قراءة في ( طقوس الكلام ) لرياض عبد الواحدمما لاشك فيه أبدا أن النقد بما هو ممارسة فكروية و نصية
لم يفارق عتبات ( الخطاب الفلسفي ) سواء كان ذلك بشكل
صريح أو غير صريح أو بشكل ضمني و غير مباشر ، إذ
أن عملية فصل الفلسفة عن النقد تكاد أن تكون عملية فصل
و إبعاد منهجي أكثر منها عملية فصل حقيقية ، وذلك لأن
الفلاسفة و عبر حقب التواريخ الطويلة ، أنما تناولوا آراء
غيرهم بالنقد العلني أو المستتر ، كما وعرف النقد في
الفلسفة منعطفا حاسما في دلالاته و مضمونه و شكله ،
بدليل أنه أصبح يشير الى فلسفة بعينها هي ( الفلسفة النقدية )
و منذ ذلك العهد لم يتوقف النقد عن منظومة تحولاته
الفلسفية و البرهانية و الوظائفية و التأويلية و في علاقته
المباشرة بالمعارف المعرفية الأخرى . و بتعبير آخر فأن
النقد هو النظر فيما هو قابل للتأويل و التفلسف ، ثم النظر
الى ما هو مشروع في قولبة التنصيص المعرفي و ما هو
غير مشروع ، أو تحديدا النظر في الأستعمال الدلالي
و الخطابي و البنائي و الجمالي كتصور يتميز في ممكنة
أمتحان ما أو أختبارية ما .. إذ أنه يناقش و يضيء معارف
شيئية اشتراطية قياسية لا تتجاوز في وصفتها الظرفية
و التركيبية و التجريبية . و تبعا لهذا شاهدنا و تابعنا
كتابات النقاد في جل طرحيتها و سؤالها و كيفية مراهناتها المتمظهرة في حد نواياها المقصدية وصولا الى ضرورة
شرطية ناجزة في سلطة العقل و الجمال و التأويل . من
هنا سوف نعاين و بموجب إضاءة هذه المقدمة التمهيدية
الى كيفية إخضاع صنيع النصوص الإبداعية الى محور عملية القلب و الإجراء القرائية و القائمة في حدود
( التأوليل / المؤول ) و بين شروط وجه التحديد بالذات
العارفة و بملكة المعرفة كحكم يقابله المشروع العقلي
كأداة معرفية تهم بمناقشة و عرض المسائل النصية
على طاولة سؤال الذات القارئة و الناقدة . قبل الدخول
الى قراءة تمفصلات مباحث دراسة ( طقوس الكلام )
للكاتب الأستاذ رياض عبد الواحد ، لعل من المفيد لنا
أن نقول في إضاءة هذه المقدمة بأن مقال رياض عبد
الواحد الثقافي في إجرائية النص الإبداعي ، يتبع دستورا
متميزا في معرفية ( مؤول الأشياء ) و يكشف هذا الدستور
بدوره عن نفسه عبر أدوات ثقافية متفردة راحت تجمع
بين ( الفكرة الإنطباعية ) و بين ( حديث عضوية المؤول )
و أحيانا تبدو هذه الفكرة لنا في عوالم هذا الكاتب الأدبية ،
كما لو أنها خصيصة أحتمالية خاصة لا تخص إلا طرف
مقايسة الكاتب نفسه . أي ما معناه أن أفكار و رؤية
مجالات كفة الكاتب ، قد لا تحيط دائما بالدرس الوثوقي
بكافة مداليل النص الأصلية و الحقة و المعتمدة أحيانا
كشكل سائد في دراسة كل باحث لعوالم الشاعر سامي
مهدي . و على هذا الأساس وجدنا وجه مبادرات تلك
المباحث الدارسة لنصوص الشاعر مهدي ، و كأنها
علاقات غير توكيدية و غير تامة و مطابقة لأوجه
دلالات شعرية الشاعر .. من هذا المنطلق تحديدا سوف
نناقش و نستعرض جملة سياقية مباحث دراسات الكاتب
رياض عبد الواحد و بدءا من العنونة تفصيلا : أن القارىء
لعنونة ( طقوس الكلام ) لاشك لربما سوف يواجه مباشرية
موضوعية تتألف من دال ( طقوس ) و دال ( كلام ) و هذه
الثنائية المرسومة في عنونة مباحث عبد الواحد ، قد تبدو شكلا غير تام و غير معبر ، لاسيما و أن طاقة دلالته كانت
مرجحة نحو موضوعة نقدية حيث من شأنها المتفق عليه
معاينة نصوص شعرية و ليس مجموعة قصائد شعرية ،
حتى يحق لها الغور في هذه التسمية الناصة حول أبعاد
شعرية تحديدا .. بل أنها في جملة حالاتها السياقية و
المعرفية ــ أي العنونة ــ لا توفر أدنى حد من حدود العبارة
الدالة حول مطلوبية و قصدية المباحث الدراسية لدى
الكاتب عبد الواحد : فما معنى علاقة عنونة مباحث نقدية
بدلالة عنونة طقوس الكلام مثلا ؟ لا أعتقد من جهتي
الشخصية بأن هناك من وازع ما أو أدنى صلة سيميائية
أو دلالية بين نصوص الشاعر سامي و بين عنونة مباحث
الأخ رياض عبد الواحد ؟ كان من الخليق بالكاتب أختيار
ثمة عنونة قابلة لحفظ مسافة التواصل الدلالية بين فضاء
مباحثه و بين خطاب و دلالات نصوص الشاعر :
( أما عنوان الكتاب ــ طقوس الكلام ــ فهو عنوان عام
لأن ــ طقس ــ هو الوجه الآخر للعملية الشعرية برمتها..
