سألني بعض الأحبة والأصدقاء، وأحد الأخوة الاكراد، كلّ ضمن هواجسه ورد فعله الخاص بموضوع السؤال، لماذا رأيناك تهنأ بهذا العيد، أو المناسبة أو اليوم، لا يهم، هل تعتقد به؟
لا أدري هل الجواب وافي او مقنع، ولكن أجبتهم:
ليس مسألة اعتراف من عدمه، فانا أحب أن تفرح الناس، وتكون أيامهم أعيادا، وهذا اليوم هو عيد أسسته حضارة وادي الرافدين، حيث يتم الأحتفال به بمناسبة الربيع وزراعة الاشجار، فسمي آنذاك بيوم الشجر، ويورخ له بالسنة الشمسية التي وضع لها علماء وادي الرافدين حساباتها وأسماء أشهرها، ودخل في عادات الأكراد فيما بعد، وكذلك الفرس وشعوب أخرى كشعوب الهند وافغانستان والصين، وبات جزء من عاداتهم الشعبية، ولهذا هو يوم فرح لبعض الشعوب، ولا مانع أن يفرح الناس، وقد حرم الله عزوجل الياس وشجع على الأمل، فهو ليس عيدا عقاءديا أو دينيا أو مذهبيا أو عنصريا، وان استغلته جهات وخرافات لذلك، مثلها مثل الكثير من الاستغلالات لمآرب شتى، ولكنه يوم لفرح الناس، وهذا هو المهم ما عدا ما حرم الله عزوجل، في هذه الاحتفاليات.
ليأتي عام 2010، ليثيرني أكثر بالاهتمام به منذ صغري، وسأقول السبب في نهاية الجواب.
فالشعوب والبلدان باختلاف أطيافها، ومنذ قديم الزمان يحتفلون حسب أعرافهم بمناسبات وأيام وأعياد، ضمن ثقافات متنوعة ومختلفة، ويؤكد الباحث الغربي الأوربي، المتخصصص بالشرق، أرتوركريستنسن، هذا الأحتفال هو في الأصل يوم بابلي، يبدأ في بداية الربيع لمدة 12 يوما، في زقورة وادي الرافدين اسكيلاي مردوخ، وهوليس ربا كما يذهب بعض المستشرقين، بل هو ملاك سماوي مسؤؤول عن الانتاج والخلق وحارس ما بين النهرين في العصور الرافدين مرورا بعصر حمورابي المشكوك به نبي من انبياء الله، وصاحب لوح القانون الاول السماوي للعدالة والنظام الاجتماعي آنذاك، أو هو المشكوك تاريخيا المسمى ذو القرنين، ويقام احتفال الربيع بحضور الملوك عبر عصور الرافدين، وكما يحصل مثلا امام الملك حمورابي أو غيره، ومعنون باسم بابلي زكموك أي احتفالية بداية السنة، منذ ذلك الوقت.
وبعد دخول كورش بابل بشكل ضيفا على ملكها الشاب المشغول بالمعرفة والعلم، وقد استقبله في شارع الموكب، والجيوش واضعة للسلاح احتراما للضيف، لينقلب عليه ليلا بجيشه، وبتخطيط من اميرته اليهودية، ليدمر مدينة بابل تدميرا كاملا سنة 539 قبل الميلاد، وليأخذ نبي الله دانيال عليه السلام أسيرا معه، ويلقيه في جب الاسود في القصة المعروفة، والذي كان مستشارا واستاذا لملك بابل الشاب، ولكن بسب الناس الثائرين ضده من أهل بابل، خضع لأرادتهم لتبني الاحتفال بهذا اليوم المسمى بالشجرة او بالربيع، احتراما لتقاليدهم والتخفيف من ثورتهم ضده، وفيما بعد أريد له أسما آخرا باسم يوم الرجال، وهذا ما يؤكده الباحثون ومنهم المستشرق الالماني البرفسور كايكر، ولتحريف الأسم، ولكن هذا الأسم لم يرى الرواج والتأييد، وعبر الأزمنة المختلفة كانت محاولات لتغيير اليوم الى أيام أخرى مثلا الى يوم 6 حزيران، وهكذا، وأيضا هذه المحاولة فشلت، وبالتدريج تم صياغة أسماء غير الاسماء البابلية للاشهر الشمسية التي تبدأ بها السنة، فأخذت أسماء مخترعة، لتبدأ باسم فروردين بدلا من الأسم البابلي انذاك ليصادف 21 اذار، وكل التقاليد التي دخلت عليه من القفز على النار، وما يقال عن ارتباطه بزرادشت فهو عار عن الصحة، لأنه أقدم بكثير من هذه العصور، ارتباطا بالربيع واخضرار الأشجار، ولكنها الشعوب تدخل عاداتها على المناسبات، وتخلق عاداتها دوما عبر السنسن، والبعض حاول اسقاط حالات تقديس عليه وربطه بجوانب دينية ومذهبية في الاسلام وما قلبله، لأسباب مختلفة منها سياسية وغيرها، وكل ذلك ليس له دليل وعار عن الصحة. وهكذا نرى العرب وخلفائهم في الاسلام، تعاملوا معه باحترام، والشعراء قالوا به شعرا كالبحتري وغيره، بارجاعه للتراث القديم من ارض بين الرافدين، كتراث شعبي، وكل ما يقال خلاف ذلك وهو خلاف الحقيقة، وفاقد للدليل، حيث لا يرتبط باي مناسبة اسلامية أو مذهبية، سوى لمن يستغل هذه المسائل للخلافات السياسية والتحريف والجدل العقيم، أو لدعم قضايا قومية أو مواقف شعبية.
