أشار الرئيس مسعود بارزاني في رسالة الى شعب كوردستان (في 22/ آب الحالي) الى المقارنات والكتابات والتصريحات التي تناولت الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان والإجتياح السلس لطالبان لمدن وأراضي ذلك البلد بما في ذلك كابول، والتي حاولت مقارنة تلك الأحداث مع ما يحدث في أربيل، بعد الإنسحاب الأمريكي من العراق، ورسمت صوراً بعيدة عن الواقع من باب القياس وإثارة السخرية، لبث خيبة الأمل، وزعزعة الثقة بالنفس بين الكوردستانيين. وركزت في سبيل تمرير إدعاءات زائفة على إحتمالات الإنسحاب بكلام دبلوماسي معسول ولغة ومشاعر رقيقة تبدى القلق والشفقة الشديدين على مصير حقوق الانسان هنا وهناك، وتحدثت عن الصور المرعبة للمذعورين الهاربين من الجحيم الذي ينتظرهم على أيدي مسلحين متوحشين يخفون وراء مظهرهم كل قبح العالم وشروره. وتجاهلت ذكر أو تسمية اللاعب الذي سيؤدي دور طالبان في أربيل ويدخلها ليبسط يده عليها، وليعيث فيها الفساد.
أصحاب المقارنات لا يعرفون أن الدور الذي تلعبه طالبان ليس صدفة، ولا يعكس قوة طالبان وعقليتها المتصلبة، أوبسبب تعلمها السياسة جراء رعاية الإرهاب والتستر على قيادات القاعدة وفي مقدمتهم أسامة بن لادن، أو ضعف أمريكا وتراجعها الميداني وإرغامها على التفاوض معها، هو نتاج قناعات ومسار سياسي واجتماعات مكثفة جرت بين الحكومة الأفغانية السابقة وطالبان وأمريكا، ونتج عنها التسليم الهادئ للسلطة في أفغانستان لطالبان، مقابل تنازلات طالبانية كثيرة، مقبولة أمريكياً، يصعب التكهن بها أو التحدث عنها، في سبيل كسب ورقة الإعتراف الاقليمي والدولي بالأمر الواقع ووجودها في السلطة .
كما قال الرئيس بارزاني: (يبدو أن هؤلاء المقارنين لم يتمكنوا حتى الآن من فهم إرادة وصمود شعب كوردستان) الذي يمتلك تاريخاً لا ينسى مع أناس من أمثال طالبان أو أقبح منهم بكثير، سواء ألتحوا بذقون طويلة ولبسوا الملابس الغريبة وأغطية الرأس غير المعتادة، أو إرتدوا الملابس العسكرية النظامية أو رفعوا رايات مذهبية وشعارات شوفينية. ولا يرون نقاط الإختلاف الجوهرية بين أربيل وكابول وبين البيشمركه الأبطال وقوات أفغانية تشكلت بأوامر خارجية. كما أشار سيادته الى ملاحم تاريخية تشجّع على الوثوق بالإرادة الفولاذية للبيشمركه والكوردستانيين الذين إتكلوا على الله وعلى أنفسهم في دحر إسطورة داعش والتصدي لهجمات الغادرين والخونة على كوردستان في بردي وسحيلا .
ربما سيكون الإنسحاب الأمريكي غير المنطقي من العراق في لحظة حاسمة، وبالذات عندما يلحقهم الأوروبيون في رفع اليد عن حكومة بغداد، أكثر تعقيداً من الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، وأخطر في نتائجه في ظل التطورات المتسارعة وما يحيط بالعراق من سيناريوهات مقلقة وصعبة، والزيادة الملحوظة في نشاطات داعش وممارساته الإجرامية، وهشاشة العملية السياسية، وعدم وجود جيش أو قوات عسكرية عراقية متماسكة، رغم حجم الأموال التي صرفت على هذه القوات والخسائر البشريّة التي لحقت بالعراقيين، وصراعات الأجنحة السياسية الممثلة للفصائل المسلحة، التي ترى الإنسحاب الأمريكي فرصة لزيادة نفوذها في السلطتين التشريعية والتنفيذية. وربما تسيطر قوة مذهبية أو طائفية أو ظلامية أو حركة راديكالية منبوذة محلياً وإقليمياً ودولياً على بغداد ولا تقر بالدستور وبأي لوائح لحقوق الإنسان، ولا تتردّد في التحريض على العنف والإرهاب والاحتكام للسلاح وفرض ثقافة الموت والتأسيس للمجهول العقائدي، وتحاول تحويل العراق الى بؤرة توتر جديدة ترفع منسوب الفوضى الى درجات غير معهودة، وتضع الجميع أمام معضلة كبيرة إسمها التراجع في كافة مجالات الحياة.
ولكن، وألف لكن، هذه الأوضاع ستكون بعيدة عن الكورد الذين لديهم قوات البيشمركه، والقائد العظيم والمرجع القومي والوطني والسياسي الذي هو الرئيس مسعود بارزاني، والذي يتعامل مع نتائج الانسحاب العسكري الأميركي، أو عدم إنسحابه، بطريقة هادئة وعقلانيّة ويوجه ضربات موجعة لآمال وأهداف الحاقدين أينما كانوا .