23 ديسمبر، 2024 10:18 ص

الرئاسة من التعثر للإنتكاسة

الرئاسة من التعثر للإنتكاسة

قال الفيلسوف الايرلندي برنارد شو “مأساة العالم الذي نعيش فيه تكمن في أن السلطه كثيرا ما تستقر في أيدي العاجزين”. وهذا حال ما يسمى بالعراق الديمقراطي الفدرالي الجديد!
كتب السيد سيف الخياط مقالا عن الوفد العراقي برئاسة الرئيس العراقي فؤاد معصوم ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري، الذي شارك في قمة المناخ العالمية التي عقدت موخرا في باريس، وكانت المشاركة هزيلة وفق كل المقاييس الدولية والوطنية. والحقيقة أنا لا أعرف السيد الخياط ولم ألتق به رغم وجودي المتواصل في باريس، ولكن قبل أن اعلق على الموضوع إتصلت بأحد الأخوان في السفارة وسألته فيما إذا كان قد أطلع على مقال السيد الخياط، فردٌ بالإيجاب والكاتب صادق فيما ذكره من معلوماتـ، رغم حراجة الموقف بالنسبة للسفارة التي كانت في موقف لا تحسد عليه. بعد هذا قررنا أن ندلِ بدلونا في الموضوع، سيما أن رئاسة الجمهوريىة أصدرت بيانا كذبت امورا وصححت أخرى بعد المعلومات التي أثارها السيد الخياط واحد النواب العراقيين، ولكن بيان الرئاسة بدلا من ان يكحل القضية أعماها، لكثرة المغالطات التي وردت فيه، وكان من الأفضل أن تترك الرئاسة الموضوع لوزارة الخارجية لتعالجه بطريقة موضوعية ومقنعة، بدلا من التخبط والتهرب.

الأمور التي أثارها السيد الخياط.

1. ان الرئيس العراقي أستقبل من قبل وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس، أما بقية الرؤساء فقد جرى استقبالهم من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في بيان الرئاسة العراقية جاء التالي” تم إستقبال الرئيس فؤاد معصوم بروتوكوليا ورسميا حسب السياقات المعتمدة”! يبدو أن معد البيان لا يفهم السياقات الدبلوماسية ولا السياسية أيضا، فالزيارة رسمية وهذا يعني ان الإستقبال سيكون رسميا، وإلا هل سيحضر وفد من القطاع الخاص لإستقبال الرئيس العراقي في زيارته الرسمية! أما القول حسب السياقات فهذا الإستقبال مخالف للأعراف الدولية، لأن السياق أن يستقبل المضيف، ضيفه الزائر بنفس المنصب والمركز الوظيفي، أي رئيس جمهورية يستقبل رئيس جمهورية، ورئيس وزراء يستقبل نظيره، ورئيس برلمان يستقبل نظيره وهكذا. وليس من اللائق أن يستقبل وزير ما رئيس جمهورية ضيفا على حكومته، حتى لو كان رئيس دولة جزر القمر. البروتوكول واضح بهذا الخصوص. علما أن هذه الحالة الشاذة صارت عامة في مراسم أستقبال الرؤوساء العراقيين، علاوة على ظاهرة عدم وجود علم عراقي خلال اللقاءات مع الرئيس أو رئيسي مجلس الوزراء والبرلمان العراقي. سبق أن أستقبل الرئيس السابق جلال الطالباني من قبل وزير الرياضة خلال أحدى زياراته إلى طهران. في حالات خاصة جدا ربما يصادف إنشغال الرئيس بحالة ضرورية جدا، عندها يتم تبليغ الرئيس الضيف بإعتذار الرئيس المضيف عن الإستقبال ـ عادة يحل رئيس الوزراء محله ـ ويمكن للرئيس الضيف ان يقبل أو لا يقبل هذا الأمر، كأن يغير مثلا يوم أو ساعة وصوله للبلد المضيف.

2. أشار السيد الخياط الى الوفد العراقي المترهل ضم (86) شخصا، وهذه حالة غريبة لا تحدث في أي دولة في العالم، سيما أن المقاعد المخصصة للوفد العراقي (5) مقاعد، وربما يجد الرئيس العراقي ضرورة توسيع الوفد بضم خبراء في مجال البيئة والمناخ والإرهاب من المستشارين والأكاديميين، ليصل الوفد ألى عشرة أشخاص، أما أن يكون بهذا العدد! فهذه كارثة على الدولة المضيفة لعدم إستعدادها لتقبل وفد بهذا العدد، وعلى الدولة الضيف التي ستدفع تكاليف الفندق والنقل والجيب لبقية (81) من الموفدين بلا مبرر، ولأن العراق يعاني من أزمة مالية خانقة، كان من