فيوم الربيع هذا، حسب البحوث العلمية التي كان علماء حضارات السبعة لبني الرافدين مختصون بها، في الرياضيات وحسابات الفلك والنجوم، وحركة الكواكب، ليكون لديهم حسابان هو حساب القمري، لاسباب طبيعية والاهتمام بالقمر ليضعون له سنة معلومة قمرية، سميت فيما بعد بالهجرية، وايضا سنة ثانية هي الشمسية، قبل انتشارها للعالم، قياسات دقيقة باجهزة مازال العالم الى يومنا حائرا بها، لنجد الحكمة الربانية في العبادات كالصلاة مقترنة بحركة الشمس، والصيام والحج مقترنة بحركة القمر، وهكذا، واما الزكاة والخمس تقترن باحد السنتين باختيار الانسان نفسه بالعطاء، وهكذا، ومنذ عصور تبنيها الى اليوم هي مرتبطة بالتغير والثبات والتحول والتبدل للحالات الطبيعية الفيزياوية للجسم والأرض والعالم والكون، وبالحياة عموما والكائنات الحية بانواعها وأجناسها، لنرى انها تؤثر بالتنمية والاختراعات والنشاط الفكري الانساني وحتى صراعاته وحالاته النفسية، في ارتباط وثيق بين الشمسي والقمري، وكل له تاثيراته المستقلة.
وفي متون حضارة وادي الرافدين واختها في عيلام العظيمة قبل سقوطها، وما بني فيها من زقورة الحرية بخبرة حضارة الرافدين،، مرتبطة بيوم الجديد، او بالاسم اكيتو او بيت اكيتو، عبر كل عصور وادي الرافدين وحضاراته السبعة اكد واشور وبابل واور الخ، علوم مرتبطة بتعقيدات الرياضيات التي اهتم بها البابليون وعلموها العيلاميين لصناعة تقويمهم المعروف بالمعرفة لارض بني الرافدين، ومعارف علوم النجوم لبني الرافدين والتي برز بها الاشوريون، وهذا ما يؤشر له نبي الله دانيال عليه السلام، بنصوصه وجانب من نبؤاته في كتاب العهد القديم المقدس، وكاشارة هي ممارسات أيضا جعلت الاسكندر المقدوني يخضع لها في السيطرة على بابل التي جعلها عاصمة الدنيا، وشعبها عندما عشق فتاة بابلية وتزوجها، وليموت في ببابل بالقرب من حبيبته .
وهنا أعود لسنة 2010، فعلى هذا الأساس الوارد في معلومات التي استندت عليها الأمم المتحدة لتراث الرافدين وحضارتها، لتعلن بالتصويت الجمعية العمومية لها يوم 21 اذار من كل سنة باعتباره يوم الشجرة وعيد بداية الربيع كيوم عالمي.
لأقول أخيرا: انها مناسبة للفرح، ما عدا ما حرم الله بالنسبة لي، فازرعوا مودة بالقلوب، ومثلها شجرة في الارض، لتدوم طبيعتكم خلابة مثمرة، وحياتكم عطاء وتنمية، دامت كلّ ايامكم ولحظاتكم وسنينكم ان شاء الله بخير وفرح واعياد.
…………………………………………………………….