23 ديسمبر، 2024 12:50 ص

الرسالة وصلت ،الامنية لم تتحقق  – احد عشر عاما على انطلاق – كلمة العراق 

الرسالة وصلت ،الامنية لم تتحقق  – احد عشر عاما على انطلاق – كلمة العراق 

(الرسالة وصلت ،الامنية لم تتحقق) ، هذا موجز ماتحدث به الاستاذ الدكتور عون حسين الخشلوك مؤسس قناة البغدادية بعد قراره ايقاف بث القناة الى اشعار آخر. وهي اجابة موجزة شاملة تختصر الكثير من مسيرة  الرسالة الوطنية المخلصة التي تشرفتُ بالعمل معه  لارسائها أحد عشرعاما بايامها وساعاتها ، بتحدياتها واحلامها ، التجربة الرائدة من صناعة الاعلام والتفاعل مع الراي العام ،الذي لم يحِد عن ثوابت الوطن والشعب اعتبارا من لحظة انطلاق بث قناة البغدادية الفضائية في الساعة السابعة من مساء يوم الاثنين الموافق 12 /09/2005 حتى يومنا هذا ، وهو خطاب استوعب بمهارة وادارة فريدة خلاصة الحماس  لدى العاملين في الاعلام العراقي ولدى الشباب المتطلعين الى ثقافة حرة ورأي جريء خدمة لبلادهم ،تضع الاعلامي في مرتبة متقدمة من صناعة الراي والقرار أيضا . حيث التحق بهذا الخطاب العديد من الكفاءات واساتذة الجامعة والادباء والفنانين تعددت مهاراتهم، وفي اطار نهج البغدادية من شجاعة الراي  والدعم  المطلق لكل من عمل فيها ، عملوا وانتجوا ولمعوا وكانوا جميعا دون استثناء قريبين من شعبهم ، جمهورهم أخيارُ الناس، واعداؤهم اشرارُهم. وهو نهجٌ سنكتب عنه بالتفصيل لاحقا لتوثيق هذه المرحلة المهمة من العمل الاعلامي والسياسي الذي فتحت افاقه قناة البغدادية .

فما هي الرسالة التي وصلت ؟، وماهي الامنية  التي لم تتحقق بحسب تصريح الدكتور ابو حسين الذي علق اعمال القناة؟ ، ولماذا قرر ذلك؟ ،مما اثار موجة من التساؤلات والالتفاف الشعبي لاسيما من الناس البسطاء والمحرومين واهل العراق الذين طحنتهم السياسة الفاسدة ، والفساد المشرعن ، والتآمر على انهاء الحلم العراقي برؤية دولة طبيعية ، يخدمها المسؤولون فيها ، واجبا وظيفيا ،ومسؤولية وطنية ودينية  ايضا.؟

 وقبل الاجابة عن سؤال لماذا اوقفت البغدادية؟  لابد من القول اولا  لماذا فتحت البغدادية اصلا ؟