لغة و بناء و اسلوبا .. و قد تعاملت معها على أنها
ــ بنية ــ متعاضدة فأوليت متفحصا ما أمكن تأويله )
يبدو لنا حديث الأستاذ رياض ، لا يتصل وحدود مفهوم
سائد أو حدود صفة اشتقاقية في المقاربة النقدية الجادة
حيث بالأمكان يكون ممكن الأتفاق عليها عامة ،و في أبعادها
الفرضية و الكينونية على فهم عتبة مستوى دال صورة
العنونة . و بعبارة مختصرة نقول للقارىء بأن
( عتبة العنوان ) في مباحث الكاتب لم تكن بالغة في
منظورها العلائقي إزاء صلة الأثر الأبداعي المدروس
لديه ، إذ أنها ذات تأثير كبير في بناء شعرية نصوص
الشاعر ، و ليس من باب مؤثرها المؤول في تحصيل
العتبة العنوانية و التشكيلية لمباحثه الثقافية . أن عتبة
دلالات العنونة في شكل عام هي دائما بالضرورة القصوى
تروج لذاتها خطابا موازيا لخطاب ( فعل التأويل )
و المراجعة و التصحيح في نواة تنشيط فعل القراءة
الشارحة و المؤولة ، لتنكشف بذلك ( عتبات ) المساءلة
البحثة قراءة و تدبيرا ، وصولا الى إضاءة المشروع
النقدي بكافة تحديداته و اشتغالاته المفهومية حول تلك
المقاربة التقويمية في فضاء الأثر المدروس . على أية
حال سوف اتوقف عن الحديث حول عنونة مباحث
الكاتب عبد الواحد ، محبذا الأهتمام الأكبر بالدخول
في أجهزة مفاهيمية مقولاته المقاربة لنصوص
سامي مهدي المختارة تحديدا من مجموعته الشعرية
( حنجرة طرية ) .
