23 ديسمبر، 2024 2:56 م

غني عن البيان ، ان كل شعب من شعوب المعمورة ، منذ بدأ الخليفة وحتى يومنا هذا ، له قومية خاصة به تميزه عن القوميات الاخرى ،وتستمد الرابطة القومية التي تجمع الشعب وتوفر له ديمومته ، تستمد قوتها واستمرارها من الادبيات والحيثيات التي يقرها ويجتمعافراد المجتمع عليها. ويطلق على مجموعها التراث الذي يتناقله ابناء الشعب المعني او المقصود جيل بعد جيل.

 

ويميز هذا التراث عن غيره اللغة التي يتحدث بها ذلك الشعب فضلا عن مظاهر الاعراف والتقاليد والفنون والاداب والى اخره منالخواص التي تخص شعب دون غيره من بقية الشعوب. اذن هذه هي الادبيات ، واما الحيثيات فأنها التطبيقات والممارسات التيتنتهجها الشعوب لترجمة محتويات الادبيات او التراث بشكل عام.

 

من ذلك قالوا ، وما زلنا ونبقى نقول ، ان القومية انتماء وليس انتساب. ان من يرسم وجدان المواطن او المواطنة القومي هو التراث الذييجد المواطن نفسه فيه ويتعلق به ، وليس عرقه او طائفته والى اخره من التسميات قصيرة البال.

 

وعلى وفق ذلك فأن القومي هو من ينظر الى نفسه على انه فرد من افراد الشعب له ما لهم وعليه ما عليهم، فهو متعاطف تماما معالقضايا القومية والوطنية. وبالمقابل ويحتضن الشعب ابناءه بمقدار التفاني الذي يبديه المواطن لخدمة الوطن والامة. وبذلك يأخذالمواطن بمقدار ما يعطي.

 

وتمنح القومية الحية المجال والمساحة الكافية لان يمارس الافراد كل الافراد معتقداتهم وطقوسهم الخاصة بحرية تامة طالما انها تحتالمظلة القومية والوطنية.

 

يقاس رقي المجتمعات بمحتويات التراث والتسامح الذي يبديه ازاء الحريات الشخصية ويجسد التراث النظره الموضوعية نحو بعضالمعتقدات التي تنتشر ضمن المجتمع ويسعى الى احتوائها.

 

كان في المجتمع العربي قبل الاسلام معتقدات كثيرة وشائعة ، فمنهم من كان اليهودي ومنهم من كان النصراني ومنهم من كان منالاحناف الذين يترقبون ظهور دين جديد ومنهم من كان وثني يعبد الاصنام ومنهم من كان لا يعبد احد ، ولكن كان جميع هؤلاء ينتمونلشعب واحد وتراث واحد. يتزاوجون فيما بينهم ويتفاخرون بالتراث الذي ينتمون اليه ، بل كانت القصائد الشعرية التي يتفاخرون بها هي الجريدة الصباحية التي تروي اخبار ومثابر الناس على تنوع مشاربهم ويتناقلها كل هؤلاء دون استثناء.

 

ومأثر الشخص مهما كبر شأنها لا تتقدم على التراث وادبياته ابدا ، بل ان التفاخر والتمجيد يحث عليها التراث كونهما من مضمونه ولاينقصان من هيبته شيء.

 

اما الطائفية ، وللأسف ، فأنها عكس ذلك تماما. انها تدعو لانسلاخ الافراد عن مجتمعهم الام ، والانتماء الى مجتمع جديد تحت مسمياتالعقيدة ، ثم تبني حول هذا الانسلاخ الثقافي ، جدار سميك يعزل المجتمع الجديد عن المجتمع الام. ثم لينتهي المجتمع الناشيء بالنظرةالمريبة الى المجتمع الام ، ويرى فيه انه ينصب العداء له ، ويغلق الابواب بوجهه ، بحيث لا تبقى قواسم مشتركة تجمعه مع المجتمع الامعلى الاطلاق.

 

واول ثمرة لهذا الاتجاه المريض ان يهجر الفرد الطائفي مجتمعه القديم وقوميته التي ينتمي اليها ويذهب نحو المجهول. بحيث يبدأينظر الى الامور ، صغيرها وكبيرها ، وفق منظور الطائفة الضيق وليس وفق المنظور القومي الواسع.

 

ومن غير شك ، تحتاج الرابطة القومية ، الى توعية وادراك ، وبعبارة اخرى تحتاج الى قدر من الثقافة الوطنية والفهم لاستيعاب الدورالمهم الذي تؤديه الرابطة القومية لبناء وصيانة المجتمع والدولة،

 

ومن ذلك اختص ذكر الرابطة القومية او الوعي القومي في الوقت المعاصر بالطبقة التي يطلق عليها الطبقة المتوسطة او ( البرجوازية ) ،وهي طبقة الموظفين والمهنيين واصحاب العقارات او الاملاك المتوسطة او البسيطة. وحددت باصحاب هذه الملكيات او المستويات ، كونهؤلاء قد توفرت لديهم اسباب الحياة الكريمة ، ولا بد من المحافظة على تلك الاسباب وتنميتها ، ولايد ايضا من الانطلاق نحو الفضاءالقومي الاوسع ، فبدأوا بالتفتيش عن الاطار الاجتماعي او الشعبي الذي يوفر مستلزمات العيش الكريم الدائم والامن.

 

بينما المستويات او الطبقات الاخرى ، الغنية مثلا فهي منشغلة بجمع الاموال ، ولا تشارك بقية الناس افراحها واتراحها ولا حتىتطلعاتها ، ولا على بالها غير جمع الاموال. والاخرى الفقيرة او ذات الدخل المحدود جدا ، فهي منشغلة بتوفير لقمة العيش اكثر منانشغالها بالتطلعات الاخرى. وعلى هذا الاساس يتدرج الوعي القومي من سكان المدينة الى القرية الى الارياف لينتهي عند البدو. فكلما.