الثقافة الإسلامية في رواية “دون كيخوته” لميغيل دي ثرفانتس؟
ـــ نعم، بكل تأكيد، شئتُ ذلك أم أبيت، فأنا أعيش في إسبانيا منذ أكثر من ربع قرن، ودرستُ وتزوجت وأنجبت وكتبت ونشرت وعملت فيها وما أزال، وأحمل جنسيتها ليس بالأوراق فقط، وإنما أتفاعل وأساهم في محيط حركتها الثقافي والتعليمي، وقد مثلتها أكثر من مرة، كما استعانت بي مؤسسات ثقافية إسبانية، داخل وخارج إسبانيا، للحديث عن ثقافة إسبانية ومنها الحديث عن (الكيخوته) مثلاً. أما في نصوصي فالتأثيرات واضحة وحاضرة بأشكال مختلفة ومتفاوتة في الكثير من قصصي القصيرة وفي أعمالي الروائية مثل (الفتيت المبعثر) و(تمر الأصابع) و(ذئبة الحب والكتب) و(أبناء وأحذية).
اشتغالات متنوعة
– اشتغالاتك متنوعة بين الرواية والمسرح والترجمة والشعر والتنظير، أنا أتحاور معك هنا كروائي، رغم ان صحيفة الموندو الاسبانية وصفتك بـ “واحد من أهم الروائيين والمسرحيين العراقيين المعاصرين وأحد أبرز مترجمي كلاسيكيات الأدب الإسباني إلى العربية”.
ــــ في خلاصة الأمر، أنا كاتب، أداتي الكلمات وعملي الكتابة، بغض النظر عن التصنيفات الداخلية لعالم الكتابة، وعادة ما يفرض محتوى العمل وفكرته شكل وجنس النص، فبعض الأفكار تصلح لقصة قصيرة وأخرى لمسرحية وأخرى لقصيدة وأخرى لرواية وهكذا، ومؤخراً حتى الرواية صارت تسمى كتاباً أكثر من تسميتها رواية، وفي رأيي، هذا صحيح، لأن الرواية كتاب معرفي حقيقي وليس مجرد سرد حكايات للتسلية، وبما أن الرواية أقدر من غيرها على استيعاب الكثير من الأفكار والقضايا والمواقف والأشكال الفنية، مهما تكن شائكة ومعقدة وحتى ملتبسة أحياناً، تجدني ألجأ إليها أكثر من غيرها، دون أن يمنعني ذلك من ممارسة كتابة الأجناس الأخرى، بل انني أعمد إلى تضمينها أحياناً داخل العمل الروائي نفسه، كما فعلت، بشكل واضح وكبير، في رواية (ذئبة الحب والكتب).
الهجرة الابدية !
– عدت الى العراق عام 2004، ووصفت عودتك بـ “جزء من إشكالية الذي يهاجر يعني أنت تهاجر مرة واحدة فأنت مهاجر إلى الأبد، يعني تبقى في البلد الجديد أجنبي وإذا عدت إلى أرضك فأنت أجنبي”. هل ضاق بك الوطن أم أنك لم تعد تعتبره وطنا بالمعنى الكلاسيكي للوطن؟
ـــ هذا ما أثبتته التجربة، فما أن تهاجر مرة، فأنت مهاجر إلى الأبد، وخاصة عندما تقضي وقتاً طويلاً في المكان الجديد وتتعايش معه بشكل حقيقي، ستتغير فيك أشياء كثيرة مثلما ستتغير أشياء كثيرة في وطنك الأم، لذا ستشعر بغربة من نوع ما، عند معاودة اللقاء به، مثلما أنت أصلاً غريب في البلاد الأخرى… كان ومازال الوطن موضوعة حاضرة بقوة في كل أعمالي، من حيث محاولة البحث عن مفهوم له وطبيعة العلاقة به، وأعتقد بأنه لو تتبعها باحث ما، سيكتشف طبيعة تحولات الرؤية والعلاقة عندي حياله. لقد ظل سؤال الوطن يطبخني وأطبخه على نار ملتهبة أحياناً وهادئة أخرى، وأعتقد بأنني سأموت دون الوصول إلى مفهوم نهائي عنه، مع أنني الآن في مرحلة القناعة بترجيح مفهوم المواطنة على مفهوم الوطنية، لأن المواطنة مفهوم موضوعي، تعتمد على أسس وقوانين واضحة تحترم وتساوي بين الجميع وبين الحقوق والواجبات وتتجاوز العنصرية والتمييز على أسس ضيقة، بينما الوطنية مفهوم غير مفهوم كلياً، عاطفي، ضيق، متعصب ويمكن التلاعب به والمزايدة فيه وتوظيفه لما قد يضر أحياناً أكثر مما ينفع.
