23 ديسمبر، 2024 10:19 ص

الرجل الأسطورة والمفارقة الخالدة

الرجل الأسطورة والمفارقة الخالدة

وانا هنا في الجنوب الغربي من شبه القارة الهندية …وقد كنت في الأمس في شرقها …أعيش اليوم في شقة في الطابق الحادي عشر تقع عمارتها فوق تلة عالية ضمن هضبة الدكن المعروفة أمارس طقوسي اليومية في الكتابة الادبية والفكرية والبحث عن كل جديد والمتابعة والقراءة وألتأمل والنظر الى التلال والجبال البعيدة والعمارات الشاهقة وارى المدينة كلها خلال شرفة شقتي العالية المطلة على سماء المدينة وأتصفح العالم في مواقع التواصل الاجتماعي وادور خلاله وأبحث عبر شبكة الانترنيت متصلا يوميا بأخبار بلادي الحبيبة أولا …وما يحصل بها أول بأول واتوقف كثيراعند كل حدث …

وحينما تلاقفتني الاحداث وأخبار هذا العالم الواسع .الذي صار حقا بين يدي مثل قرية صغيرة مثلما يرددون .تلك الوسائل الجميلة التي اختصرت لنا الاتصال والتواصل في الزمان والمكان….توقفت كثيرا عند هذا الخبر الرائع في غرابته والعظيم في أبعاده الأنسانية السامية والجميل بكل ما تحمل هذه الكلمة من روح وحياة ..وذلك بنصب تمثال للمهاتما غاندي في وسط البرلمان البريطاني وأعلان رئيس الوزراء البريطاني ((ديفيد كاميران )) هذا الخبر …وتلك المفارقة الجميلة التي تدعونا للتوقف عندها مرات ومرات لنستقي منها الدروس والعبر في زماننا العراقي الغريب والمتشابك بكل تفاصيله ….والمرتبك حد اختناقاته …..

بالأمس تشرشل الذي قاتله ووقف الرجل ضد محاولات بلاده التي كانت تسعي للسيطرة على الهند وأستغلال ثرواتها لتكون أحدى مستعمرات بريطانيا العظمى واحتلال طريقها المعروف نحو ابواب الشرق وعندما نجح غاندي العظيم بثورته السلمية المعروفة للعالم أجمع وأنعكست دروسها للقاصي والداني….وكلنا يتذكر مسيرة الملح المعروفة ….وانتصار ثورته السلمية حينها…وصار رمزا للصمود والحرية والسلام ….لكل شعوب الارض …

مفارقة التأريخ الأولى عندما زار غاندي بريطابيا يتقدم المستقبلين تشرشل ويحيه بكل احترام وتقدير واعتزاز ويسلم عليه سلام المنتصرين الابطال وهو حقا كذلك .ويستحق كل هذا السمو.والمقام المحمود …..وانا هنا اراجع اهمية هذا الرجل في حياة الناس بمختلف اطيافهم ومللهم واديانهم وقومياتهم وشرائعهم …ووو…و ورغم رحيله البعيد اراه شاخصا في كل شيء بدءا بالعملات التي يتداولها الناس بتعاملاتهم اليومية وعلاقاتهم بأنواعها وتواصلهم اليومي في هذه الارض الشاسعة والمترامية الاطراف فتستوقفني قضية مهمة ….بل تستهويني هي كيف وحد هذا الرجل كل هذا التنوع العجيب …والخليط بكل شيء ….تلك الامة العجيبة في اشكالها ولغاتها ومقدساتها …وسياساتها واحزابها ….وللعلم خسر الانتخابات أحفاد غاندي ولم يصرح أحد منهم بأنه حفيد مؤسس هذه الدولة وله الحق في ان يبقى على الكرسي بفضل آبائه او أجداده ولم يطعن بالانتخابات .ولم يقل جئنا لنيقى أو ماننطيها …ولم تفز الا الوجوه الجديدة التي تريد ان تقدم كل جديد لدولة تنمو وتكبر وتعمل …وتقدم الخير للناس …والدرس البليغ للبشرية جمعاء……

