23 ديسمبر، 2024 2:01 م

الذكاء الإصطناعي.. تداعيات التطوير وضرورات الترشيد

الذكاء الإصطناعي.. تداعيات التطوير وضرورات الترشيد

لاشك أن العصرنة بثورتها التقنية والرقمية، والصناعية الراهنة، ورغم كل ما طرحته من إيجابيات ،قد أفرزت في ذات الوقت، تداعيات سلبية حادة ، في حياتنا المعاصرة، لعل من بين أهمها، الاستغراق التام في الشبكة العنكبوتية للإنترنت، والتمادي في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما ترتب على ذلك من عزلة اجتماعية مقيتة في واقعنا الحقيقي اليومي، ولاسيما بعد أن أضحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتوالى في الحياة اليومية، بشكل متسارع، ومتشعب ، وفي كافة المجالات ، وبصورة يصعب مواكبتها، واستيعابها، على النحو المطلوب.

وإذا كان الذكاء الاصطناعى،يعرف، باختصار شديد ، بأنه أحد فروع علوم الحاسبات المعنية بكيفية محاكاة الآلات لسلوك البشر، فهو إذن علم تصنيع أجهزة حاسوب ، وصياغة برامجيات قادرة على التفكير، بنفس الطريقة التى يعمل بها الدماغ البشرى . وبالتالي فأن تلك المكونات، ربما يمكنها، مع التمادي في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في المستقبل، أن تتصرف بكيفية مماثلة لتصرف الإنسان ، وقد تتعلم مثلما يتعلم، ومن ثم فإنه قد يكون بمقدورها، في مرحلة متقدمة من مراحل إنتاجها، أن تحاكي طريقة تفكير الإنسان بكفاءة تكاد تكون تامة، ومدهشة.

وإذا ما بات من الممكن أن تصبح مخرجات تقنية الذكاء الاصطناعي من الروبوت ( الإنسان الآلي) مبدعة للقيم يوما ما، فقد يصبح بإمكان الذكاء الاصطناعى ان يضارع الإنسان مستقبلاً، ويتلاعب بمشاعره، وخاصة فيما لو تطورت تلك النظم مع الزمن ، إلى نظم قادرة على تطوير معارفها بذاتها، ودون تدخل من المصنع، أو المبرمج .

وهنا يلوح شبح ضخامة حجم المخاطر، التي قد تحدق بالإنسان المعاصر، والتي قد تنتج عن سوء استخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي، الذي بات يبدو جلياً أنه في طريقه لأن يستوعب الكثير من الوظائف، التي كان ينظر لها في ما مضى، على أنها حكراً على الإنسان بشكل مطلق ، وخاصة إذا ما تمكنت تقنيات الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، من تطوير، وصناعة، مكونات فائقة الذكاء، بحيث تستطيع تحليل البيانات، ويكون بمقدورها اتخاذ القرارات في ضوء ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي قد يمكنه عندئذ، التخلي كلياً، عن مبرمجيه، ويستقل بقراراته بشكل تام، وكفاءة عالية .

وإزاء المخاوف، والشعور بمخاطر التمادي في تطوير ذكاء اصطناعي خارق ، يمتلك قدرة مستقلة، وما قد يترتب على مثل هذا الحال من تداعيات وخيمة على الإنسان في حينه، وفي عدة مجالات فإن الأمر بات يتطلب حسم موضوع المضي في تطوير الذكاء الاصطناعي، ليكون آمنا، بشكل تام، ونافعا، ولا يصيب الإنسان بسوء ، وذلك من خلال الشروع بوضع ضوابط، ومعايير محكمة ، للسيطرة عليه من كافة جوانبه.

ومن هنا يتطلب الإنتباه الجدي، إلى مفاعيل سلبيات تداعيات العصرنة المتسارعة بشكل عام ، وفي مقدمتها إشكالية الذكاء الاصطناعى، بشكل خاص ، والتي ستطال عواقبها كل جوانب حياتنا الراهنة ، من عزلة اجتماعية، وانغماس مقرف ، ومخاطر تستهدف الإنسان في ذاته، ومن دون إغفال حقيقة كون هيمنة الثورة الرقمية، والذكاء الاصطناعي ، قد أصبحت اليوم، سمة عصر، وثقافة واقع حال راهن، وبالتالي فإنه لامناص من التفاعل الخلاق، والتعايش البناء معها،والانتفاع من كل ماهو مفيد منها، ونبذ ماهو ضار، من دون تطير، أو تهيب، قد يجرنا إلى عزلة تزيد الحال إرباكا.

وإذا كان الإهتمام بتطوير الذكاء الاصطناعي ضروريا لمنفعة البشرية، فلا ريب أن العمل على تفادي سلبياته، وتجنب تداعياته، المحتملة أمر أكثر ضرورة ، وأشد إلحاحا . ولذلك بات من الضروري اعتماد آلية تنظيمية، وأخلاقية، تحكم آليات عمل الذكاء الاصطناعي ، وتحدد وظائفه، وتقيد نطاق مهامه، عند وضع تطبيقاته موضع الاستخدام العملي ،وذلك من خلال العمل على وضع معايير عامة،تضمن الحفاظ على حقوق البشر الأساسية، وعدم انتهاكها، في نفس الوقت الذي تشجع فيه المضي قدماً في مجال تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة تلك التي تصب في خدمة الإنسان، ورفاهيته .