متغيرات زمنية
– في “حدائق الرئيس” و”ليالي القصف السعيدة” تناولت الحرب بشكلين مختلفين، وفيهما بحسب قراءة نقدية لهما “نجح الرملي فيما اختار من طرائق للسرد متكئا على فكرته الأساسية، أنه على مدى نصف قرن، لم تتبدل حياة الناس البسطاء، الحروب، الحصار، المقابر الجماعية وفوضى الاحتلال” كيف ثبّت الزمن على هذا الامتداد؟
ـــ عادة، إننا لا نستطيع قياس الزمن دون ربطه بأحداث، وبما أن الأحداث التي عصفت بالعراق، على مدى العقود الأخيرة، كانت كلها من نوع واحد وهو الخراب والوجع، لذا يبدو وكأن الزمن متوقف، وبما أن الأدب، بوصفه الأول، هو وصف، فهذا بحد ذاته وصف ينطوي على إشارة وتذكير بأن الزمن يتغير، فيما نحن نراوح في الحفرة نفسها، وعلينا أن نجد سبيلاً للخروج منها كي نشهد ونستثمر ونستمتع بتغيرات الزمن.
الرواية ليس حكايات
– في أعمالك غالبا ما تحاول طرح السؤال التقليدي: هل نحن مسيرون أم مخيرون في حياتنا؟ الذي كان ومازال محط اجتهاد واختلاف على مستوى الفلسفة والمدارس الدينية.. ما الذي تريد قوله في هذا الطرح؟
ـــ في رأيي، أن العمل الأدبي، وخاصة الروائي، لابد أن ينطوي على طبقات أعمق من الطبقة السطحية الظاهرة منه، والتي هي الحكاية، لأن الحكاية في نهاية الأمر، هي مجرد إطار أو وسيلة لإيصال رؤية أو تفكير معين، والحكاية كأداة، هي أمر تستثمره مختلف الميادين الأخرى كالتعليم والدين والفلسفة والتاريخ والإيديولوجيا وحتى العلوم، لذا فالأدب، ومنه الرواية، هو ليس مجرد حكايات، وإنما حامل لمواضيع وقضايا وأسئلة كبرى تمس جوهر الإنسان، فنجد جل الأعمال الخالدة أو الجيدة، تتمحور، في عمقها، حول مواضيع أساسية، كالموت والحب والمصير والألم ومحاولة البحث عن معنى للحياة ورؤية معينة للعالم.. وما إلى ذلك من هموم وقضايا وجودية، ومن ضمن ذلك يأتي طبعاً السؤال الأزلي، فيما إذا كان الإنسان مسيراً أم مخيراً، مهما بدا سطح العمل الأدبي يتحدث عن أشخاص محددين في مكان محدد وظرف محدد، الأدب صورة للإنسان في مظهره وفي جوهره، وفي جوهر كل إنسان تكمن أسئلة وجودية يتكرر طرحها دائماً، وهذا ما يفعله الأدب، وأحاول فعله أنا أيضاً من خلال الأدب.
التداخل السينمائي
– في تقنيات الكتابة الروائية لديك، يلاحظ تدفق المشاهد فيها كما سيناريو سينمائي، ماهي تأثيرات الاشتغال السينمائي على أعمالك الروائية؟
ـــ لا يوجد أي فنان معاصر لم يتأثر بشكل ما، بتقنيات فن العصر، الذي هو السينما، وفي رأيي أن الرواية والسينما يتشابهان من حيث قدرتهما اللامتناهية على استيعاب مختلف أشكال الفنون الأخرى، وشخصياً لي أصدقاء من الوسط السينمائي الاسباني والعربي أو ممن لديهم اهتمام واشتغال فيه، وكانت لي تجارب بسيطة في العمل السينمائي بشكل مباشر ككتابة سيناريو أو تمثيل أو مساهمة في مونتاج ونقد وتحكيم وما إلى ذلك، إلا أنني وبحكم انحيازي للأدب أصلاً، أعتبر أن تقنية المشاهد في السينما هي التي تأثرت بتقنية المشاهد في الرواية والمسرح والملحمة والحكاية وليس العكس، بحكم أن هذه الأجناس قد كانت سابقة لظهور السينما بقرون، وبما أنني مشتغل ومنشغل بالأدب أكثر من أي فن آخر، لذا أعتقد بأن الصياغات المشهدية في أعمالي متأثرة بالأدب أكثر من تأثرها بالسينما.
