18 ديسمبر، 2024 7:13 م

الرئيس والكاردينال ساكو

الرئيس والكاردينال ساكو

راشد العمري
أثيرت في الفترة الأخيرة ضجة كبرى في العراق أثر صدور مرسوم جمهوري يقضي بسحب توكيل الكاردينال لويس ساكو بطريارك الكنيسة الكلدانية العالمية من التصرف بالوقف السني للطائفة . وعلى عادة مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي درجت على خوض سجالات عقيمة من دون التفكر والتدبر في حيثيات أي قرار سياسي أو محاولة فهم تفاصيل الحدث وملابساته ، وجهت إتهامات غير مبررة إلى رئيس جمهورية العراق بناء على إصداره هذا المرسوم .

وبطبيعة الحال استغلت بعض الأطراف هذا الحدث وتوظيفه لتصفية حسابات سياسية فحسب ، وليس غيرة على الدين أو حرصا على المكانة الدينية لقداسة الكاردينال ، فأدلى كل طرف بدلوه من دون الخوض في تفاصيل هذا المرسوم بهدف إستغلال الوضع لصالحه من خلال الإفتراء على الحقائق لأجل الحصول على بعض المكاسب السياسية على حساب الحقيقة الثابتة .

والسؤال هو : أين الحقيقة المؤكدة في هذا الحدث ؟.

في عام 2013 صدر مرسوم من رئاسة الجمهورية يقضي بتعيين الكاردينال لويس ساكو قيما على الوقف المسيحي في العراق . ويتحدث الكثيرون بأن هذا المرسوم صدر في عهد الرئيس الراحل مام جلال طالباني بتوقيعه . وهذا إدعاء مخالف للحقيقة تماما .

فحين صدر المرسوم الجمهوري كان الرئيس مام جلال مريضا طريح الفراش . ففي نهاية عام 2012 غادر الرئيس مام جلال العراق لتلقي العلاج في ألمانيا من جلطة أصيب بها ودخل على إثرها في غيبوبة كاملة ، حتى أشيع حينها بأن الرئيس قد مات سريريا ، ولكنه بنعمة من الله إستعاد وعيه بعد فترة علاج طويلة استغرقت نحو عام ونصف في ألمانيا إلى أن تعافى قليلا وعاد إلى العراق في يوليو /تموز من عام 2015 قبل أن يتوفاه الله في 3 تشرين الأول من عام 2017 .

والملاحظ أن الرئيس الراحل بسبب مضاعفات مرضه ظل طريح الفراش في منزله بالسليمانية ولم يداوم بمكتبه الرسمي منذ نهاية عام 2012 إلى حين وفاته عام 2017 ، وأن نائبه خضير الخزاعي هو الذي حل مكانه طيلة فترة غياب الرئيس وهو الذي وقع على ذلك المرسوم الجمهوري بتعيين الكاردينال لويس ساكو على الوقف السني عام 2013 . وهذا ما يبريء فخامة الرئيس الراحل مام جلال من أية مسؤولية حول تعيين ساكو . وعليه ليس هناك أي معنى من تنسيب ذلك المرسوم كذبا وإفتراء بالرئيس الراحل ، وقد شاهدت بنفسي نص المرسوم الجمهوري الذي وقعه نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي ممهورا بتوقيعه نيابة عن رئيس الجمهورية حينذاك .

والأمر الثاني أن الدستور العراقي ينص في المادة(67) على أن : رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ،يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لأحكام الدستور.

والنقطة اللافتة في هذه المادة هي إلزام رئيس الجمهورية على ” السهر على ضمان الالتزام بالدستور ” وما فعله الرئيس الحالي الدكتور عبداللطيف جمال رشيد يندرج في إطار هذه المهمة التي وضعها الدستور على عاتقه ، فأراد بإصدار مرسوم سحب التوكيل من الكاردينال ساكو أن يصحح خطأ دستوري وقع فيه النائب السابق خضير الخزاعي وليس الانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك .

لقد تصرف الرئيس رشيد وفقا لروح الدستور والالتزام بنصوصه ، فهو راعي الدستور والضامن على الالتزام به وليس له أية علاقة بالصراعات السياسية أو الطائفية أو المذهبية فهو وفق المباديء الدستورية فوق الميول والاتجاهات وعلى جميع الأطراف السياسية أن تحترم وتراعي هذا الجانب ولا تحاول خلط الأوراق لمصالح حزبية أو شخصية .

ومع كشف كل هذه الحقائق الموثقة يحق للكاردينال لويس ساكو أن يتظلم لدى المحكمة الاتحادية على صدور هذا المرسوم الجمهوري وبطرق قانونية بدلا عن المهاترات والمزايدات السياسية من هذا الطرف أو ذاك . وليس من حقه أن يشكك أو يحتقر صدور مرسوم جمهوري صادر وفقا لنصوص الدستور العراقي الذي يكفل له ولدينه ومذهبه أن يعيش في ظل هذا الدستور بسلام وأمان في بلده العراق .

هناك الكثير من أحاديث ووقائع يمكننا إيرادها في هذا المجال والتي تدين هذه المحاولات العقيمة لتحريف الحقائق ، ولكننا إحتراما لمكانة الكاردينال وحرصا على الوحدة الوطنية لا نريد كشفها لكي لا نزيد تعقيد الأوضاع أكثر من ذلك “..

طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ.” (مت 5: 9) .