الكرسي يرمز للقوة أيا كانت , وكيفما تجسدت وتحققت , وفي العصور القديمة كان الكرسي لا يجلس عليه إلا الأقوياء في المجتمع , ويُمنع عن العامة.
ولا أظن الكرسي كان معروفا عند العرب إلا بعد تفاعلهم مع أمم الدنيا الأخرى , إذ لا يوجد ذكر للكرسي في كتاباتهم القديمة وأساطيرهم واشعارهم , وحتى في الفترة التي سبقت قيام الدولة الأموية.
فالكرسي دخل الثقافة العربية بعد الإحتكاك بالرومان والدولة الفارسية , وغيرهما من أمم الأرض الأخرى , فصار العرش الذي يتقاتل عليه البشر ويسفكون دماءهم.
وبهذا الدخول تكرسن العرب , أي جعلوا من الكرسي رمزا لأمور كثيرة وتوثنوا فيه , أي حوّلوه إلى وثن تفوق على أوثان الجاهلية بما لا يُحصى من المرات , وصار له أعوانه ووعاظه وفقهاؤه المتاجرون بالقيم والمبادئ من أجله , فطغى الكرسي على وعي البشر , وغاب عنهم وعي العقيدة والدين.
والناظر بإمعان للتأريخ تظهر أمامه التصارعات الحامية الهادفة للفوز بالكرسي إلى حين , ومضت عجلة الأيام تدور على إيقاع التكالب على الكرسي والموت فيه ومن أجله.
فلا قيمة لشيئ بعد الكرسي , ففيه تختصر القيم والعقائد والحياة.
وبهذا المفهوم تحول الكرسي إلى مفترس متوحش وجزار أثيم فاقد للضمير , يتصور مَن حوله يهمّون به ولابد من إبادتهم , مهما كانت هويتهم ومنزلتهم وقرابتهم ودورهم في الحياة.
فعند قوائم الكرسي جميع البشر أرقام أو كالحصى , تُداس بأقدام الجالس عليه , وتُسحق برحى بطشه وغابيته النكراء.
وبموجب الآليات الدامية الفانية تأسست علاقات بين الكرسي وما حوله , ولابد من المحاباة والدجل والمراوغة والمديح والتعظيم والتبجيل وقول ما يريد سماعه صاحب الكرسي , حتى تجده ذات يوم على شفا حفرة الوعيد , وقد إنفض الذين كانوا يمجدونه ويتعبدون في محراب سذاجته وبقله.
وكم من الكراسي في مجتمعاتنا تهاوت إلى حضيض نهاياتها السيئة , وكل على شاكلته يترنح في وادٍ مهين.
تلك حكاية الكرسي الذي إذا شبَّ وثب!!