 مهمة البغدادية الاساسية ، ليست انشاء محطة تلفزيونية لاغراض الربح او اشاعة البهجة العابرة  او استغلال واستثمار فرص معنوية  ومادية ،بل ان هذه المؤسسة بدات بالامل والقلق معا ،حذرة خائفة على تجربة العراق الجديد من الفشل ، وكانت على لسان مؤسسها في اول لقاء جمعنا معا قبل انشاء القناة الفعلي، ترى عراقا عامرا بالبناء وتجاوز محن الماضي ، وفي الوقت نفسه، تخشى من ان يقع العراق بين اكثر من فك، وتحديدا فك الاحتلال واعادة انتاج الديكتاتورية والطائفية والارهاب والفساد، وايضا حث المجتمع على مزيد من الوعي بحقوقه، وحث السياسيين على إنجاح تجربة مابعد الفين وثلاثة ، في التنمية وحقوق الانسان ووحدة العراق المجتمعية وابعاد كل ما من شانه  استفزاز المواطنين على الصعيد الديني او الاخلاقي . هذه الرسالة  دفعت بخبرات  من  كتاب واساتذة جامعة وادباء وصحفيين ، لهم تخصصات متعددة في الفكر والتاليف والاذاعة والصحافة والسياسة قدموا برامج للتلفزيون للمرة الاولى او ساهموا في اعداد برامج امثال استاذنا الراحل الدكتور حسين امين والاستاذ ارشد توفيق والاستاذ حسن العلوي والدكتور عبد الحسين شعبان والاستاذ شامل عبد القادر ، والدكتور حميد عبد الله ، والدكتور مزهر الخفاجي ،  والاستاذ  باقر ياسين ، والاستاذ الصحفي  داوود الفرحان والقاص حسن متعب والاعلامي طالب سعدون والاعلامي الراحل عبد الهادي جياد وغيرهم من الوجوه الثقافية والاعلامية . اراد الدكتور عون ان يكون صوت هذه النخبة نواة لخطاب ثقافي سياسي تأصيلي يحرض المجتمع على النهوض والتنمية البشرية والعمرانية وحماية التجربة العراقية من الانحراف ،  وانطلق العمل لتحقيق رسالة البغدادية ،  رسالة الخير والصلاح ، سواء في البرامج السياسية او البرامج المنوعة او حتى الدراما والمهرجانات الجماهيرية ، لذلك التقت  برامجها الاولى  كالمختصر وسجال ومالايقال واشارة حمراء وارض السواد  في انشاء اولى  خطوات الاعلام العراقي الجديد في قراءة التاريخ و المواجهة الجريئة  مع المسؤول وكشف الخلل والتقصير ، مع برامج مثل معي ولعبة الحياة  ودنيا شهرزاد،اول برنامج بعد 2003 يقدم المراة العراقية والاسرة والطفولة بشكل طبيعي دون محاذير حديثة وحجاب قسري واوامر يضرمها المخرفون في كل اتجاه التقت  مع الاعمال الفنية التي انتجتها القناة والتي أرّخت لمراحل من تاريخ العراق السياسي وعذابات الناس بسبب السلطات الحاكمة ، بل تنبأت في افلام وثائقية و مسسلسلات  اشرفت الادارة على اعدادها بان مصير العراق الجديد اذا مابقي على هذا السلوك السياسي  سيكون مهددا  ،  وظّفت جميع البرامج الوثائقية والدرامية والسياسية والمنوعة وبرامج البث المباشر من اجل تكريس تلك الرسالة التي اداها الجميع كل بطريقته .

وبفعل  التداعي المتواصل وتدهور الحال اقتصاديا وامنيا وسوء الادارة المفضوح ، وانحراف المسؤولين الى السير على هدي الديكتاتور الذي حاربوه . تحولت رسالة البغدادية من مرحلة نشر الخطاب الى ( المواجهة) ، جيشها اهل العراق البسطاء الفقراء المعدومون الذين لاحول لهم ولاقوة ، وخصومها حيتان الفساد من اشخاص وتكتلات واحزاب ودول ومؤسسات هي ذيول لهؤلاء ، فما كان من هذا المنبر الشريف ومؤسسه  الشجاع الا ان يختار الوقوف ضد باطل هؤلاء مع حقوق اولئك ، وقوفا بالفعل والخطاب ، معتمدا على كفاءات اعلامية مخلصة لشعبها والانتماء لنهج البغدادية الجريء الشريف .    

هذه المواقف ،ربما يعلم الناس او لايعلمون .. لها اثمان شتى بعضها ابعد من المال ، ثمن  الاعصاب والتوتر والظلم ومواجهة المؤامرات الرخيصة والمنافسة غير الشريفة ، وصاحب البغدادية يعرف ذلك ، يعرف انهم لن يتركوا صوت الشعب دون ان يحاصروه ويعرف كم يبذلون من الدعاية الرخيصة وتوظيف اموال السحت الحرام  من اجل تشويه سمعة القناة ومؤسسها ، لكنه يعرف ايضا ويؤمن بان  ذئاب وكواسر الدم والطائفية والارهاب والفساد  ، سياكل بعضُها بعضا ذات يوم .  

