الذئاب السياسية تلتهم قوت أطفال البترول

الذئاب السياسية تلتهم قوت أطفال البترول

في بلدانٍ ينام أهلها على بحار من الذهب الأسود، على رمال الفوسفات وجبال الذهب الأصفر من الكبريت، وتجري من تحتهم نهران. دجلة والفرات، ينام ويستفيق أطفالهم على سرير الجوع وآلام المرض والمستشفيات الخالية من الأدوية، وصوت المهاويل وتصفيق المنافقين للطبقات السياسية الفاسدة.
هنا تنبع المفارقات بحسرات القلوب وكأنها من أقدارنا التي كتبت علينا، لكنها ممزوجة بلحن التاريخ والجغرافيا. هنا ليس النفط نعمة، بل نقمة بكل ما تعني هذه الكلمة. نقمة حين تسمن الحيتان وتخنقنا الذئاب السياسية لتأكل كل اللحوم اللذيذة لهذه الثروات وتترك لنا العظام…
مازلنا نحن شعوب نلهث خلف أبسط مقومات ومتطلبات الحياة، ما زلنا نريد الكهرباء ونتمنى أن نشرب الماء النقي النظيف، ونحلم بوظيفة تصون لنا ما تبقى من الكرامة. فإلى متى ومتى؟
كان من المفترض أن تكون هذه الثروات الطبيعية النفطية أو المعادن الأخرى مصدرًا ثابتًا وبابًا من أبواب النهضة الصناعية، كما هو الحال في بعض الدول القليلة جدًا والنادرة التي اعتبرت أن هذه الموارد الطبيعية هي بداية انطلاق للأجيال الجديدة. ولكن مع الأسف الشديد، وفي أغلب الدول الأخرى، وفي مقدمتها دولنا العربية الغنية بالبترول والغنية بكل المعادن التي تحتاجها التكنولوجيا الحديثة، وبسبب الفساد المستشري لدى الطبقات الحاكمة، وايضا مهادنة الطبقات المتخلفة من المجتمع التي ما زالت تعيش على الجهل وعدم مراقبة الذات وموازنة العقل مع الضمير، فقد حولنا هذه الثروات إلى مصادر للصراع ومصادر للنهب، وأصبحت كل وارداتها وقودًا لتلك الماكينة اللعينة، ماكنة الفساد التي استشرت في كل مفاصل الدولة.
إن السياسي اليوم لا يُنظر إليه كخادم للشعب، وإنما كذئب بشري ينتظر فرصته للانقضاض على ما تبقى من هذه الخيرات التي وهبها الله لتكون عونًا وسندًا للمظلومين والمحرومين…
إن البترول الذي كان من الممكن أن نبني به المدارس ونوفر من وارداته العلاجات في المستشفيات والمراكز الصحية كافة، ونؤمن مستقبل أبنائنا والأجيال القادمة، إلا أننا وبفضل الطبقات السياسية التي تعمل في الخفاء أكثر من عملها في العلن، فقد تحولت هذه الثروات إلى حسابات سرية في مصارف سويسرا ودول الخارج من خلال صفقات مشبوهة يقودها أشخاص تعودوا على السباحة في الماء العكر. كل هذا نتج بسبب موازنات تضخمت فيها الأرقام بينما ازداد عدد الفقراء وازدادت أحزمة الجياع ضيقًا، وفي المقابل تجد أن الحكومات تتحدث بكل صلافة عن الإصلاح والعدل، ولكنها في حقيقتها لا تملك الجرأة على محاسبة هذه الذئاب التي انتمت إلى نفس القطيع، قطيع القلوب القاسية والذئاب الجائعة التي لا تشبع.
لقد وصل الأمر بنا أبعد من الفساد المالي، فقد وصلنا بايامنا هذه الى مراحل الفساد المعنوي، وهنا تكمن الخطورة الأكبر عندما تقنع المواطن بأن الفقر قدر وأن النفط لا يكفي للجميع، في وقت أن المسؤولين الفاسدين يتنقلون بطائراتهم الخاصة ويعيشون في قصور محصنة متكاملة بكل جوانب الرفاهية، بينما يُترك ذلك الأب الفلاح أو العامل الكادح يواجه لقمة العيش، وما زال أطفاله يدرسون أحيانًا في الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنهم. إنه ليس من العدالة أن نجد الأطفال اليوم في بلد البترول وهم يتسولون في التقاطعات، ونرى الفقراء يموتون على أبواب المستشفيات بلا دواء أو عناية صحية. وليس من المنطق أن تصدر الدولة يوميًا ملايين البراميل من البترول ولا تجد فيها ما يكفي لتأمين حياة حرة كريمة لهذا الشعب.
إلى متى أيها الذئاب السياسية تستمرون بهكذا تصرفات، تخدرون الشعب بالوعود وتخلقون الأزمات حتى تبقون فترة أطول وتقمعون الأصوات الحرة التي تنادي بالحق من خلال إعلامكم المضاد الذي يخلق الأكاذيب تلو الأكاذيب.
لكن اعلموا أيها الذئاب البشرية أن التاريخ لا يرحم، رغم أنني أؤمن بأنكم لا تعرفون من التاريخ شيئًا، وذلك بسبب قلة الوعي الذي تحملونه ولا تستطيعون الإفاقة منه. واعلموا أن أطفال البترول مهما طال بهم الزمن وخذلهم وأجاعهم سوف يكبرون وسوف يعرفون من سرق طفولتهم ومن باع مستقبلهم ومن حول وطنهم إلى مزرعة خاصة تملكونها أنتم وعوائلكم ومن حولكم من أقاربكم ومعارفكم. عندها لن تنفع أقنعتكم ولن يحمي نفوذكم أي قوة أو تحالف، لأن لكل بداية نهاية، ونهاية الظالم معروفة لدى الجميع.

أحدث المقالات

أحدث المقالات