اجواء منطقة \ الانظمة العربية ، الجماهير العربية .. بعد عدوان 1991
لم يكن تاريخ السابع عشر من كانون الثاني من عام 1991 ، بداية العدوان الامريكي ــ الغربي على العراق ، كما ان تاريخ الثامن والعشرين من شباط لم يكن نهايتها . فهذا الحدث المفصلي الكبير الذي مر على منطقتنا العربية ، اظهر تكثيفاً شديداً للصراع بين الجماهير العربية واعدائها . وظهر هذا الصراع المحتدم في كل جوانب الحياة العربية ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية .
ففي هذه الازمة ، افصح اكثر من خبير استراتيجي امريكي ، بأن حرب الولايات المتحدة للسيطرة على منابع النفط والمنطقة برمتها ، قد شكلت على الدوام مفصلاً اساسياً في استراتيجيات الادارات الامريكية المتعاقبة التي سبقت ادارة الرئيس جورج بوش الاب التي تمكنت دون سواها من تحقيق هذه النقلة شديدة الخطورة بفعل توفر عوامل اقليمية ودولية مواتية .
ومع استمرار توفر الظروف المناسبة ، ظلت ادارة بوش الاب تعمل دون كلل لاستكمال ما حققته على جبهة الخليج العربي من خلال متابعة عدوانها على العراق الذي اتخذ شكل استمرار الحصار والتجويع وتدمير امكاناته العلمية والعسكرية والاقتصادية وتخريب نسيجه الاجتماعي بشتى الاساليب والوسائل .
كما ان ذات الظروف قد وفرت للادارة الامريكية احداث نقلات اخرى في حربها لتركيع الامة العربية لضرب مقومات تحررها واستقلالها وامكانات نهوضها من جديد ، وتصفية الصراع العربي / الفلسطيني ــ الاسرائيلي المزمن . هذا من ناحية . ومن الناحية الاخرى ، متابعة التحرك لأكمال سيطرتها على نفط العرب ، مما يؤهلها لأن تتحكم في امداد العالم بالطاقة الى حين .
وفي هذا السياق ، تندرج العدوانات الامريكية ضد العراق الذي سبق وتعرض لعدوان مباشر من قبلها (1991) ولازال يتعرض لعدوانات صاخبة ، تغيب وتظهر ثانية كالحمى ، ولا ينقصها الا قرار جديد صريح بالتحضير لعدوان عسكري آخر مباشر وواسع (تم 2003) يستهدف اخضاعه نهائياً ان هو لم يفعل بوسائل التهديد والابتزاز العادية .
فالعراق بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية ، هدفاً مطلوب اصطياده وادخاله في المجال الحيوي للمصالح الامريكية بعد انتزاعه من مدار توجهه القومي والاسلامي .
بعد عدوان 1991 ، على العراق عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في الخليج العربي وفرضت على دوله نظام المحميات من جديد ، حين ربطتها بأتفاقيات امنية وعسكرية طويلة الاجل ، واسقطت على نحو مريع فكرة اقامة نظام امني عربي واقليمي يراعي ترابط مصالح دول المنطقة ، وتداخل علاقاتها .. ووجهت ضربة في الصميم لعلاقات دول الخليج بمحيطها العربي والجيوسياسي الاقليمي ، مما افقدها القدرة على رسم سياسات مستقلة ، ناهيك عن انها لم تعد تشكل وكيلاً من اي مستوى .
ولادامة مصالحها لأطول فترة ممكنة ، كرست الادارة الامريكية النظم العشائرية والثيوقراطية وشجعت على تعزيز سلطة الاستبداد وقمع الحريات الفردية والعامة مما يفضح ادعاءاتها المتكررة بشأن حقوق الانسان والديمقراطية ، وبالتالي يكشف عن مكنون الشعارات التي تطرحها والتي لا تستند الى اي مبدأ سوى خدمة المصالح العليا للولايات المتحدة .
وفي الاطار الاوسع ، عمقت الولايات المتحدة علاقات التبعية التي تربط دول المنطقة بعجلة النظام الامبريالي العالمي ، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ، وراحت تراقب وتلاحق كل شاردة وواردة بهدف تطويع وكسر اي ممانعة يبديها هذا النظام العربي او ذاك . مما عمق ازمة النظام العربي الرسمي الذي اتخذ انهياره آبان حرب الخليج الثانية 1991 ، وبعدها ، اشكالاً اكثر وضوحاً ودرامية .
