يواصل الرئيس نوري المالكي، بعزيمة لا تلين، تحديد ملامح الصورة التي سيكون عليها العراق لعقدين قادمين على الاقل، فهو يرى ان «حكومة الأغلبية» هي الصيغة المثلى، بل الوحيدة، التي تحفظ وحدة العراق (العربي على الاقل)، وهي وحدها الكفيلة بإنقاذ البلاد من الانقسام على أساس طائفي.
المالكي يأبى تكرار النموذج اللبناني في العراق ويحاربه بشتى السبل والوسائل، صحيح ان نموذج الحكم اللبناني حفظ لبنان من التقسيم، إلا انه انتج كيانا هشا ومفككا، تدين مكوناته بالولاء لمرجعياتها الاجنبية، لا للبنان.
ان العراق يختلف كثيرا عن لبنان؛ فهو بلد مقتدر اقتصاديا، الأمر الذي يجنبه الحاجة لمعونات اقتصادية خارجية تشكل مدخلا للتدخل في شؤونه الداخلية. أما الانقسام العرقي والطائفي فهو اقل تنوعا، ورغم انه ليس اقل حدة، إلا ان للعراقيين حلول مختلفة لها، فعرب العراق (شيعة وسُنّة) مقتنعون بأن انفصال الأكراد عن العراق سيكون مدخلا لحل الكثير من مشاكل البلد. أما الخلاف «الشيعي – السُنّي»؛ فهناك تيارات سياسية واجتماعية تعمل حثيثا على تغليب مفهوم «العروبة» على «المذهب»، وإقامة «الإقليم السُنّي»، ولكن بعد انتهاء ملف سوريا ودحر الإرهاب.
لم تتغير سياسة «ائتلاف العراقية» اتجاه الحكومة منذ مماحكات تشكيلها إلى يومنا هذا. فهذا عهد قطعه «ائتلاف العراقية» على نفسه، وأشهد انه اوفى به على اكمل وجه. وهو أمر متوقع؛ لأن اغلب قادة «ائتلاف العراقية» هم انفسهم قادة ورموز «القائمة الوطنية العراقية» و«جبهة التوافق العراقية» (تسميات دورة 2006). وكانت علاقتهم سيئة برئيس الوزراء نوري المالكي، لذلك فلا غرابة إذا ما استمرت العلاقة على رداءتها طالما لم تتغير الرؤى. واختلف قادة «ائتلاف العراقية» حول صيغة الحل المثلى للخلاف «الشيعي – السُنّي». فتفكك الائتلاف إلى عناصره الاولية؛ صقور «القائمة الوطنية العراقية» و«جبهة التوافق العراقية» الذين يريدون الإقليم السُنّي «الآن وليس غدا» من جهة، والتيار الوطني والقومي (بقيادة صالح المطلك وجمال الكربولي) الذي مازال يراهن على عروبة العراق ووحدته، ويخشى من تداعيات إنشاء إقليم سُنّي في ظروف المنطقة الحالية.
لقد اسرع المالكي باحتضان جبهة صالح المطلك، واستحضر له المَدَد بتسهيل العودة المدوية للسيد مشعان الجبوري الذي استهل نشاطه السياسي بهجوم حاد على «التحالف الكردستاني» وتأكيد على عروبة العراق.
أما «التيار الصدري» فهو يتصرف بشيزوفرينيا واضطراب مُنقـَطِعَيْ النظير، فكلا الطرفين («دولة القانون» و «ائتلاف العراقية») عاجز عن التنبؤ بخطوة «التيار» القادمة، وكأن لسان حال الائتلافين يردد كلمات الشاعر عريان السيد خلف « لا انت فرح وابتسم، ولا انت دمع وأبكيك، ولا انت حبيب ونحب، ولا انت عدو نعاديك». ان اضطراب «التيار الصدري» يضعف من تأثيره ويجعله شيئا فشيئا خارج حسابات القوى السياسية.
أما التحالف الكردستاني؛ فالكل ينتظر بلوغه سن الرشد ويقدم على القرار التاريخي بإعلان دولة كردستان ليتحقق حلم اخوتنا الأكراد بوطن قومي نتمنى له كل النجاح والتوفيق.
لا شك في ان رئيس الوزراء نوري المالكي هو ابو ائتلاف «دولة القانون» وراعيه. وبدون المالكي ما كان لـ«دولة القانون» ان يكون على تماسكه وتلاحمه الحالي. فهو الائتلاف الوحيد الذي حافظ على وحدته على مدى المدة الماضية رغم «عاديات الزمان»؛ فمنه يأتي رئيس الوزراء، وهو الكتلة النيابية الأكبر والقادرة على تأمين أكثر من نصف عدد الأغلبية المطلقة في مجلس النواب. وكل الظروف الموضوعية تشير إلى ان الرئيس المالكي سوف لن يكون رئيسا لأية حكومة «وحدة وطنية» أخرى؛ فإما رئيس حكومة اغلبية، أو رئيس كتلة نيابية فاعلة سيحرص أي رئيس وزراء (ورئيس جمهورية ورئيس مجلس نواب) قادم على كسب ودِّها.
هذه قراءة ممتزجة بالتمنّي، ويا ليتها تتحقق.