لو كان العراق حقاً دولة مستقلة , وفيه برلمان حقيقي وأعضاء برلمان وممثلين حقيقين لشعب ناهز تعداد سكانه أكثر من 35 مليون نسمة , ولو كان فيه قضاء عادل مستقل , ومؤسسة عسكرية حقيقية , ورئيس وقائد عام للقوات المسلحة وطني من أب وأم عراقيين , لكان جميع من شارك بتسليم محافظة نينوى ثاني أكبر محافظة في العراق , تبعها تسليم ثلاث محافظات أخرى في المنطقة الغربية والشرقية , حتى أصبح أكثر من نصف مساحة العراق تحت هيمنة وسيطرة عصابة ضالة مكونة من مئات العناصر الإجرامية وليس الآلاف بوقت قياسي , لكانوا جميعهم قد علقوا على أعواد المشانق بما فيهم القائد العام للقوات المسلحة آنذاك المدعو نوري كامل المالكي , وزج المتخاذلين منهم في السجون .
والذين سمحوا لهذه العصابة بوقت قياسي أن تستبيح أجزاء واسعة من العراق .. وأن ما يسمى بتنظيم الدولة استطاع خلال أيام معدودة بدعم وتسليح قوى إقليمية ودولية احكام سيطرتهم على هذه المناطق , بعد أن تركت لهم خمس فرق عسكرية عراقية كامل أسلحتها وعجلاتها ودباباتها والتي قدرت بأكثر من 27 مليار دولار ..!؟ قام هذا التنظيم وبشكل مقصود وتواطؤ مع أطراف بعينها على رأسها أمريكا وإيران وحتى روسيا والكيان الصهيوني ,بإرتكاب أبشع وأفظع الجرائم بحق شباب عراقيين عزل جندوا بشكل عشوائي وغوغائي جلبهم نوري وزمرته من المناطق المعدمة والأحياء الفقيرة من وسط وجنوب العراق خصيصاً لهذا الغرض ليقدموهم قرابين ووقود لهذه الحرب الطائفية المستعرة منذ بداية الاحتلالين , بعد أن تركهم قادتهم وآمريهم العسكريين الكبار وهربوا بالدشاديش إلى أربيل بالسمتيات , ليلقوا هؤلاء التعساء حتفهم ذبحاً وقتلاً ودهساً وغرقاً وحرقاً بشكل وحشي لم يشهد له تاريخ الحروب مثيل , واستطاعوا … أي قادة التنظيم الجديد الذين كانوا يقبعون قبل ذلك في سجون العراق وسوريا وتم فتح السجون وتسهيل هروبهم أو بالأحرى تم اطلاق سراحهم أيضاً لهذا الغرض وهذا الهدف .. , وتم أيضاً إغراء وتجنيد وتجييش عدد كبير من الشباب من المكون العربي السني في صفوفهم , بعد أن رفعوا شعار تحرير العراق من الاحتلالين الأمريكي والإيراني ..!؟, وبأنهم جاءوا ليخلصوهم من ظلم وقمع حكم واستبداد الروافض ؟؟؟, وهنالك الكثير منهم من تم تجنيدهم بالاكراه , بعد أن أوهموا سكان هذه المناطق , وأوهموا العالم بأسره بأنهم سيشكلون نواة ما يسمى بــ ” دولة الخلافة الإسلامية ” أي ( داعش ) اختصاراً لأسم دولتي العراق والشام .
عامين ونصف تقريباً مضى على احتلال نصف مساحة العراق , وباسم الحرب على هذا التنظيم المجرم , اصدرت المرجعية في النجف فتوى الجهاد الكفائي , وتم تجنيد مئات الآلاف من أبناء هذا الشعب المنكوب الذي كتبت عليه الحروب والاقتتال على ما يبدوا منذ آلاف السنين , قتل داعش وفرق الموت الإيرانية التي تنتظرهم في الخطوط الخلفية منهم الآلاف ليس فقط في العراق بل حتى في سوريا , من أجل زيادة وتعميق الهوة والحقد والكراهية بين الشيعة والسنة والمسلمين والمسيحيين والعرب والكرد والتركمان , ناهيك عن ارتكاب جرائم مشابهة أو تفوق على جرائم داعش من قتل وحرق ودفن الناس أحياء في ما يسمى المناطق المحررة كما حدث في الصقلاوية وعامرية الفلوجة والحويجة وجرف الصخر وغيرها ؟, والتي لم يستطيع أحد من سكانها العودة إليها حتى يومنا هذا , بعد أن أصبحت مناطق مدمرة ومنكوبة بشكل يفوق الخيال , وبعد أن تم حرق وتدمير أربع محافظات بنواحيها وأقضيتها وقراها وقصباتها وتهجير سكانه الذين وصلت أعدادهم إلى أكثر من خمسة ملايين مرشح أن يصلوا إلى سبعة ملايين مع نهاية هذا العام , بالإضافة لهدر وحرق وتبديد عشرات إن لم نقل مئات المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة وتمويل المليشيات والحشد والقادة والخبراء الإيرانيون وغيرهم من القادة والمدربين من مختلف دول العالم على رأسها أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وكندا والدانمارك … ألخ , وتم تشكيل حف مكون من أكثر من 67 دولة , وكأن العالم يخوض غمار حرب عالمية ثالثة ليس لها أول وليس لها آخر .