تجنب الحيل السردية
– في “حدائق الرئيس” تبدو واقعيا جدا ومتجنباً للحيل السردية، وسأذهب مع قول ماركيز “ان الواقع أغرب من الخيال” هل كان هذا تصورك وانت تكتب الحدائق؟
ـــ غالبيتنا نتفق على مقولة (الواقع أغرب من الخيال)، والتي أضيف إليها كلمة (أحيانا)، لأن الخيال هو الرائد للواقع أصلاً وسيبقى متفوقاً عليه دائماً، كونه غير مقيد بأية قيود منطقية ومادية كما هو الواقع، وأنا حين كتبت “حدائق الرئيس” لم أكن أسعى أو أبحث عما هو غرائبي، وإنما كنت أحاول بشكل ما، الصراخ بقوة وصف الألم والمحنة والمصير وبما أشرت إليه سابقاً عن تكرار السؤال الكبير المتعلق بكون الإنسان مسيراً أو مخيراً. تمسكت بالواقعية، حد الوثائقية أحياناً، لأقول للعراقي، من الجيل الجديد والأجيال القادمة، وللعربي الذي لم يشهد تفاصيل كثيرة مما جرى داخل العراق الدكتاتوري، وللأجانب من غير العرب الذين يكررون طرح أسئلة عليّ، في المحاضرات واللقاءات في أكثر من بلد، عن حقيقة ما جرى وما يجري في العراق، لأقول لهم (هذا ما حدث)، لذا فهي العمل الروائي الوحيد لي، حتى الآن، الذي استخدمت فيه، كتقنية عامة، صيغة (الراوي العليم) وليس ضمير المتكلم.
رمزية تكرر المشهد
– في الرواية نفسها تبدأ بمشهد الرؤوس المقطوعة في صناديق موز، بينما هو خاتمة الرواية؟ ماهي الدلالات الرمزية لهذه التقنية؟
ـــ هي تقنية صعبة وفيها مغامرة، أن تبدأ رواية من نهايتها، على الرغم من أنها ليست جديدة، ولكن تطبيقها ليس شائعاً، وفيها نوع من تحدي الكاتب لذاته وأدواته. المشهد واقعي حدث في قريتي وأشرت إليه في الإهداء، لكنه بالفعل ينطوي على دلالات كثيرة بعد أن تحول إلى عمل أدبي، ومنها صناديق الموز التي تشير إلى وجود تدخلات خارجية، لأن العراق ليس بلد زراعة موز، كما أن المشهد برمته، كأنه مقدمة تقول: سأحكي لكم من الآخر، بلا لف ولا دوران، هذه هي نتيجة ما عشناه في العقود الأخيرة.
الانتفاضة النبيلة
– ما كان موقفك الشخصي من انتفاضة اكتوبر 2019؟
ـــ معها بكل تأكيد، وبكل قلبي وعقلي وجهدي ووقتي منذ انطلاقتها، لأنني أعرف الكثير من الشباب المساهمين فيها وفي تنظيمها وتحريكها، وأعرف نبلهم وصدقهم ووعيهم وكيف يفكرون وماذا يريدون وأثق بهم، وكنت على تواصل يومي معهم، وفي رأيي هي أهم وأشجع وأنضج وأنظف حراك ثوري عراقي حقيقي، انتفض في ظل ظروف صعبة ومعقدة، ضد طبقة حاكمة فاسدة أنهكت البلد وتقوده كل يوم إلى هاوية أكبر، لذا فهي تشبه انتفاضة الأنفاس الأخيرة قبل الاختناق، مصحوبة بإرادة حقيقية ونية صادقة لإنقاذ البلد.
المثقف الصامت والضد !
– ما هو تقييمك لموقف المثقفين والأدباء العراقيين من هذه الانتفاضة، وأنت الذي طالبت بعدم قراءة أي حرف لأي أديب أو مثقف لم يدعم الانتفاضة الشعبية التي طالبت بوطن؟
ـــ لست أنا وحدي من يقيمهم، وإنما الناس، بل وحتى هم أنفسهم، ذلك أن معيار تقييم المواقف صار واضحاً في ظرف كهذا، وهو، واحد من ثلاثة: إما مع انتفاضة شعبك، أو ضدها لأنك مستفيد من الوضع المزري والقاتل الذي هو فيه، وإما أنك حيادي ذو دم بارد وعديم الحس، لا تكترث بدم خيرة شباب بلدك يسفك في الشوارع وتسكت… وعلى هذا الأساس، فبالتأكيد سأقاطع قراءة أي نتاج لأصحاب الموقفين الآخرين، الضد والساكت، فكما يقال “هذه الثمرة من هذه الشجرة” فأية ثمرة ذات قيمة سأنتظرها من مثقف يقف ضد انتفاضة شعبه أو آخر عديم الإحساس لا تحرك فيه شيئاً معاناة أهله ولا استباحة دمائهم وأموالهم ووطنهم ومستقبلهم وأحلامهم! لا قيمة لأي نتاج ثقافي ما لم يكن لصالح الإنسان والناس أكثر مما هو لصالح مُنتِجه.