23 ديسمبر، 2024 10:43 ص

الرسالة العاشورائية ومحاسن كلام اهل البيت

الرسالة العاشورائية ومحاسن كلام اهل البيت

رئيس احد المواكب العاشورائية الذي ظهر على إحدى القنوات الشيرازية أثار فيَّ تساؤلات كبيرة عن مدى معرفة هؤلاء بأهل البيت والحسين عليهم السلام ، وذلك حين تحدث عن ظاهرة ( طقوس التطبير ) ، إذ حذّر منتقديها ورءاهم مشمولين بحديث( لا يبغضك يا علي الا …. ) ، في استدلال غريب حين ربطها بالولاية رأساً ودون دليل ، وأخذ هذه المقدمة كمسلّمة ، ثم هي ترتبط بعلي وبالتالي يكون منتقدها مشمولاً بهذا الحديث ، سواء كان مجتهداً او عارفاً بالله او غيره .
وبغض الطرف عن هذه الاضغاث ، متى نكون فعلاً اهلاً للولاية ، ومتى ننتمي لعلي عليه السلام ، وكيف نمثّلهم بما يريدونه حقّا ؟
في البدء يجب أن نعي أن ليس كل قائل عن ال محمد هو قائل حقّ ، ومن ثم ليست العمائم دليل تمثيل لآل البيت عليهم السلام ، عن عبد الحميد عن عبد الله بن عبد العزيز، قال: قال لي علي بن أبي طالب وخطب بالكوفة، فقال: (يا أيها الناس ألزموا الأرض من بعدي، وإياكم والشذاذ من آل محمد، فإنه يخرج شذاذ آل محمد، فلا يرون ما يحبون، لعصيانهم أمري، ونبذهم عهدي، وتخرج راية من ولد الحسين تظهر بالكوفة بدعاية الأمية ، ويشمل الناس البلاء، ويبتلي الله خير الخلق حتى يميز الخبيث من الطيب، ويتبرأ الناس بعضهم من بعض، ويطول ذلك حتى يفرج الله عنهم برجل من آل محمد، ومن خرج من ولدي فعمل بغير عملي وسار بغير سيرتي فأنا منه بريء، وكل من خرج من ولدي قبل المهدي فإنما هو جزور، وإياكم والدجالين من ولد فاطمة، فإن من ولد فاطمة دجالين، ويخرج دجال من دجلة البصرة، وليس مني، وهو مقدمة الدجالين كلهم) . وبالتالي يجب أن نعرف الحقّ لنعرف أهله ، وأن نأخذ عن مصادر النور لا الديجور ، فكم من عمامة تخفي تحتها البلاءات .
عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: ( يا جابر ، واللَّهِ لحديث تصيبه من صادق في حلال وحرام ، خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس حتى‏ تغرب ) .
ينطلق الشيعة في شعائرهم من مفهوم إحياء أمر اهل البيت ، انسجاماً وتنفيذاً لامرهم عليهم السلام . ومن ذلك ما يفعله الطقوسيون وفقاً لفهمهم وحضارتهم ، وكذلك ما يمليه قادتهم ، وفي هذا الطريق يتدفق مال كثير .لكن في الحقيقة ان اهل البيت لم يتركوا مفهوم الإحياء جزافا ، فيركب موجته كل مدع .
عن عبد السلام بن صالح الهروي قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبدا أحيا أمرنا، فقلت له: فكيف يحيي أمركم قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لا تبعونا. قال: فقلت له: يا بن رسول الله فقد روي لنا عن أبي عبد الله أنه قال: (من تعلم علما ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار. فقال: صدق جدي أفتدري من السفهاء ؟ فقلت لا يا بن رسول الله فقال هم قصاص من مخالفينا وتدري من العلماء ؟ فقلت لا يا بن رسول الله قال فقال: هم علماء آل محمد عليهم السلام الذى فرض الله عز وجل طاعتهم وأوجب مودتهم ) .
اذن بالعلم – لا بالطقسنة – يكون أمر اهل البيت حيّا غضّا . لكن الأمر الأهم ان ما يعلّمه المتعلم للناس هو ( محاسن كلام الائمة ) ، لا استحساناته النفسية .
وعن خيثمة عن الصادق عليه السلام ( يا خيثمة اقرأ موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم وأن يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم وأن يشهد أحياهم جنائز موتاهم و ان يتلاقوا في بيوتهم فإن لقاءهم حياة لامرنا، ثم رفع يده فقال : رحم الله من أحيا أمرنا ) . ومنه نعرف ان إحياء أمر اهل البيت عليهم السلام بحياة شيعتهم ، لا بجرح رؤوسهم وتجريح كرامتهم .
ولن يعي ذلك الا رجال ( هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى. أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه. آه آه شوقا إلى رؤيتهم … ) . وهذا المقام لا يُدرك الا بنور العلم وضياء البصيرة ، عندها يكون الشيعي ( معاشر الشيعة كونوا لنا زينا، ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حسنا، احفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول ) .
وبخلقه وسلوكه وعلمه يستدرّ الناس إلى عالم ال البيت عليهم السلام ( رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ولا يبغضنا اليهم وأيم الله لو يرون محاسن كلامنا لكانوا اعز وما استطاع احد ان يتعلق عليهم بشئ ) ، و ( فاقرأهم السلام ورحمة الله – يعني الشيعة – وقل: قال لكم: رحم الله عبدا استجر مودة الناس إلى نفسه وإلينا، بأن يظهر لهم ما يعرفون ويكف عنهم ما ينكرون ) ، فلماذا يصرّ هؤلاء على إظهار ما ينكر الناس ! .
وعن أبي عبد الله‏ عليه السلام قال : ( من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثاً ، بعثه اللَّه يوم القيامة عالماً فقيهاً ) ، فكيف يدور البعض بعوام الناس ليظهروا بهم امرَ ال محمد ! . وكيف يكفّرون المؤمنين ويشيعون الخلاف ، وأين هم من التزاور والتذاكر ، كما في قولهم عليهم السلام ( اتقوا الله، و كونوا إخوة بررة متحابين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوروا و تلاقوا و تذاكروا و أحيوا أمرنا ) .
ان الإمام عليه السلام يقول ( أبلغ موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله والعمل الصالح، وأن يعود صحيحهم مريضهم، وليعد غنيهم على فقيرهم: وليحضر حيهم جنازة ميتهم، وأن يتألفوا في البيوت ويتذاكروا علم الدين، ففي ذلك حياة أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. وأعلمهم يا خيثمة أنا لا نغني عنهم من الله شيئا إلا بالعمل الصالح، وأن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد وأن أشد الناس عذابا يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره )