18 ديسمبر، 2024 6:40 م

الرجل والمرأة بين علم النفس والأسطورة

الرجل والمرأة بين علم النفس والأسطورة

العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة محورية تعتمد عليها بشكل أساسي الحياة على الأرض، والكلام عن هذه العلاقة كثير جدا يتأرجح ما بين الكلام الجدلي الذي يعطي طابع الصراع في هذه العلاقة وبين الكلام الموضوعي والمثمر الذي يحاول أن يفسر الفروق بين الاثنين على أنه طبيعي وتكاملي ويؤدي غرضه الصحيح في مشوار الحياة هذه . ولو فطنا لفكرة بداية الخلق مع آدم وحواء قيل أن آدم أكل بنفسه من الشجرة المحرمة لكن بتحريض من حواء، وفي أيامنا هذه يقال أن وراء كل رجل عظيم امرأة… يبدو من هذا وذاك أن الرجل دائما في المقدمة في العقل والقرار والسيطرة لكن خلفه يكمن العامل الأساسي والمهم في فعله هذا وهو المرأة، فهي الدافع الكامن وراء سلوكه وأفعاله .
ولو أخذنا شيئا من علم الأسطورة (mythology) التي نسجت من قبل خيال الإنسان القديم والتي عبرت عن واقع حياته النفسية والدينية والفكرية لوجدنا من الواضح جدا دور المرأة الأساسي في حياة الإنسان القديم، فقد وصلت إلى درجة التأليه . ففي بلاد الهلال الخصيب ومصر وفي عصر ما قبل الحضارة البابلية والفرعونية سادت عبادات كثيرة، وما كان مميزا لها إنها كانت تعبد آلهة أنثوية، فالتماثيل كانت تصنع للمرأة بثدييها الكبيرين للدلالة على العطاء وبجسم ممتلئ من وسطه علامة على الاستيعاب .
كان الرجل القديم يستبشر بها خيرا فهي تختلف عنه بميزات هو لا يحتويها،  فهي الأصل في الحياة بالنسبة إليه ولذلك ألهها وصنع لها التماثيل . وفي تلك البلدان لاحظ الإنسان الرجل العلاقة بين المرأة والقمر، فأنوثة القمر وقمرية المرأة هما صنوان لا ينفصلان. فمنذ ذلك الزمن لوحظ أن الحالة الفسيولوجية والسيكولوجية هي مميزة للمرأة عن الرجل وربطت هذه الحالة بشكل القمر . فالمرأة تمر بدورة شهرية مساوية لدورة القمر حيث أن القمر يبدأ هلالا في أول الشهر ويكبر تدريجيا ليصبح بدرا بعدها يأخذ بالاختفاء  تماما ليظهر مرة ثانية وهكذا .
المرأة كذلك تمر بتغيرات وتقلبات جسدية ونفسية كل شهر لتعود لنفس الدورة في الشهر التالي. القمر متغير بطلته ونوره، يظهر في أي وقت من الليل وأحيانا في عز ساعات النهار أو لا يظهر أبدا، إذن فهو متقلب وغير منضبط، يشبه المرأة فهي غير المنضبطة والمتغيرة في أعراضها الجسدية والمتقلبة في مزاجها، هادئة مرة وأخرى حادة، أنثى مرة وأخرى شرسة .
المرأة عندما تحب تتغير كثيرا وتتبدل نفسيا وجسديا وعندما تحيض تتغير طباعها وصفاتها وعندما تحمل تتغير كثيرا وبعد الولادة هناك تغير آخر . والمرأة لا تشعر بنفسها أنثى إن لم تمر بهذه الوظائف وهذه التغييرات جميعها . أما الرجل فهو الشمس التي تشرق من الشرق وتغيب من الغرب،واضح ومنضبط،  متعال فوق الجميع ومسيطر ولا يمر بمراحل تغير واضحة .
المرأة هي الظل والغموض والعتمة وهي ما وراء الحدث ومن مقوماته ومكنوناته الأساسية، والرجل هو النور الساطع الحاد المهيمن الذي يبدو دائما ولو بالظاهر في الطليعة وعلى رأس الحدث .
المرأة والرجل هما السالب والموجب اللذان بعدم وجود الحالة التي يكون كل واحد منهما فيها ينعدم الآخر، فهما موجودان ومستمران ومتعادلان أحيانا ويغلب أحدهما الآخر أحيانا أخرى، متحابان أحيانا وأعداء أحيانا أخرى، لكن لن يلغي ولن ينهي أحدهما الآخر لأن المعادلة سوف تنتهي … هذا كله كان شيئا من الأسطورة .
أما من الناحية العلمية البيولوجية والنفسية  الحديثة فالاختلاف واضح في فكرة اختلاف الرجل والمرأة عنها في الأسطورة . هنالك فكرة تقول أن داخل كل رجل امرأة وداخل كل امرأة رجل، ومن دراسة الهرمونات  أتضح أن لدى النساء هرمونات ذكرية ولدى الرجال هرمونات أنثوية، وهذا تأكيد بيولوجي على الفكرة النفسية . ووجد أن الفص الأمامي ( frontal lobe ) للرجل يعمل بشكل أفضل ويجهز بكمية أكبر من الدم منه عند المرأة لتؤهله كي يكون صاحب حزم وقرار ومنطق أكثر من المرأة . بينما وظيفة الفص الجداري ( parietal lobe  ) غير مسيطر لدى المرأة فتكون عرضة للتأثر والاضطراب الوظيفي ليؤدي إلى نتيجة أن حالات الاكتئاب والقلق النفسي والتقلب الوجداني هو الأكثر عند النساء منه عند الرجال .
ووجد أن أجزاء الجهاز الحافي  (Limbic System ) والمسئولة عن العدوان والغضب هي فعالة بشكل اكبر لدى الرجل من المرأة ، ويكون هذا واضحا من السنين الأولى للطفولة .
في أيامنا هذه عندما نعيب رجلا نقول بأنه رجل ليس لديه كلمة ويخلف وعده أو متردد أو جبان، وعندما نعيب امرأة نعيبها لكونها غير رقيقة وخشنة وصوتها عال وقد تدخل في عراك وصراخ . كأن هناك وضع مثالي يمثل الرجل وآخر للمرأة، لكن في الحياة العملية لا نجد هذا الفرق موجودا، فلو صادف أن توجد امرأة في قمة الوداعة والرقة والأنوثة والرومانسية فإنها ستتعرض للنقد من قبل الرجل، وكذلك الحال عند رجل صاحب مبدأ وكلمة وشجاع ومقدام لتعرض للنقد أيضا من قبل المرأة، وكأنما يبدو أن الحالة النموذجية والافتراضية تبدو أن على الرجل أن يحوي شيئا من عالم المرأة وأن على المرأة أن تحوي شيئا من عالم الرجل، وعلى صعوبة تحقيق هذا الافتراض فالاختلاف بين الرجل والمرأة قائم ومستمر وهو موضوع يعطي الحياة تنوعا ويثريها ويديمها، فمن الاختلاف تنشأ المواضيع ومن التشابه الكبير تنشأ النمطية والملل . في جوهر هذا الموضوع هنالك عوامل لاشعورية غير مدركة من قبل الرجل والمرأة تبقى لغزا غير مدرك كنهه إلى أجل غير مسمى . من حالة الاختلاف هذه يجب أن نسلط الضوء على مبدأ احترام فكرة الاختلاف بين الرجل والمرأة، فهما بحاجة إلى بناء إنساني ووعي ثقافي عال يمكنهما من قبول الآخر على ما هو عليه .