يُقال أن المجتمعات التي لا تعرف كيف تضع النفايات أو القمامة في مكانها لا يمكنها أن تضع الشخص المناسب في المكان المناسب , وهذا قول فيه مصداقية لأن الواقع المعاش مرآة ما تحتويه الرؤوس من الرؤى والتصورات والتقديرات , وقد تكون بعض الرؤوس حاويات لنفايات الأضاليل والبهتان.
وفي مجتمعاتنا هناك مصطلح “المزبلة” أي الموضع الذي تُراكم فيه قمامة ونفايات المحلة أو المدينة , ولا أظن لهذا المصطلح وجود في معجميات المجتمعات الأخرى المعاصرة ولكن بتوصيف آخر.
وكان معلمنا في الصف الأول الإبتدائي يصدح بأسماعنا كل صباح وبترنيمة لا تغيب عن أذهاننا ” يا مزبلة جوكي الخريا” , وهو يتغنى بها عندما يسأل التلاميذ عمّن لم يُحضر مادة الدرس , فيصفَّهم عند السبورة ويبدأ تغريدته المعتادة وكل واحد منهم يتلقى ضربات عصاه على كفه المبسوطة!!
أعادتني إلى مفهوم “المزبلة” موضوعات النفايات التي تعاني منها أكثر المدن , وهي تتعاظم ولا يعرف المختصون لها حلا , ولا يتعلمون من المجتمعات المعاصرة كيف تعالج نفاياتها.
والعجيب في الأمر أن مجتمعاتنا قد تناست أن “النظافة من الإيمان” , مما يشير إلى أن الإيمان منتفي , وهذا يفسر ما يدور من نكبات وتداعيات بإسم الدين.
ويبدو أن المسافة ما بين الحالتين عقلية بحتة , فبعض المجتمعات مرهون بإرادة المزبلة , مما يمنعها من التفكير خارج أسوار قيودها , فالمشكلة لم تكن موجودة بهذا الحجم الضار والمدمر , لكنها تنامت مع الزمن , والسبب يعود إلى أن مجتمعاتنا مستهلكة ولا تفهم بالتصنيع , ولا يمكنها أن تتصور آليات إعادة تصنيع النفايات والإستثمار فيها , لأسباب نفسية وعقلية وغيرها من المانعات والصادات , بينما المجتمعات المعاصرة والصناعية بالأخص , تستثمر بالنفايات وتفرزها وتعيد تصنيع الكثير منها , خصوصا الورقية والبلاستيكية والصلبة كالحديد وغيره.
وفي مجتمعاتنا لا نفهم إلا الطمر والتراكم أو الحرق , أو الحيرة , أي أننا لا نمتلك الوسائل المعاصرة لمعالجة النفايات , لأنها بحاجة إلى قدرات تصنيعية وإستثمارية ونحن نفتقدها بالكامل.
ولذلك فأن مشكلة النفايات لن تجد لها حلا , لأنها بحاجة إلى إعادة تصنيع وتصريف وفقا للآليات المعمول بها في الدول المتقدمة , وعلى ذلك ينطبق المثل ” بعيد اللبن عن وجه مرزوق”!!
فالنفايات مواد أولية لمشاريع صناعية وإستثمارية متنوعة , وهذه المشاريع لا وجود لها عندنا , مما يعني أن المجتمعات ستغرق في النفايات.
فهل من عقل تصنيعي رشيد وإستثماري يُجيد؟!!
مزبلة:موضع يلقى فيه الزبل والأوساخ
ومنها زبل وزبالة ومزابل ومزبلات.
“وربَّ لؤلؤةٍ في عين مزبلة…”
جوكي: أتوْكِ (من أتى)
الخريا: لا فائدة ترتجى منهم