وهكذا تبخرت الوعود بشأن امكانية اعادة توزيع الثروة العربية ( مشروع صدام حسين ) ، فلم تعد تلك الامكانية قائمة او ممكنة بعد ان جرى تداولها في الاشهر الاولى لازمة الخليج كضرورة قومية تستلزمها رسم استراتيجية عربية جديدة تستهدف معالجة بعض مسببات العدوان / الحرب والنهوض بالتنمية في الاقطار العربية الاكثر فقراً ، الامر الذي ساهم حينها في توليف تحالف عربي شكل غطاءاً للعدوان الامريكي .
وامعاناً في تقطيع اوصال الامة العربية زيادة على ما هي عليه ، دأبت الولايات المتحدة على منع اي محاولة لأقامة تنسيق او تعاون بين الاقطار العربية او بعضها ، سواء بشأن موضوعات الصراع العربي ــ الاسرائيلي او في ميادين اخرى دون ان تسلم مؤسسة الجامعة العربية التي انتقلت الى القاهرة في اوج ازمة الخليج من محاولات ابطال دورها الجمعي او تبهيته الى ابعد حد وبالتالي افراغها من مضمونها وتحويلها الى منبر لا يصلح الا لأصدار البيانات .
وقد تركت مثل هذه التطورات اثرها بأتجاه تنمية السياسات القطرية وما ينتج عنها من تفشي سيكولوجية استعلائية من قبل شعوب الدول الغنية تجاه الفقيرة لتحل محل النظرة القومية التي تربط على نحو مقبول بين المصالح القطرية والمصالح الجمعية للامة العربية كلها .
فعلى صعيد الصراع العربي ــ الاسرائيلي ، كانت الانتفاضة ومنظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأسره وقضيته العادلة ، اول الضحايا ، واكثر الخاسرين ، متكئة على انتصارها الذي حققته ضد العراق والامة العربية من ناحية ، وانهيار النظام العربي الرسمي الذي خارت قواه الى حد لا يوصف ، مما استعجل الادارة الامريكية الى استثمار مثل هذا الوضع لفرض تصورها الملتوي لتصفية الصراع العربي ــ الاسرائيلي بما فيه القضية الفلسطينية ، فراحت تضغط على الاقطار العربية وفق المسارات المحددة التالية :-
اولاً ــ فصل القضية الفلسطينية عن القضايا العربية المتعلقة بالصراع ذاته ، والاستفراد بكل حلقة على حدة واستخدامها تراتبية معينة تخدم في النهاية كما في البداية ، استراتيجية عزل حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته عن المحيط العربي .
ثانيا ــ اجبار الاقطار العربية على قبول بمسارين غير مترابطين يناقش الاول القضايا السياسية (مباحثات واشنطن) ، ويناقش الثاني الذي يفترض ان تحضره كافة الاقطار العربية وعدد من القوى الاقليمية والدولية ، القضايا الحيوية الاخرى المتعلقة بتطبيع علاقات اسرائيل مع محيطها وصولاً الى اندماجها فيه .
ثالثاً ــ على الصعيد الفلسطيني ، جرى تجزئة قضيته وتفتيتها بين داخل وخارج . فيناقش موضوع الداخل ضمن المسار الاول ، في حين يترك الخارج لبحثه في اطار المسار الثاني ، كقضية منفصلة ، باعتبارها قضية لاجئين .
لقد بينت الاحداث بعد حرب الخليج الثانية ، ان الولايات المتحدة ليست في وارد ممارسة اي ضغط على اسرائيل تجبرها على قبول ما لا تريد ان تقبله ، فتكون فكرة الارض مقابل السلام التي طرحها الرئيس الامريكي بوش الاب كأساس للحل ، ليس سوى طعم ( اثبتت الايام التالية لعدوان 91 صحته ) لاستدراج العرب الى ميدان المفاوضات الثنائية مع اسرائيل وتقديم كل ما يخدم عدوانيتها وسياساتها وفرض الامر الواقع وصولاً الى توقيع اتفاقيات سلام لا تقدم فيها اسرائيل الا وعوداً كاذبة .
ففي عدوان 91 ، وفي سياق هذا العدوان وما بعده .. سعت الولايات المتحدة الى اعادة التأكيد على ان اسرائيل هي القوة الاولى التي يجب ان تبقى متميزة وقادرة في هذه المنطقة وليس مسموحاً لقوة اخرى ان توازيها كي تظل مهما كانت المستجدات وحجمها في المنطقة والعالم ، الركيزة الامبريالية الاولى والاقوى في نظام الاستغلال الاستعماري لهذه المنطقة وشعوبها وثرواتها.
