في لحظةٍ فارقة من عمر الإنسان، يقف الشاب أو الشابة على أعتاب الدراسة الجامعية، حائرًا بين دروبٍ كثيرة تُفضي إلى مصائر متباينة.
ولطالما كان سؤال التخصّص سؤالًا شخصيًّا بالدرجة الأولى:
هل أختار ما أحب؟
أم ما يُدرّ عليَّ دخلًا؟
أم ما يطلبه السوق؟
لكن ما كان سؤالًا بثلاثة أوجه، أضحى اليوم سؤالًا بأربعة، بعدما دخل الذكاء الاصطناعي طرفًا جديدًا في المعادلة.
هذا الوافد الرقمي، ليس مجرد تقنية تتسلّى بها النخبة، بل قوة قادرة على إعادة تشكيل أنماط الحياة، وطرق الكسب، وأساليب التفكير نفسها. مهنٌ بأكملها، كانت إلى وقتٍ قريب تشكّل الحلم الأكاديمي للكثيرين، بدأت تفقد بريقها وتتلاشى، لا لشيء سوى لأن الخوارزميات باتت تؤدي وظائفها بدقة وسرعة وبتكاليف أقل.
فما الذي ينبغي أن يفعله المقبل على الجامعة أمام هذا التحوّل الجذري؟ هل يترك الحلم جانبًا؟ هل يرضخ لمنطق السوق الزائل؟
الجواب لا يكمن في الخضوع، بل في الحكمة والاستعداد المبكر.
الحل الأذكى هو أن يختار الطالبُ تخصّصًا يحقق معادلة ثلاثية ذكية:
• أولًا: ما يحبّه، لأن الشغف هو الوقود الذي يصون النفس من الاحتراق وسط تحديات الطريق.
• ثانيًا: ما ينسجم مع ملامح المستقبل، لا ما هو رائج في سوق اليوم القابل للذبول.
• وثالثًا: ما يتطلب مهارات لا تستطيع الآلات تقليدها بسهولة، كالتفكير النقدي، والإبداع، والقيادة، والوعي الإنساني العميق.
الذكاء الاصطناعي ليس خصمًا لمن يُحسن استقباله، بل قد يكون فرصة ذهبية لاختبار الذات وتمييزها.
إنه لا يلغي الإنسان، بل يلغي من لا يطوّر إنسانيته.
فيا من تقفون على عتبة الجامعة: اختاروا تخصصكم وكأنكم تخطّون رسالتكم في هذا العالم، لا بوصفكم متلقين لما يُعرض، بل باعتباركم فاعلين في ما يُصنع.
الآلات تنفّذ، لكن الإنسان الحقيقي هو من يبتكر ويقود.