قال الشاعر :
رُبَّ مَنْ ترجو بِهِ دفعَ الأذى
عنكَ يأتيكَ الأذى مِنْ قِبَلِهْ
ربما يَرجُو الفتى نفعَ فتىً
خَوْفُه أولى بِهِ مِنْ أَمَلِهْ
-1-
كثيرون اؤلئك الذين يَغرّونكَ بالسنتهم وأقوالهم المعسولة ، ووعودهم الكاذبة التي يصوغونها بكل فنّ واقتدار ، ولكنهم كالسراب ..!!
انهم يخذلونك عند الشدة ، ويُسلمونك الى الآهات والعذابات المرهقة ، دون ان يشعروا بشيء من وخز الضمير …
وان الشاعر في بَيتَيْه المتقدمين، يتحدث عمن كنتَ تعقد الآمال عليه ليكون لك عوناً، فاذا به المصدر الأول لكل ما تلقى من عناء وصعوبات ..!!
وشتان ما بين الموفقين .
ويستمر في ايضاح المفارقة فيقول :
ربما يُصبح الخوف ممن كنت ترجوه، أكبر وأولى من الرجاء الذي كنت تعقِدُهُ عليه …
ان هذه النتيجة المؤلمة ، والمغايرة لكل التوقعات والاحتمالات التي كانت تتراقص في الذهن ، قد تؤدي الى لون قاتم من الاحباط النفسي، والانكماش في ميدان العلاقات الاجتماعية، وكلّ ذلك يُعدّ من السلبيات الكبيرة ذات المردودات الضارة نفسياً واجتماعياً وأخلاقياً …
-2-
والبيتان المتقدمان ، كأنهما ناظران الى ثلّة من (سياسيّ الصدفة ) الذين صعدوا على أكتاف البائسين والمستضعفين من إخوانهم، الذين أملّوا فيهم خيراً ، واذا بهم – وبعد الوصول الى كراسيهم – يتنكرون لهم بكل صلف ووقاحة .
-3-
يقول أحدهم لصديقه :
لا تكلفني بأيّ قضية تتعلق بتعيين في دوائر الدولة ..!!
ان هذا التنصل من مساعدة مناضل معروف بماضيه المجيد ، ومواقفه الحميدة ، ومعاناته من ملاحقات الطاغوت وزبانيته ، فيه من الاجحاف ما فيه ، لابحق الصديق وحده، بل بما يجب ان يُراعى في التعيينات من معايير..!!
أليس من الصحيح : ان نضع الرجل المناسب في الموضع المناسب ؟
وحين يتقدم مَنْ نُحرزُ فيه اجتماع الشرائط المطلوبة : من كفاءة ومهنية ونظافه واخلاص ، فلماذا نحجبه عن الوظيفة – وهي فرصتُه الكبرى لخدمة البلاد والعباد ؟!
-4-
ويحول آخرون بين إخوانهم وبين الاجتماع بهم ، واللقاء المباشر يمكن اؤلئك من ان يضعوا النقاط على الحروف تبياناً لما تمور به الساحة من أمراض وأعراض …
لماذا الهرب من اللقاء وما هي دوافعه وأسبابه ؟
أليس الأجدر برجال الدولة ان يستفرغوا وسعهم في الوقوف على المشكلات تمهيداً لايجاد العلاج المناسب ؟
-5-
ويعمد معظمهم الى ترك الجواب على المكالمات الهاتفية ، وبدواعي عديدة:
منها الحفاظ على سلامتهم الشخصية ،
ومنها مجهولية المتصلين ،
ومنها الاستعلاء والتكبر عن ان يكونوا كسائر المواطنين الآخرين ممن لم يتسنموا المناصب !!
وكل هذه الأسباب والدواعي مرفوضة جملة وتفصيلاً .
ان عليهم لو أرادوا الخدمة الصادقة ان يحثوّا الواطنين جميعاً على الاتصال الهاتفيّ الفوري بهم ، متى ما اصطدموا بعقبة احتاجوا معها الى تذليل الصعوبات …
ولكنهم لايفعلون ذلك ، لأنهم في حالة نسيان كامل لآلام المواطنين ومعاناتهم .
ولا خير في من لايعرفُ الاّ نفسه ،
ولا بارك الله في أصحاب النزعة الذاتية ، الذين يعشقون مصالحهم وذواتهم بّدّلَ ان يعشقوا الوطن وأهله .