( مدخل )
عند آلية مطالعة مباحث الأستاذ الأخ رياض عبد الواحد
في نصوص سامي مهدي ، تواجهنا و منذ المبحث الأول
خطوات معرفية لا تهتم في مقاربة الأثر شكلا عابرا كحال
المقالات الثقافية المعاينة للنصوص الإبداعية التي نشرع
في قراءتها اليوم في الصحف الثقافية ، بل أنها تتضمن
استراتيجية خاصة قوامها التعليل و التحليل وعلى مستوى
تطبيق إنطباع المؤول العضوي في شروط أسئلة الذات
الباحثة في معارف النص : ( على الرغم من أن الشاعر
سامي مهدي ظهر في فترة هي من أصعب و أدق و أبرع
الفترات في تاريخ الأدب العراقي المعاصر إذ بدأت الحداثة
تأخذ هيكلها العام و اتخذت القصيدة وضعها الخاص عندما خرجت عن المألوف العام .. و لعله و منذ ديوانه الثاني /
أسفار الملك العاشق / أختط طريقة واضحة متسمة بخصائص
تعبيرية واضحة ذات خصوصية تعبيرية تختلف عن
مجايلية .. فأشعاره قد تميزت منذ البداية بصعوبة المسك لكونها تجاوزت ما هو ذوقي / سطحي الى ما هو فكري / رؤيوي ) من خلال متن مقدمة المبحث الأول الموسوم
بعنونة ( وعي الفكرة وجدل الأفكار ) نعاين لجوء الذات
الباحثة في تفسيرها و تأويلها للظاهرة الوصفية و الدلالية
في تجربة قصيدة الشاعر ، عبر مجال تحديد الوعي الجوهري و المركزي لدى الشاعر كقوة أسلوبية تكوينية
راحت تمضي الى معرفة المعنى النصي من خلال سلطة
وجودها الخطابية ، حيث بات التصور و التقويم لدى الكاتب
عبد الواحد ما يجيز له تسمية شعرية سامي مهدي بقصيدة
الفكرة أو قصيدة أو قصيدة الرؤية . و قد يتضح من وراء كلام الكاتب عبد الواحد ، بأنه يحاول في خطواته المبحثية
معاينة نصوص الشاعر على أساس تماثلات ( الرؤية /
المؤول ) و من ثم خصائص النص الأبداعي في رمزية
تحولاته المظهرية و الدلالية . و لكن ما أورده الأستاذ رياض في قوله هذا ( لكونها ــ أي قصيدة سامي مهدي ــ تجاوزت
ماهو ذوقي / سطحي ) فأنا لا أفهم ما يحاول أن يصل أليه
عبد الواحد من قوله ( تجاوزت ما هو ذوقي ) لعله يقصد
وضعية حدود صورة المشاعر العابرة أو الإنطباع الخاطف في عاطفة القراءة الأسقاطية ، و لكن المتفق عليه في كل
نظريات التلقي و المفاهيم المنهجية بأن الذوق و الذائقة هي
مصدر كل مشروع تصوري لا يلتفت الى مبررات تماشي
أمكانية هواجس العقل البرهانية ، خصوصا و أن الوظيفة
الشعرية ما هي ألا أيقونة ذوقية وحسية حيث تشكل وحدة
كلية مكونة من فعل مشترك لمجموعة تلقي الظواهر الخارجية الحسية و التي من شأنها أيقاظ حالات الأتصال
الذوقية و الشاعرية لدى مجسات القراءة . فأنا لعلي أفهم
من قول الأخ رياض عبد الواحد من أن الذائقة و الذوق
قد أضحت فاعلية غير مجدية في تحسس دلالات النص
وقراءته في كافة أبعاده المؤولة .
( التأويل عن طريق تداعي شعرية المخيلة )
ولا يخفى على كل ذي بصيرة من أن الكاتب رياض عبد الواحد هو يمارس الكتابة الشعرية وله مجموعة شعرية تحت عنوان ( النهوض من الصحو ) كما و له العديد من القصائد
العامودية و النثرية منشورة في الصحف اليومية . و تبعا لهذا الأمر وجدنا جهده الثقافي و المعرفي في مباحث دراسة
( طقوس الكلام ) و في مجال كتابه الثاني ( البذرة و الفأس )
قد أقتصر على معاينة النص الشعري في حدود دليل الشاعر
الذي يحاول أن يكتب عن القصيدة ، فعلى سبيل المثال ، نقرأ
مثل هذا التعامل مع النص الشعري ( بل هناك طريق / بل هناك طريق أبي كان يسلكها / حين يغوي صديق / إذن هنا
شعرية التراسل تحاول تأسيس بنياتها بشكل يتخطى جمرة
الآتي / المرئي الى الآتي / اللامرئي بما يترشح من الذاكرة
المملؤة بالزمن مبتعدة عن قيود الحال محولة ما هو على الضد من هذا لتوسيع أفق ثالث هو أفق المتلقي الذي يتوسط