المفروض على الرئاسة أن تتوخى الحذر في هذا المجال. كما أن طاقم حماية الرئاسة لا ضرورة له، لأن الأمن الفرنسي هو الذي يتحمل مسؤولية حماية الرئيس الضيف، وليس الطاقم الأمني الرئاسي الذي سيجلس في الفندق بدون عمل. الطريف في البيان الرئاسي العراقي إنه تجاهل ذكر عدد الوفد العراقي وذكر فقط المصاريف، حيث ورد” أن ما قيل عن عدد الأعضاء الوفد وعن المصاريف كان كلاما كاذبا، ولم تتجاوز مصاريف الوفد المشارك (100) مليون دينار عراقي”. لكن ما هو عدد الوفد؟ لماذا لم تشر إليه الرئاسة؟ وهل هذا المبلغ (100) مليون قليلا في نظر الرئاسة؟ علما ان الحكومة الفرنسية غطت تكاليف الأعضاء الخمسة الرئيسيين في الوفد!

3. ضياع خطاب رئيس الجمهورية الذي ألقاه في قاعة جانبية، ولم يستمع له احد من رؤساء العالم، وقد تأكد لنا أن كلمة رئيس الجمهورية فعلا فقدت، والطريف أن الرئاسة تجاهلت التعليق على هذا الموضوع، وانصبت تعليقها بالقول” كان الوفد العراقي بضمنه وزير الخارجية ومستشار الرئيس والسفير العراقي متواجدين عند إلقاء الرئيس الكلمة”. وهل يمكن تصور ان الوزير والسفير لا يحضرا كلمة رئيسهم؟ هذا أمر طبيعي وليس منة من الوزير والسفير. لكن البيان غفل الإشارة الى الرؤساء الذين حضروا كلمة الرئيس العراقي؟ لماذا؟ لأنه لم يحضر أي رئيس؟

وفيما يتعلق بالكلمة المفقودة، وهذا الأمر تتحمل مسؤوليته السفارة العراقية، من السياقات المتبعة في المؤتمرات الدولية أن تطبع كلمة الرئيس بعشرات النسخ، وبعد إلقاء الكلمة، يقوم موظفو السفارة بتوزيعها على الوفود المشاركة، وغالبا ما تخصص طاولة خارج القاعة، توضع عليها نسخ من كلمات الرؤوساء لتأخذها الوفود المشاركة.

4. ان العدد الكبير من الموفدين ـ سيما أنه لا يسمح بدخول القاعة إلا لحملة الباجات (5) أشخاص فقط ـ سوف لا يكون عندهم أي عمل خلال المؤتمر، لأن السفارة غالبا ما تغطي عمل المؤتمر وتزود المركز بنشاطات الرئيس والوفد المشارك، والوزارة بدورها تزود الرئاسة بنسخة من تقارير النشاطات. كما ان الوضع في فرنسا بعد التفجيرات الأخيرة مربك للغاية، ومن الصعب السيطرة على هذا العدد الكبير من الموفدين سيما في المجال الأمني وهم مقيمون في فندق خارج الحماية الأمنية الفرنسية، كما ان الرئيس والوزير والمستشار والسفير منشغلين بأعمال المؤتمر، لذا كان من الأجدى بالرئاسة الإنتباه لهذا الموضوع، وقد مرت الأمور بسلام، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة.

5. تعتبر هذه المؤتمرات فرصة ذهبية للإلتقاء بالرؤساء العرب والأجانب، وتبادل وجهات النظر في العديد من المسائل، سيما أن العراق يمرٌ بأصعب ظروفه، وكان الملوك ورؤساء الدول والوزراء المشاركون (150) فردا، لكن لقاءات الرئيس العراقي لم تتعدَ أصابع اليد الواحدة! فقد إلتقى بالرئيس المصري والفلسطيني وهذا موقف جيد، ثم بنائب الرئيس الإيراني ـ كان في ضيافتهم قبل ايام ـ وهو لقاء لا يغني العراق شيئا، فوفود البلدين لا تنقطع! وبرئيس جزر القمر، وهو لقاء مبهم! بلا تعليق!

6. لم تغطِ القنوات العراقية المؤتمر ولم تعرض كلمة الرئيس العراقي، لأن التصوير فعلا كان “مصور بكاميرا رقمية بسيطة لأغراض الحفظ والارشفة فقط” كما ذكر الخياط. ويفترض بالرئيس العراقي أن يصطحب اعلاميا مرموقا لتغطية كلمته ونشاطاته علاوة على التنسيق مع المسؤول الإعلامي في السفارة العراقية، ويبدو أن هناك إخفاق في هذا المجال، حتى في حالة ضم الوفد مسؤول إعلامي.

