اولا : تتفق جميع الاديان – ومنها الاسلام وبنص القرآن الكريم – على تحريم الربا ٠ وكذلك اتفق كل الكتاب والمفكرين – عبر العصور – على تجريمه ، وكلنا نتذكر ( تاجر البندقية ) لشكسبير ٠ وقد جوزت اليهودية اخذ الربا من غير اليهود ، كما جوز المسلمون اخذه في غير داري الاسلام والعهد ، ولابو حنيفة قول : لا ربا في دار الحرب ٠
ثانيا : ظهرت الفائدة في العصر الحديث ، وقد اعتبرتها جميع الاديان بانها الاسم الحديث للربا ، وحرمتها مثله ، وكانت الكنيسة تعتبر المرابين كالمومسات ٠ ولكن في عام ١٩١٧ اعترف الفاتيكان بمشروعية الفائدة ٠ اما المسلمون – وبجميع مذاهبهم – فلازالوا يحرمونها ٠ حتى ان الشيخ القرضاوي حرم لعشرين سنة شراء البيوت – في الغرب – بقرض من البنك بفائدة ، حتى بحكم الضرورة ، ثم اباحه ٠
ثالثا : العجيب ان كاتبا اسلاميا مرموقا – د٠ كمال توفيق حطاب – يقول : كانت السويد من اكثر الدول رفاهية ٠٠ ولكنها في الوقت نفسه من اكثر دول العالم من حيث معدلات الانتحار ، وذلك يثبت بشكل واضح ان الاساس المادي الربوي الذي يقومون عليه اوهن من بيت العنكبوت ( هكذا بدون احصائيات او دراسات علمية ربط بين الامرين !!! ) ٠
رابعا : ظهرت عدة اراء لفقهاء وكتاب كبار ، احلت الفائدة بشروط محددة ، او حاولت البحث عن حل لها ، فالشيخ محمد رشيد رضا ( صاحب تفسير المنار ) ، والشيخ عبد العزيز جاويش ، اعتبرا الربا هو الزيادة بعد حلول الاجل ٠ ومعروف الدواليبي اجازها في قروض الانتاج ٠ ولاننسى محاولة الامام الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه : البنك اللاربوي في الاسلام ٠ ولكن الشيخ عبد الجليل عيسى وشيخ الازهر سيد طنطاوى ذهبا ابعد من ذلك فقد اباحا الفائدة ٠ اما نظام المشاركة الاسلامي والذي يتقاسم فيه الشركاء الارباح والخسائر ، فقد تناول جزءا من المسألة لا كلها ٠
خامسا : لايمكن ان يكون هناك اقتصاد حديث بدون الفائدة ٠ فهو يقوم على الادخار والاستثمار ، والبنوك هي مَن تنظم العملية بينهما ٠ فالبنك : مؤسسة مالية مرخصة لتلقي الودائع وتقديم القروض فضلا عن خدمات مالية اخرى مثل : ادارة الثروات ، وتبادل العملات ، وصناديق الودائع الامنة ٠ ولا يمكن تصور كل ذلك في غياب الفائدة ، ونحن نتحدث عن اقتصاد عالمي تُشكل فيه التدفقات النقدية ٩٠ ٪ من التجارة العالمية ، بينما التجارة السلعية ١٠ ٪ ٠ وهكذا فان ارتفاع سعر الفائدة بدولة ما يشجع على انتقال المال لها والعكس صحيح ٠
سادسا : ان الفائدة اضحت اداة – بيد البنوك المركزية – لضبط السياسة النقدية للبلاد ولادارة الاقتصاد ، اما عن طريق رفع سعرها للحد من التضخم ، او خفضه لتعزيز النمو ٠ فضلا عن تأثير ذلك على قيمة العملة المحلية ٠ مع الاشارة بانه اذا ماحدث اختلال بين الادخار والاستثمار فاسعار الفائدة كفيلة باعادة التوازن بينهما ٠
سابعا : للبنوك نفقاتها الضخمة ، والتي تغطيها غالبا من الفائدة ، وقد ادى تدني سعر الفائدة – عام ٢٠١٦ – الى غلق ٦ ٪ من فروع البنوك الامريكية ، والتي عددها ٤٧٠٠ بنك ولها ٩٣ ألف فرع ٠ بينما اضطر بنك اوف امريكا لاغلاق ربع فروعه منذ عام ٢٠٠٩ ٠ وكامثلة اخرى على ضخامة النفقات ، فان دويتشه بنك الالماني يخطط لتخفيض نفقاته السنوية التي تزيد على ١٩ مليار دولار ، بينما انفق قطاع البنوك في الامارات ٨ مليارات لتحديث خدماته التقنية عام ٢٠١٥ ٠
ثامنا : فضلا عما تقدم ، ودون الاستغراق في بديهيات علم الاقتصاد واولياته ، فان ثمة اختلاف جوهري بين الربا ( باعتباره من الاقتصاد القديم حيث الموارد نادرة والامكانيات محدودة ) والفائدة التي هي جزء من الدخل القومي في منظومة اقتصادية متكاملة ( الاجور للعمل ، والريع للارض ، والفائدة لرأس المال ، والربح للتنظيم ) ٠ ومن ثم فيجب اعادة النظر – اسلاميا – بالفائدة ، والتي هي من مستلزمات الاقتصاد الحديث ٠ وليست هي الربا ، اذ كل قرض جر نفعا فهو ربا – حسب القاعدة المعروفه ٠