عملية التلاحق بين المرسل و الرسالة .. هنا النص هو الذي يصنع الآخر / المتلقي بوساطة مهيمناته المعرفية و الشعرية
و ما يكتنزه من دهشة وضاءة قادرة على شده بقوة الى الداخل
تلك الرسالة التي هي المرسل نفسه ) أن دراسة معاينة الأرسال و التراسل التصديرية في فضاء مستوى تحولات
حركية عضوية النص ، و المنطق الداخلي الذي يربط بين عناصر و عاملية النص نفسه ، حيث يجعل منها فضاء يتجسد من خلاله شبكة الأنواع و العلامات و المحاور الأحتوائية
في دليل النص ، هذا الأمر بدوره هو ما يحاول أن يتحدث
عنه الكاتب في أبعاد فقراته الإجرائية الثقافية في مقاربة
نص الشاعر ، غير أن الكاتب أحيانا يصل في عموم مقاربته
للنص الشعري الى وضعيات شبه مخالفة لمدلول ما أنطلق
منه بدءا وصولا الى انعدام البنية الخطية الإجرائية في مفاصل المعاينة المركزية ، فهو على سبيل المثال يقحم مقارباته ، بوقفات معرفية تتصل وحدود مجال
( فلسفة الكينونة ) و في تتابعية موضوعة حفرية في النتيجة
هي تبدو شبه مغلقة من التعليل و الترابط و الدليل و النتيجة
المعرفية ، لدرجة وصول الأمر بالأقرار القارائي التام بأن هذا الكلام الذي يقوله الكاتب ليس له من علا مة دالة على
دلالة القصيدة ، كما أن النص الشعري لا يتطلب مثل هكذا
منعطفات ودهاليز و سراديب من من حديث الأفتراض و أطروحة التخمين ، بل أنها تبدو أحيانا من جهة خاصة
عبارة عن ترويج إعلامي للنص المقروء ( أن دلالة مفردة
ــ دم ــ تعرض / الغريق / الى فعل قوي داخل الماء فالدم نتيجة لمؤثر خارجي في الوصف إلا أنه داخلي في سمته
الباطنة من حيث مكونات الماء الرئيسة ) أن الأخ الأستاذ رياض ، يترجم حقيقة الدلالات الشعرية من حدود بديهية
و معروفة للجميع ، بل أنها حتى لا تتصل وحدود مؤول
معرفي حقيقي في شكل منصوص قياسي مبرهن في الدليل
و الدلالة ، و لكن أحيانا هكذا التفاتة قد تقدم نوعية قرائية جديدة الى وعي القارىء و التلقي ، أي أنها غير مسبوقة
في شكل و لغة مفرداتها الكيفية ، و ليس في شكل منهجها
التأويلي الخاص ، بل أنها تعد بمثابة رؤية الأمساك بالنص
من ناحية منظورية و ليس من ناحية إجرائية منتجة . كان
يفترض بالأستاذ رياض عبد الواحد في نهاية كل مبحث
تقديم خلاصة توضيحية لعملياته القرائية كمعنى استنتاجي
في مقاربة النص . غير أنه ظل مكتفيا وفي كل مباحثه
بوساطة أشكال تكوينية من عضوية الإيماءة و الكشف
المستتر .
( الرؤية بين دليل الشاعر و الإنطباع العضوي )
ما سوف نقوله هنا ليس بمثابة المؤشر العضوي على كيفية
تقييم مظهر مباحث ( طقوس الكلام ) بل هو حصرا يعد
مقتطف لرؤيتنا الاستنتاجية لمحتوى و مضمون مؤولات
الكاتب في منجزه الذي بين يدينا .. نلاحظ بجلاء أن أغلب
مباحث ( طقوس الكلام ) حيث أن رؤية الكاتب فيها أخذت
تنحى منحى ( دليل الشاعر ) إذ أن عنصر المعاينة في تلك
المباحث كانت مزودة بوهج دليل رؤية الشاعر منها الى
مسكونية الرؤية الثقافية الكاشفة ، و التي وجدناها تتحدث
عن حالات نصوص سامي مهدي في حدود علاقة الصورة
الشعرية في رسم مؤولاتها الدلائلية البعيدة ، بيد أنها تبدو
مدعمة من جهة خاصة بالوعي الشعري و تنظيراته
البنائية و الاسلوبية . ولكننا في الوقت نفسه شاهدنا ممكنات
بحثية تبتعد عن حدود القراءة الصحافية المهملة ، لتصب لذاتها في ( طقوس الكلام ) خصوصية مستوى
( الإنطباع العضوي ) الذي راح يقترب من زمن ( الباحث)
ليصل الى خطاطة المقاربة المعرفية التي صارت تتراوح
بين المقدمة و بين التحديد المفهومي و المصطلحي و الخاتمة
الإحتوائية .. هذا الأنجاز المبحثي في عوالم تجربة سامي مهدي قدمه لنا الشاعر و الكاتب رياض عبد الواحد على
مستوى الفكرة المتلازمة و ترسيمة الوقفة المؤولة .