7. تجنب البيان الإشارة إلى نقطة مهمة جدا وهي ترتيبات اليونسكو لإستقبال الرئيس العراقي، فقد أشار الخياط بأن” منظمة اليونسكو رفعت العلم العراقي هذا اليوم وفرشت السجاد الأحمر لاستقبال الرئيس، ودعت جميع سفراء العالم لاستقباله، وهو حدث لم يحصل من قبل لرئيس عراقي، الا ان معصوم ألغى الزيارة قبل ساعات قليلة على الرغم من التحضيرات الكبيرة لاستقباله. فيما أبلغت الرئاسة العراقية اليونسكو ان رئيس الجمهورية مريض ولا يستطيع مغادرة مقر إقامته، الا ان الرئيس كان جالسا في الفندق لإجراء حوار تلفزيوني مع قناة فرنسا 24″. الرئيس العراقي أضاع

فرصة ذهبية بلقاء اليونسكو، أقل ما يقال هو ردٌ الإعتبار له شخصيا، ولا نقول للعراق. لكن زاد الطين بلة بكذبة لا تليق برئيس جمهورية، حيث يمكنه الإعتذار بدون تقديم سبب، ولا أحد يرغمه على الحضور، ولم يكن بحاجة الى الكذب المفضوح!

8. تجاهل البيان الرئاسي ما ذكره الخياط عن لقائه بالمتحدث باسم رئيس الجمهورية (خالد شواني) الذي ذكر له من جملة ما ذكر ” ما كو دولة في العراق”. الرجل قال الحقيقة بحذافيرها! وإلا هل توجد دولة يخترق حدودها حوالي نصف مليون إيراني من الرعاع، ويكسرون البوابات، ويحتجزون شرطة الحدود في قاعة، ويسيرون بحرية مع ما يحملونه من (مواد مهربة ومخدرات وأسلحة) الى العتبات المقدسة، دون أن تعلق الحكومة العراقية على الخرق السيادي، والفوضى الأمنية والخسارة المالية ـ دخلوا بلا رسوم فيزا وهي 40 دولار لكل شخص ـ ؟ علما أنه صدر بعد أيام إلتماس شفاف من البرلمان العراقي يتوسل نظام الملالي بالرأفة بالمراكز الحدودية والسيطرة على الرعاع، كان البيان أشبة برسالة عتاب بين حبيبين! وأعقبه بيان من وزارة الداخلية يأسف لما حصل في المركز الحدودي محملا إيران المسؤولية، كأن المركز أيراني وليس عراقي، ولا تتحمل مسؤوليته الحكومة العراقية! تصور لو أن هؤلاء الرعاع قدموا من تركيا أو السعودية! كيف سيكون الموقف البرلماني والحكومي من المسألة؟

نفس هذه الحكومة الفاسدة وبرلمانها الهزيل يمنعان أهل الفلوجة من المدنيين (جلهم من النساء والشيوخ والأطفال) الدخول الى بغداد وبقية المحافظات العراقية، وأن قبلت أفرادا! فبكفيل ضامن من المحافظات! كما أن روسيا تأمر العراق بإغلاق المطارات في الشمال لأنها ستوجه ضربات لداعش، دون إذن ولا إنتظار موافقة من حكومة العراق. هل هذه دولة؟ بلد بلا سيادة، يعني لا توجد دولة!

9. ذكر النائب العراقي محمد كون في بيان له ان” مشاركة وفد العراق في قمة المناخ برئاسة معصوم كلف العراق ربع مليون يورو، رغم أن المؤتمر لايشكل ضرورة ملحة للعراق وان الوفد العراقي ذهب مستمعا لا مشاركا فيه”. وأوضح أن” عدد البطاقات المخصصة للوفد العراقي هي خمسة بطاقات فيما تألف الوفد من 82 شخصاً كلفت مشاركتهم خزينة الدولة ربع مليون يورو. حسنا! من أين أتى النائب بهذه المعلومات؟ ومن الطرف الذي يكذب على الشعب العراقي، هل الرئاسة أم البرلمان؟

لكن النتيجة التي خلص لها الخياط وهذا المقال هي نفس ما عبر عنه مثال الآلوسي عضو في لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية بقوله”ان الوفد العراقي لا يحمل اية مؤهلات تمكنه من تسويق بضاعته وعرض قضيته مع الارهاب” وأعتبر المشاركة العراقية فاشلة. ماذا بعد يا رئاسة، اليست مشاركتكم إنتكاسة؟