فقد وصل الهجوم الامريكي الى فرض مؤتمر السلام كمدخل للنظام الاقليمي الذي تعمل الولايات المتحدة على تحقيقه في منطقته العربية . وجوهر هذا النظام يتمثل في تعميم كامب ديفيد منهجاً ونتائج . وقد عبر كامب ديفيد في حينه عن اعلان العجز الساداتي من الاستمرار في معركة المواجهة مع اسرائيل والامبريالية الامريكية والدفاع عن الاهداف والمصالح العربية ، وكذلك التسليم بأن اوراق الحل والربط في هذه المنطقة بحوزة اليد الامريكية التي تحمي وتظلل اسرائيل في فلسطين ، وطالما انه لا قبل لنا نحن العرب بمحاربة امريكا ، فلا يبقى امامنا الا التكيف مع سياساتها في المنطقة ، واستطراداً ، المصالحة مع اسرائيل التي تتولاه بالرعاية والامان .
ولا يخفى على احد ، ان هذا المنهج ونتائجه يحقق مصالح الامبريالية الامريكية ويقود الى التسليم بأن هذه المنطقة تمثل منطقة مصالح حيوية لها يجب على المنطقة ان تسلم بأستحقاق هذه المصالح وتستجيب لها . كما يحقق المصالح الطبقية الانانية والضيقة لفئات اجتماعية في الاقطار العربية التي ترى ان مصالحها يمكن ان تتحقق بوكالتها للمصالح الاستعمارية والامريكية خصوصاً ، وبالمصالحة والتطبيع بينهما وبين رأس المال الاسرائيلي ، الامر الذي يتطلب المصالحة وتطبيع العلاقات مع اسرائيل .
وعلى صعيد حركة الجماهير العربية ، فقد شكل عدوان 91 ، منعطفاً تاريخياً كبيراً وحاسماً لم تستطيع هذه الحركة ان توفيه استحقاقاته .. حيث جاءت بعد مدة وجيزة من 1991 ، من الارتباك احياناً والتراجع احياناً اخرى ، لكي تكشف حجم الازمة التي تعانيها وتعيشها هذه الحركة بمختلف اطرافها .
فهي بعد عدوان 91 ، شهدت تعميقاً لازمتها ، وانكشاف عجزها عن تحريك اي ساكن يذكر ، رغم ان الظروف كانت مواتية ( لاسيما بعد صعود المد الاسلامي .. ) كي تطرح فصائل واطراف تلك الحركة برنامجاً بديلاً لبرامج وسياسات النظام العربي الرسمي .
تاريخياً ، كي نفهم جذور ازمة حركة الجماهير العربية ، اظهرت خمسة احداث كبرى مرت على منطقتنا العربية منذ بداية عقد الثمانينيات وحتى اليوم ، مدى عمق واتساع وشمولية ازمة حركة الجماهير العربية ، بعضها لازال يتولى فصولاً وبعضها الآخر سيتوقف على نتيجة الصراع فيه مستقبل هذه المنطقة وشعوبها لسنوات طويلة قادمة …
اول هذه الاحداث ــ العدوان الايراني على العراق في ايلول 1980 .
والثاني ــ الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 .
وثالثهما ــ انطلاقة الانتفاضة الباسلة في فلسطين المحتلة في كانون الاول 1987 ، واستمرارها منذ ذلك التاريخ حتى الآن .
ورابعهما ــ ازمة الخليج والعدوان الامريكي / الغربي على العراق 91 ، واستمرار فرض الحصار عليه منذ توقف العمليات العسكرية .
وخامسهما ــ ما يسمى بمؤتمر السلام الذي بدأت اعماله مباشرة بعد انتهاء حرب 91 في مدريد .
هذه الاحداث الخمسة شكلت منعطفات كبرى وحاسمة لم تستطع حركة الجماهير العربية ان توفي استحقاقاتها . فقد اظهر كل حدث بما استوجبه من مهمات واستحقاقات هذا العجز من زاويته وبالمفاعيل التي كان يتطلبها . فالعدوان الايراني ضد العراق ، والاجتياح الاسرائيلي للبنان الذي يشكل عدوانهم قاسم مشترك في النوايا والاهداف ، اظهر عجز اطراف حركة الجماهير العربية الرسمية والشعبية في تقديم العون والاسناد المطلوبين لجماهير الشعبين العراقي واللبناني وحتى الفلسطيني المقيم في لبنان ، ومقاومتهما الباسلة ، رغم الصمود الاسطوري لهذين الشعبين الذي اوقف جيشين من اعتى الجيوش في المنطقة .