وانا الغريب عشت بكل حرية واحترام بينهم لم اجد حرجا من ممارسة طقوسي الدينية وعبادتي بينهم اجل بين الهندوس والسيخ والبوذيين والمسيحيين واليهود والكثير ممن يقدسون الحيوانات والاشجار ووو ..وما الى ذلك …صليت في بعض جوامع ((كانتور)) ولم ينتابني خوف أو وجل !!….واكملت رمضان بجوامع ((كندوا )) في اقامة التراويح الرمضانية الممتعة ….واصلي كل صلاة جمعة في جامع سيدنا بلال الحبشي الواقع في بودان الهندوسية ….وتلك مفارقتي الخاصة والتي تهمني .شخصيا !!…لأني كنت أخشى الصلاة في جوامع بلادي الحبيبة ….بلادي التي كانت اساس هذا الدين والتي بها مراقد الائمة الأطهار والصالحين وخيرة علماء الائمة وفقهائها ومتصوفيها والتابعين الاخيار والشهداء وحسن اولائك رفيقا ….!!

وانا أقول ويتفق معي كل الهنود وبجميع مللهم وحللهم …بفضل هذا الرجل العظيم الذي وحد كل هذه الشعوب والقوميات العجيبة التركيب بجغرافيا شبه القارة الهندية …وبفضل فلسفة ((الساتياغراها )) فلسفة اللاعنف والمباديء الدينية

والسياسية التي انتهجها وعمل بكل شجاعة والحق الهزيمة المعنوية بالمحتلين والمستعمرين لبلاده وكلماته اصبحت دساتير العمل اليومي الذي آمن بها وعاش من اجلها واغتيل بسببها ومن ابناء جلدته بها …بل من أفراد طائفته ….

وأعود الى بلادي وأختلافات سادتها وكبرائها ولا اقول اختلافات أبنائها في طوائفهم او اديانهم ولأن الكل يتفق بأنها طائفية سياسية بأمتياز…لاننا عشنا سنوات قبل ان يأتي هؤلاء الساسة المحترمون لم نسمع بمثل هذه الفرقة وهذا التناحر ولا يسمح بتداولها ابدا وبعيدا عن الانظمة الشمولية واللا شمولية السابقة واللاحقة …لكني اتكلم عن الشعب الذي تداخل وتفاعل وتصاهر وارتبط ارتباطا مصيريا وعشائرنا تنوعت بها ونكاد ننسى تلك الكلمات الدخيلة لولا مجي هذا الرهط الضال الذي يجد ضالته ومصيره بهذه التفرقة واوصلونا الى هذه الثقافة الشاذة ونتاجها المحاصصة الطائفية سيئة الصيت …والمنبوذة من كل العراقيين الشرفاء .الأصلاء الحقيقين…..

وتراهم يفضلون مصالحهم وارتباطاتهم المشبوهة على مصلحة الوطن ….وتلك تقاطعاتهم وتناحراتهم ….هذا الغثاء من سياسي الصدفة والذي ليس فيه شخص واحد مثل هذا الرجل العظيم الذي قال يوما ..((ماهو جائز بالنسبة لي هوجائزبالنسبة للجميع ….))وقال ايضا …((خصمي سيتبنى رؤيتي )).و((لدى الجميع نفس الحافز لأكتشاف الحقيقة …)) وأذكركم بأقتدائه برسولنا الكريم ((ص)) …وأعترافه بأنه تعلم من ثورة الحسين ((ع)) الشيء الكثير… ..وهؤلاء الساسة يقتدون بالمستعمرين والمحتلين الذين جاءوا معهم ويطبقون سياسة فرق تسد …..((ويتحاكمون الى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ….ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا ….))

ونحن ليس لنا غير ان ندعو من الله العلي القدير ان يرزقنا بغاندي عراقي جميل يخرج من ارض الرافدين …ويحمل شارة السلام ….ويوقف هذا النزيف الأسود …..اللهم آمين …..اللهم آمين …. اللهم استجب …..!!!