منذ ألاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 والى يومنا الحاضر ، اصبح نظام الحكم في العراق مجرد اقطاعيات ميليشياوية فاسدة ، بددت وسرقت مليارات الدولارات من ميزانيات الدولة ، اضافة الى اتاوات الاحزاب ومكاتبها الاقتصادية في ابتزاز المواطنين والاستحواذ على الموارد الحدودية اضافة الى النفط السائب دون رقيب . ولم نشهد اي منجز لصالح الطبقات الفقيرة والمعدومة من الشعب العراقي حتى اصبح اكثر من 40% من السكان دون خط الفقر في بعض المناطق . بل تم تخريب الصناعة والزراعة والتعليم ، وانعدمت الخدمات العامة من ماء وكهرباء في كثير من المناطق ، ناهيك عن المتطلبات الصحية والاساسية .
حتى وصل الشعب إلى مستوى من الظلم لم يعد بإلامكان تحمله.
وفي خضم هذا الظلم والخراب اضافة الى الفقر والقهر ، ظهر جيل جديد من الشباب المؤمن بالوطن وبعدالة قضيته واستحقاقه من الثروة التي يزخر بها البلد . فخرجت طليعة من الشعب بانتفاضة عارمة لم تطالب بالخدمات الاساسية فقط بل طالبت بوطن حر مستقل ، واسقاط نظام الحكم الفاسد .
فاندفع الشباب في الاول من تشرين / اكتوبر 2019 في انتفاضة عظيمة اجتاحت المدن في جنوب العراق ووسطه اضافة الى العاصمة بغداد ، حيث اصبحت ساحة التحرير والمطعم التركي رمزا وطنيا لانتفاضة شعب ثار على من خدعوه من احزاب وميليشيات عميلة حكمت تحت غطاء الديموقراطية المشبوهة والانتخابات المزورة وبشعارات دينية زائفة .
واستمرت هذه الاحتجاجات العفوية لاشهر عديدة رغم جرائم السلطة ومحاولاتها اليائسة لقمع الانتفاضة . فاعطى الشباب الثائر خلال الايام الثلاث الأولى من الانتفاضة اكثر من سبعين شهيدا ، ثم استمرت حكومة عادل عبد المهدي ومن ورائها الاحزاب الفاسدة العميلة في استخدام العنف المفرط حتى بلغ عدد الشهداء والمغيبين اكثر من الف شاب في عمر الزهور . وعدد الجرحى والمعوقين اكثر من 30 الف . واستمرت اغتيالات الناشطين والناشطات حتى بعد توقف الانتفاضة نتيجة جائحة كورونا . . كما تم اغتيال العديد من المثقفين المساندين للانتفاضة .
ولم يتحرك العالم (الحر) لوقف هذه المجازر المستمرة لاسكات الناشطين ، والنخب الوطنية العراقية . كما لم تتحرك امريكا وحلفائها الا بعد ضرب السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء .
ويبدو ان الامريكان قد امتعضوا لان من جلبتهم الى السلطة من الرعاع والفاسدين قد آثروا الاستحواذ على موارد البلد مع كبيرهم القابع في طهران وزمرته .
هكذا انتفض الشعب العراقي في الشوارع والساحات العامة وكانت ثورة شعبية رائعة هزت كراسي الفاسدين واسقطت رئيس وزراءهم خادم الاجنبي . واجبرت الاحزاب وميليشياتها العميلة لاستبدال مفوضية الانتخابات ، والاقرار بمطالب الشعب في انتخابات مبكرة تقوم على الدوائر الانتخابية المتعددة للخلاص من هيمنة الأحزاب الفاسدة العميلة .
والاكثر من هذا وذاك ان الانتفاضة التشرينية الباسلة قضت على الطائفية وكسرت حاجز الخوف عند الجميع ، بعد عودة الوعي الوطني العراقي ، فأصبح المد الشعبي قويا ، ويتقوى يوما بعد يوم نتيجة رفده باجيال جديدة تتطلع الى فجر عراق جديد ومستبقل زاهر .
إن المتظاهرين السلميين مقتنعون تماما بأن استمرارية الانتفاضة وتصعيدها هو الخيار الاوحد للانتصار الناجز على السياسيين الذين جاءوا على الدبابات الامريكية واصبحوا دمى بايدي حكام طهران .
ان انتفاضة أكتوبر المستمرة تمثل نقلة نوعية في تاريخ العراق الحديث ، وقد اعطت درسا في اساليب النضال والاحتجاج الجماهيري السلمي ، وفي حجم التضحيات الجسام التي قدمتها .
في الذكرى السنوية الاولى للانتفاضة ندرك جيدا ان ماتم تحقيقه لايمثل سوى مقدمات نحو تحقيق الاهداف السامية للشعب المنتفض ، وان التضحيات الجسام التي قدمت يجب ان تكافأ بمنجزات ثورية للتخلص نهائيا من الميليشيات المافيوية المتحكمة بمقدرات الناس ومستقبلهم .
ان تجديد الانتفاضة في عامها الثاني يتطلب تحشيد مزيد من الجماهير الغاضبة والارتقاء الى مستوى الاهداف والشعارات السامية التي خرجت الانتفاضة لاجلها ، وادامة زخم الاحتجاجات للخلاص نهائيا من الطغمة الحاكمة الجاهلة ، ومن يقف ورائها ، وتحقيق الاستقلال الناجز للعراق وطننا المبجل وبيتنا الذي يأوينا .