وفي الوقت الذي دخلت فيه انتفاضة الشعب الفلسطيني ( وقتئذ ) عامها الثامن ، وفي حين اعطت جماهيرنا في فلسطين المحتلة مثالاً ملموساً على قدرة الجماهير وطاقاتها غير المحدودة واستعدادها العظيم للعطاء والتضحية من خلال قدرة الحجر وصدور المناضلين على مجابهة آلة الحرب الاسرائيلية التي لا تقهر ، وفتحت الباب واسعاً امام التأسيس الجدي والملموس لنهوض شامل في اوضاع حركة الجماهير العربية ، لاتزال هذه الحركة / الانتفاضة وبعد مرور كذا اعوام ، قاصرة عن الامساك بهذه الحلقة وتحويلها الى نموذج وعطاء يمتد لساحات عربية اخرى ليعود وينعكس على المواجهة الشاملة مع الامبريالية ودوائرها في منطقتنا .
في ازمة الخليج 91 ، لم نشهد عجز حركة الجماهير العربية الوطنية فحسب ولكننا عشنا حالة من الانقسام المحزن في صفوف هذه الحركة ، ففيما وقفت فيه بعض الاطراف في خندق المواجهة ضد العدوان الامريكي ، وقفت اطراف اخرى في مواقع المساندة لهذا العدوان .
لقد كان الارتباك واضحاً ولم تستطع اطراف عديدة من اطراف هذه الحركة ان تلتقط ما هو جوهري في هذه المعركة ، فحولت ما هو ثانوي الى رئيسي واختلطت الالوان .. وكان هذا الاختلاط في محصلته النهائية لصالح الغزوة الامريكية التي حسمت دوائرها كل اجتهاد في المقدمات وفي مسار المواجهة بشكل عام عندما خاطبت اكثر من جهة عربية رسمية وغير رسمية بوضوح شديد معلنة الهزيمة التي الحقتها القوات الامريكية وحلفائها بالعراق . لم تكن هزيمة للعراق وحده وانما هزيمة للامة العربية بكاملها ، بغض النظر عن الموقع الذي اتخذه هذا الطرف او ذاك في مجرى المعركة وسياقها العام .
ومن اجل استمرار هذه الهزيمة ، فرضت الدوائر الامريكية على هذا الواقع العربي ، الاذعان للارادة الامريكية ، وهو مانجد تعبيره بوضوح في هذا المسعى الامريكي الجاد لتحقيق تسوية سياسية عبر مؤتمرها الاقليمي للسلام وانهيار اطراف كانت حتى لوقت قريب ( اي قبل واثناء حرب 91 ) في مواقع الصدام مع الولايات المتحدة ومشاريعها التصفوية ومحاولاتها فرض الاستسلام على شعوب هذه المنطقة .
ان تسليم هذه الاطراف او بعضها بالمحاولات الامريكية ومشاركتها في مسيرة التسوية التي بدأت في مؤتمر مدريد ، يؤشر منحى خطيراً بدأت تدخله حركة الجماهير الوطنية العربية ، يتجاوز مكونات الازمة التي عاشتها في سنوات سابقة بمظهرها الرئيس الذي يؤشر ايضاً عجز هذه الحركة عن التقدم وتحقيق انجازات لصالح الجماهير .
وقد دخلت هذه الحركة في مسار جديد يهدد بتبديد ما سبق ان راكمته وحققته من انجازات .. فالموافقة الرسمية الشاملة للاطراف العربية المعنية مباشرة بالتسوية وامتداد هذه الموافقة الى غالبية الاقطار العربية الاخرى.. ومشاركة هذه الغالبية سواء بالاصالة او بالوكالة في اجتماعات السلام وعدم نهوض معارضة ومقاومة جماهيرية ملموسة لهذا المسار ، يكشف الى اي مدى ضعفت حركة الجماهير وباتت متخلفة عن النهوض بواجباتها في الدفاع عن مصالحها واهدافها القومية .
فقد تميزت العلاقات بين اطراف وفصائل حركة الجماهير العربية بالانقسام والتمزق والضعف وعدم الثقة الناتجة عن القصور الذاتي وروح المحافظة وعدم القدرة على التكيف مع المستجدات الدولية والعربية والقطرية من ناحية ، والناتجة ايضاً عن انقسامها في الموقف من العدوان الامريكي على العراق ، واخيراً اختلال توازنها الفكري والسياسي والتنظيمي بتأثير الانهيارات الكبرى المتسارعة التي وقعت على جبهة المنظومة الاشتراكية سابقاً وانتهت بتفكك الاتحاد السوفييتي وغيابه كلية عن المسرح الجيوسياسي الدولي .
