بعض الاشخاص -وخصوصا في المجتمع العربي- يحلم ان يكون بمنصب كبير او صغير ، المهم ان يسد نقصا من نفسيته او تعويضا عن تاريخه حتى لو لم يكن عنده مؤهلات ذلك المنصب ، وترى ذلك اكثر مايكون فيمن عانى من طفولة او مراهقة مذلة لاسباب متنوعة ،
منها ضعفه بدنيا مقارنة بالاولاد في سنه فيضطهدونه ، او ربما تحرش به بعضهم و اهان الرجولة الناشئة في داخله . او ربما لانه عمل في اول شبابه باعمال تابعية كمستخدم عند من هم اعلى منه او اغنى فكان مصيره بيدهم ، ولا يعني عند ذاك مانوع وظيفته او شهادته ، فالمؤثر النفسي عليه يكون نابعا من كونه يطمح ان يكون اعلى ولكن قدره او حسبه او ماله لايؤهله لذلك فيعيش مرؤوسا في كل مكان وتحت غيره في كل عمل يحصل عليه ، وهذا امر طبيعي عندنا ولكن عند الموتورين الحالمين له شأن أخر اقسى بكثير .
فتراه يحاول الوصول الى علية القوم فلايجد احتراما كما يطمع فيضطر للقيام باعمال متدنية يسيء بها الى نفسه وتسجل تاريخا لاينمحي عليه ،فقط ليبقى قريبا منهم متمنيا او متحينا او ممتعا نظره بما يحلم به،،
يحاول الظهور والشهرة فتنقلب الامور ضده دون حساب فتكون وصمة له ولعائلته حيث يقبل باي دور يظهر فيه للناس حتى ولو كان دورا من اعمال النساء او المراسلين او الخدم .مستعد ان يطبخ او يرقص ، المهم ان يظهر على شاشة تلفزيون او يجلس بين قوم ذوي شان.! عسى ان يأتي يوم فيكون له شأنهم.
هذا النوع من الناس ان واتته فرصة ان يتقلد اي منصب ، مهما كان صغيرا فسيطغى و يتجبر ويفقد توازنه حتى لاتكاد تعرفه وانت صديقه ، ينقلب على الجميع و يصبح من همه مسح تاريخه ومحطات انتكاسه ، ولكن التاريخ يرتبط باشخاص و لايمكن اخفاء كل هؤلاء الاشخاص الشهود او قتلهم ، فاذا تقلد منصبا عاما يدير فيه شيئا من امر الناس ولو شكليا جن و راح يكيل على نفسه القابا لايستحقها وينسب اليها افعالا لم يجترحها و اقوالا لايحسنها .ويجمع حوله كل متملق موتور مثله ليزينوا له حاضره و يروه اكبر من حجمه ويرددون اوهامه وينسوه ماضيه ، ليصدق كذبته .و يبقى هذا الشخص يحس بالحاجة للظهور باعلى المراتب وان كان وهميا .
احد الرجال كان رئيسا لجهاز حكومي في عهد صدام ، و كان صدام كما يعرف الجميع رئيسا مطاعا مهابا حاكما فرديا متجبرا عسكريا هزم ايران ولجم في الكويت وغيرها الاعوان و هدد اسرائيل و ملأ مكانه -من حيث كارزما القيادة- كأفضل مايكون ، رغم انه اسوأ حاكم في تاريخ العراق من جوانب اخرى عديدة .
صدام لايقبل ان ينازعه احد او يشاركه القابه المستحقة او التي صنعها لنفسه ، و كان ذلك الرجل -صاحبنا- من النوع الحالم الموتور الذي تناولنا وصفه في المقال ، فتخيل نفسه شيئا اخر واغرى موظفي دائرته كونه رئيسهم في العمل -و بتلاعب لفظي استوحاه من اسم المنصب الادنى – ان يخاطبوه بلقب (السيد الرئيس) ، هذا اللقب الذي كان يرعبنا عندما ننطقه فهو يعني صدام حصرا .
فصدق الموظفون وصدق هو نفسه حتى صار شائعا ان يقال بينهم (جاء السيد الرئيس ، ذهب السيد الرئيس) وبعد حين وحيث لا امر يخفى في ذلك العهد بلغت الحكاية لصدام (السيد الرئيس الحقيقي) فبطش به وبجهازه و جعل نهاره كليله و شتت شمل عياله و حتى موظفيه ، و جعله يصحو من حلمه على كابوس اسود تمنى ان لو لم تلده امه .
و أغلب المدعين ممن لايليق بحجمهم الصغير وتاريخهم الحقير ثوب الزعامة و الرئاسىة و في شخصيتهم نقص ولوثة كهذه ، وتراهم يتقافزون للتشبث باذيال الصدارة و الظهور ، جميعهم ينتهي بهم المطاف نهاية ذلك المدعي في يوم من حياتهم ،، قريب .