الموصل اليوم أصبحت كالطائرة المخطوفة , أهلها أو سكانها الأصليين الذين يقدر عددهم حوالي مليون ونصف الآن بعد أن كان يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين قبل دخول داعش في شهر حزيران من عام 2014 , باتوا رهائن بيد قادة هذا التنظيم ودروع بشرية يحتمون بهم , أي أنهم واقعين بين المطرقة والسندان , بين القصف الأمريكي والعراقي ودول التحالف التي أرسلت طياريها ومدربيها يتدربون ويجربون مهاراتهم وأسلحتهم في العراق ويتقاضون مقابل ذلك رواتب وامتيازات تفوق التصور من أموال العراق المنهوبة والمستباحة أصلاً . هذا بالإضافة للسباق المحموم بين فصائل الحشد والمليشيات الإيرانية والبيشمركة وحتى الأتراك للمشاركة بتحرير آخر معاقل هذا التنظيم في مدينة الموصل وضواحيها الخالية أصلاً من وجود عناصره , وهاهم الأكراد يسجلون نصراً مزعوماً على هذا التنظيم بعد أن ادعوا أنهم حرروا 200 قرية منه خلال ساعات ؟, في حين يعلم القاصي والداني بأن التنظيم لا يتمسك بالأرض ويتركها بسرعة البرق وينكفأ إلى الداخل أو يهرب , بل وتترك له ممرات للخروج من المناطق التي احتلها خلال عامين , كما حصل في الرمادي والفلوجة وبيجي وغيرها , والآن تشير آخر الأخبار بأن الجهة الغربية من مدينة الموصل تركت كممرات مفتوحة لخروج داعش باتجاه صحراء الأنبار لتكون وجهتهم سوريا كي ينتقلوا إلى الرقة والحسكة وغيرها أي سيعودون من حيث أتوا ليسدل الستار خلفه , لتبدأ معركة جديدة لترتيب أوراق وتوطين العرب السنة في هذه المناطق التي احتلها داعش وسيطرت عليها إيرا ومليشياتها بموافقة ومباركة أمريكية غربية روسية !؟.
لو صدقت نوايا أمريكا وصنيعتها في المنطقة الخضراء وتم تقليم أظافر إيران في العراق لأستطاع أهل الموصل الغيارى لو ترك لهم الأمر والقرار وتم فقط تزويدهم بالسلاح والعتاد وحتى بدون إسناد جوي لاستطاعوا القضاء على هذا التنظيم خلال أيام معدودة وليس أشهر أو سنوات , بالضبط كما استطاعوا أهالي الأنبار القضاء على تنظيم القاعدة عامي 2007 و2008 , لكن الأجندة الأمريكية والإيرانية والروسية لا تسمح بذلك , ولهذا تركيا تعارض هذا المشروع لأنها تعرف وتعلم علم اليقين بأن الهدف ليس تحرير الموصل من داعش بل تغير التركيبة السكانية فيها وتدمير وحرق معالم المدينة وتهجير سكانها الأصليين كما حصل في المناطق الأخرى كما أشرنا , ولهذا ترافق هذه التصريحات والتهديدات شعارات طائفية وتهديد ووعيد من قبل قادة وأمراء المليشيات المنضوية تحت قيادة جنرالات إيران كقاسم سليماني , وتشارك إيران بموافقة ومباركة أمريكية بكل قواتها وعدتها ودباباتها وصواريخها الحرارية وصواريخ شهاب , وهذا ليس تدخل في الشأن العراقي ؟, ويطلق قيس الخزعلي ومن لف لفه بأنهم قادمون للأخذ والاقتصاص من قتلة الإمام الحسين …. ؟
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه كيف يسمح لهؤلاء الذين سلموا الموصل وغيرها خلال ساعتين لنفر ضال مكون من عشرات الأشخاص يستقلون سيارات دفع رباعي وبيكبات , أن يساهموا في ما يسمى معركة تحرير الموصل واستعادتها منه بعد خراب ودمار العراق وقتل وتهجير خيرة شبابه وتدمير بناه التحتية والفوقية ونهب وتدمير آثاره وحضارته وإعادته مئات السنين إلى الوراء بحجة وفرية وإكذوبة الحرب على هذا التنظيم الذي اعد في أروقة ودهاليز وسراديب ولاية الفقية والمخابرات الروسية والأمريكية والصهيونية , ليعلنوا هذه الحرب المدمرة على دول بعينها باسمه بدأت في سوريا وانتقلت إلى العراق ومن ثم إلى ليبيا ومصر وستنتقل لا محالة إلى دول بعينهه قريباً …. !؟