كما لابد من القول :- ان التطورات العاصفة التي حدثت على الصعيد العالمي وانعكاساتها المباشرة على قضايا امتنا العربية وعلى واقع ومستقبل هذه المنطقة من العالم ، تتطلب حيوية وابداع حركة الجماهير العربية على كل الاصعدة حتى لا يتقرر مصير هذه المنطقة في غياب جماهيرها وقواها المناضلة ، وحتى تستطيع تحمل واجبها في الدفاع عن مصالح شعوبها اولاً وتكون جزءاً من نضال الانسانية وسعيها نحو العدالة والمساواة والتقدم في فترة تنطلق فيها الاوساط الحاكمة في الولايات المتحدة بكل قوة واستعجال لكي تفرض نفسها كقوة اولى مسيطرة على الصعيد الكوني .
صحيح ان مقاليد الامور العالمية وليس الاقليمية فقط هي اليوم بيد الادارة الامريكية اكثر من اي يوم مضى، لكن الصحيح ايضاً ان مصائر الشعوب لم تفلت نهائياً من ايدي اصحابها وهي بالتأكيد لن تفلت حتى لو جعلت الولايات المتحدة العالم وحيد القطب .
تلك هي الصورة التي بلغتها المنطقة العربية وحركة جماهيرها بعد عدوان 91 ، تلك المواجهة \ العدوان التي اطلق عليها اسم ( ام المعارك ) ، شكلت المحرك الاساسي الذي عجل في انضاج هذه الحالة البائسة التي تراكمت ملامحها على مدى السنين الاخيرة التي اعقبت عدوان 91 .
ولعل من اهم الدروس التي قدمتها تلك ( ام المعارك\ عاصفة الصحراء ) وما تلاها .. ذلك الذي يتعلق بضرورة الانشداد الى التناقض الرئيسي ، اي اسرائيل والابتعاد عن تقديم التناقضات الثانوية عليه ، بأعتبار ان الصراع العربي ــ الاسرائيلي كان وما يزال وسيظل النقطة التي تتقاطع عندها كل اهداف الامة العربية في التحرر والديمقراطية والتقدم الاجتماعي . واذا كانت التحديات التي تجابه الامة العربية كبيرة وكثيرة ، فأن مثل هذه التحديات يفترض ان تشكل الارضية المناسبة لنشؤ نقيضها، المقاومة .
وهكذا ، فأننا اذا وضعنا ازمة الخليج والحرب / العدوان التي انتهت اليها بنتائجها السلبية والايجابية في ميزان الربح والخسارة ، فليس بوسعنا الا الاعتراف بأن تلك الحرب / العدوان قد شكلت هزيمة كبرى للامة العربية رغم ما فيها من صفحات مشرفة ، خاصة ، وان موعد ولادة البديل الثوري الشامل قد تأخر وربما يكون من الصعب التكهن بظهوره قريباً .
لكن من المؤسف القول :- ان ما باليد لا يتجاوز اوراق قليلة على اهميتها ، وبتحديد اكثر ، فأن الانتفاضة الفلسطينية اولاً وحركات الجماهير الوطنية العربية في اقطارها ثانياً وما يفرضه الواقع من اعادة الاعتبار للعلاقة بين القوى الديمقراطية في القطر الواحد وعلاقتها بمثيلاتها في الاقطار العربية الاخرى ثالثاً .. كل منها تتحمل اعباء تاريخية في شق مجرى النهوض الثوري العربي العارم الذي ( ربما ) سيقدم البديل الثوري المقاوم ولو بعد حين .
كما ان المصالح والاهداف الامبريالية في منطقتنا ووجود اسرائيل بعدوانيتها وحقيقتها التوسعية ، وشراسة القوى والطبقات الرجعية العربية وحجم ثرواتها وتخلف اشكال ووسائل استغلالها لصالح الشعب العربي ، يجعل من المقاومة احد اساليب الكفاح التي لا يمكن اسقاطها بل يجعله طريقاً اجبارياً لتحقيق الانتصار في بعض معاركنا على هذا الصعيد .
ولاشك في ان ادراك هذه الحقيقة يشكل شرطاً ضرورياً وحاسماً للانتصار النهائي في انجاز مهمات هذه المرحلة وتحقيق اهداف امتنا العربية في التحرر والتقدم والوحدة .