لقد اشتد اوار الحرب بين الطبقة السياسية الفاسدة والبغدادية ، مع نمو وتضخم حوادث الفساد ، وظاهرة الاستقواء السياسي ، وقوة وصلابة نهج البغدادية الذي بدا بدخول المؤسسات ووثائقها وتعرية شخوصها والتشجيع على الاحتجاج والتظاهر سعيا تدريجيا الى النصيحة ثم الاصلاح ثم التغيير ثم الثورة مع الصبر الطويل في الاعتماد على  شرفاء وطنيين يريدون ان يكسبوا رضا الله والشعب ، وهو امل ضعيف لكنه بقي يحرك نهج البغدادية ،  لكن تاثير القناة المباشر والتفاف الناس حول خطابها ، دفعهم لمزيد من القسوة ، والعالم يشاهد سابقة لم تحصل في التاريخ ، وهو تحرك قوات عسكرية بمعداتها والياتها بامر من القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء لتطويق القناة واغلاقها في اول تشرين ثاني 2011. وكذلك حرب هيئة الاعلام بالنيابة عن حيتان الفساد وعصابات السلاح لتكميم افواهها . كل هذا ، ومع كل يوم تساق الذرائع والحجج لاغلاقها ، مرة يدعون اغلاقها بسبب برنامج (البغدادية والناس)  ومرة بسبب (سحور سياسي) ومرة بسبب (حوار الطرشان ) ومرة بسبب (ساعة ونص) ومرة بسبب (حديث الناس) واخيرا وليس اخرا  بسبب ( التاسعة) والقائمة تطول  من الذرائع  ..لكن حقيقة الامر ، ان وصول تلك الرسالة الى الشعب بعد ان اصبحت عقيدة ، وايمان  الناس  بانها ترافعت عنهم في محكمة الشعب باعتبارهم اهل الارض والثروة وان المسؤولين سرقوهم ونهبوهم ولابد لهم  من استرجاع حقوقهم وتعريتهم والسخرية منهم وحتى اهانتهم ان تطلب الامر ، سببٌ وجيه ليتفق الجميع حتى الفرقاء  على البغدادية ، بعد أن وحدتهم لانها كشفت فسادهم وتواطأهم جميعا .

ولعل ذلك يتضح في حجم الرسائل والتاييد والدعوات التي توجه لي ولزملائي وللدكتور عون مباشرة ، تناصر وتساند ، لكنها لاتتجرأ ان تصدر بيانا باسمها ، خوفا من حيتان السلطة والفساد الذين اعتبروا البغدادية خصما موحدا لهم على مختلف تناقضاتهم . 

هذه  هي الرسالة التي وصلت للناس :  ان تكون السلطة للمواطن ،هو من يحاسب ،ويراقب ، ويقتص ،وان يعرف حقوقه  ويدافع عنها دون خوف او اعتبار للجهة التي  ينتسب اليها  الارهابي او الفاسد ، وقد وصلت الى اعلى مستويات تاثيرها في الراي العام .. وصلت الرسالة  بالكامل ، ولم يعد المواطن بحاجة لمن يقول له (من انت وماعساك ان تفعل) ، توقفت  البغدادية الى اشعار اخر ، لانها ترى في المواطن المحروم المهدد المسروق المحاصر ، (ابعد من ان يكون مشاهدا ، يشفي غليله بما يسمع على شاشتها ، ويخلد للنوم بانتظار يوم جديد من الحرمان والحيف وتسلط الظالمين).  توقفت البغدادية  معترفة بان امنيتها لم تتحقق  في  ان يكون العراق بلدا امنا مستقلا  تحكمه العقول الماهرة  المؤمنة والايدي النظيفة  التي تبنيه وتعلي من شانه والنفوس الامينة العفيفة العادلة التي لاتبيع ضميرها . ولاتضعف امام الاعداء  ، فقد ظلت وتظل هذه امنية كما ستظل البغدادية  بين اهلها ، فوجودها وتاثيرها لن ينمحيا، صمتها موقفٌ كما هو صوتها ، ينطلق أحدهما متى شاءت جماهيرها ، ، ولاول مرة اقولها مباشرة ،بعد احد عشر عاما من العمل والتفاصيل والتحديات والمتغيرات ، أن نهج عون الخشلوك الذي أشهد انه لم يكن يوما عدوا لشخص بشخصه .  هذا النهج ليس قناة تلفزيونية ناقلة للخبر والراي فقط ، بل هي رؤيا  ابعد من ذلك بكثير، رؤيا احد ابناء العراق البُناة الشجعان المتفوقين في العالم ، ليس من صالح العراق ومستقبله التفريطُ بجهوده . ربما اتعبه كما اتعب العراقيين  اليأسُ من صلاح اولي الامر في البلاد  ، لكن كلمة العراق، يتشرف الشرفاء باعلائها عاليا، مهما كان حملها ثقيلا.