الأنتاج الابداعي بكل اشكاله وتنوعه هو خارق للزمان ضمن واقع لغته الام اي اللغة الحرفية التي يكتب بها الشاعر قصيدته وموضوعه الخاص بها بتفاعله مع احداث مجتمعه وتناغمه معها ويتجاوز بها رؤيته المعاصرة وتصوره بمعى آخر هو قادر على حرق الأزمنه ومعايشتها من الآلي المتغير الى الدائم الثابت ومن المنقطع السائب الى المتصل المتأصل بروح وحياة افراد المجتمع المتفاعل بالابداع والمؤمن بديمومته …فلا يمكن ان يقال لما هو شعري تخيلي هو خارج الزمن فالخيال وحده هو الحقيقة الابداعية الخالصة المؤثرة والمتأثرة بمعضلات المجتمع ولهذا نرى ان اغلب الشعراء يلجاؤون الى طفولتهم الاولى وانعكاسات تأثيرها ودليلنا علم النفس والدراسات السيكولوجية للادب … وهنا تبدو لغة الشعر اكثر تأريخية وأعمق أثرا ورؤية للزمان فليس ثمة زمن معين للشعر فأذا كان واقعيا فانعكاسه خلال صدق مشاعره وتبنيه حلوله الحقيقية والموضوعية الآنية التي تفرض قراءته والتمعن فيه والتاريخ كما نعلم وكما يقال يعيد نفسه بصيغ جديدة وجماليته في تكرار الاحداث وتشابهها …اما اذا كان فلسفيا فحكمة الفلسفة ترصد قبولها وتناول مضامينها وايقاعها في كل زمان ومكان وكذلك نرى القصائد التأريخية في تناولها لاحداث عصرها وقبولها كقضية يمكن ان تكون درسا من دروس التاريخ وعبرة من عبره التي يمكن من خلالها تحفيز الاجيال لماتفرز من قيم وبطولات وتضحيات وما الى ذلك والزمن السايكولوجي للشعر أو سايكولوجية الزمن الشعري هي حالة واحدة تكون ايضا عابرة للزمان والدراسات السيكولوجية الحديثة للأداب عموما اكبر دليل على ذلك فالشعر يتغير من خلال قراءتنا له قراءة متغيرة شكلا ومضمونا لغة وموضوعا والدراسات المنصفة تاخذ موضوعيتها عندما تلتزم ابعادها في الزمان والمكان والروابط الاجتماعية وظروفها الموضوعية الاخرى فنحن مثلا لانقرأ المتنبي أو اي شاعر آخر من الشعراء قديما أو حديثا كما يقرؤها أهل زمانهم وما تلاهم من اجيال وبنفس الوقت لاننفي عالم هذا الشعروما تعرض من تغيير الزمن وتغيرنا نحن فلا ننفي عالمه ولا تأريخ ذاكرتنا الشعرية وخزينها المتراكم فالماضي عنصر اساس من عناصر التكوين الابداعي ومهم في كل قصيدة على مستوى التخييل واللغة والقيم الفكرية والاخلاقية بل والحدث المادي
ايضا فالزمن هو الحاضر كله …ودليلنا على ذلك نرى ان الشاعر يلجأ في التعبير عن تجربته الى الرموز الماضية ويحاكي اساطير المجتمع المؤثرة ويلجأ دائما الى الطفولة وهنا يبدو الشعر اكثر تأريخية ووعيا للزمان وأقرب للشعر من أي شيء آخر وهو((الشعر)) حين يتأمل التأريخ ويغرق به ليكتبه بوعي ورؤى اكثر ذاتية ورمزية وشمولية يؤكد ان الماضي أقدر على تقديم معنى الحاضرليمتد الى المستقبل
ان المجهود الذي نبذله في قراءتنا لقصائد كتبت قبل الف عام مثلا بحثا عن معنى او اي مضمون او اية قيم جمالية أو قبل ذك بكثير سيكون حتما للأجيال القادمة الجهد نفسه في القراءة والبحث والتمعن في المغزى ….تلك هي المفارقة التأريخية التي نرى خلالها صدى الماضي في تقديمه معنى للحاضر الذي يمتد بالتالي الى المستقبل ….وهو الخلود في الأبداع …..