( تعليق القراءة )
حين ننتقل الى مستوى ( تعليق القراءة ) لعلنا بحاجة الى
أن نعود الى خطاطة رياض عبد الواحد المقدماتية في
شأن مباحثه الدراسية ، والتي قال فيها هذا القول حول سبب
أختياره لنصوص سامي مهدي دون غيره من الشعراء :
( حدث إن سألت نفسي مرات عدة عن السبب الذي يكمن
وراء إختيار شاعر ما دون سواه من قبل دارس أو باحث ؟
و كنت أضيف أسئلة أخرى مرتبطة بما سبق .. هل هو الآنحياز الى فنه أو تميزه الشعري عن غيره أو ه نزوع
شخصي حيال شخصيته و تأثيرها في الوسط الأدبي ؟ )
لعلي أستطيع الإجابة السريعة عن تساؤلات الكاتب ولكن
يبقى خوفي الوحيد هو أن تفسر مقاصدي على محمل
الأنفعال و المزاجية و الامراض النفسانية و الغل العشوائي ..
ولكن كل ما أود قوله للكاتب عبد الواحد من أن شعرية سامي مهدي لربما هي مرحلة زمنية قد فرضت حضورها الجبري
على الأدباء المساكين و القارىء المفقود وسلطة من لا يرحم.
ولكن لربما هي الآن مجرد تحفة في متحف النسيان و الغبار
و المفروغية ، بل أنها الآن لا تستحق حتى مجرد وقفة القراءة و المتابعة و الاسترجاع .. أقول أن إيقاظ التعارض
مع مطالب الواقع الثقافي الجديد لربما يستلزم منا ككتاب
مقال ثقافي و ليس نقدي ، لأننا لا يحق لنا أطلاق صفة و
مسمى ( الناقد ) على أقلامنا و انفسنا فهذا الأمر لربما يعود
بدره الى ذائقة و وعي القارىء المثقف و حكمية النخبة
و الأصداء الأعلامية و المصادر و المراجع .. فنحن في الحقيقة لم نكتب ما كتبه صلاح فضل وجابر عصفور
و عبد الله الغذامي و خالدة سعيد و عبد الأله أحمد وفاضل ثامر ومحمد صابر عبيد ، فهؤلاء لربما في بعض كتاباتهم
و ليس كلها يحق لنا تسميتهم بالنقاد ، و ذلك لسبب بسيط
هو أن دراساتهم و بحوثهم أصبحت تحتذا كمصدر مرجعي
في الكتابات و الأطاريح التي يتداولها هواة النقد الأدبي .
أما بخصوصنا فنحن في كل ما نكتبه لربما لا يتعدى حدود
المقال الثقافي شبه المقبول لدى الصحف اليومية و عقول
النخبة المثقفة .. أعود لموضوع سامي مهدي من جديد
لأقول لدينا في واقعنا الشعري الرصين في العراق ثمة
تجارب و أسماء شعرية تبدو أهم من سامي مهدي كمؤيد عبد القادر و عدنان الصائغ و عبد الرزاق الربيعي و حسن عبدراضي و عبد الكريم كاصد و حسين عبد اللطيف و علي الأمارة وطالب عبد العزيز و عبد الزهرة زكي . فهذه الأسماء تشكل حركية رائقة من عوائق الذاكرة المأزومة
و انقاذ النموذج الشعري في اللحظة الأخيرة من براثن جمهورية الشاعر الذي يكتب القصيدة الجميلة وهو يرتدي
زي و قناع ( رجل الأمن ) لربما هذه قطيعة عظيمة ينبغي أن لا نغفلها أو نتجاوزها عند أنزواء الذات الباحثة في زوايا
أختزال الفكرة النقدية في صعيد العلائق المؤثرة تأثيرا من شأنه أولا إعاقة تسويق المنجز الثقافي و ثانيا اهمال اسم الكاتب و ثقافته من التجاوب و التجاذب النخبوي في مستوى نقابة الأدباء و الكتاب و الخطاب الصحفي .. في الأخير لا يسعني المقام ألا أن أقول : شكري و تقديري للأستاذ العزيز و الأخ الفاضل رياض عبد الواحد لأنه أهداني نسخة من كتابه
الجميل ( طقوس الكلام ) كما و أتمنى أن لا يفسر
( أبا محمود ) كلامي الأخير على محمل قوارب المزاجية أو الغل أو التحامل المسبق لأني ليس بالنتيجة ضد عوالمه الثقافية و المعرفية المتماسكة و الموهوبة ، و لكنني حصرا ضد جمهورية الشاعر سامي مهدي الذي بات في دفاتره يقول الكلام الجميل و الانزياح المفلسف وله في قلبه و وجهه سحنة الجلاد و العسكرتارية القاتلة .