كان إقليم كردستان دائما ملاذا آمنا للمعارضين العراقيين الهاربين من بطش الحكم في بغداد سواء كانوا سنّة أم شيعة، ولم يفرض على أحد منهم أي قيود أمنية أو سياسية ولم يجبرهم على إقامة معينة، بل بالعكس كان في منتهى اللطف والطيبة معهم، سمح لهم بحرية كاملة في التنقل والتحرك في أرجاء الإقليم مع توفير حماية آمنة لحياتهم.
حتى إن الكثير منهم كانوا يمارسون أنشطتهم السياسية بشكل طبيعي من خلال إصدار الصحف وعقد الندوات والمؤتمرات تنديدا بالنظام القمعي في بغداد، سواء ضد نظام «صدام حسين» الشوفيني أم ضد نظام «نوري المالكي» الطائفي في ظل إجراءات أمنية مكلفة في كثير من الأحيان دون أن يقابلها شيء.
هكذا هي طبيعة الأكراد السمحة مع الأعداء قبل الأصدقاء، فهم لا يغلقون أبوابهم بوجه غريب مهما كان جنسه أو قومه أو اتجاهه السياسي، ليس لأنهم ديمقراطيون يؤمنون بالمبادئ الديمقراطية ويحترمون حقوق الإنسان، بل لأنهم ولدوا هكذا، طبعهم يميل إلى العفو والتسامح، لا يحملون الضغينة لأحد، ربما يتذكر البعض حالة الفزع التي أصابت آلاف الجنود العراقيين الموجودين في الإقليم إبان انتفاضة مارس عام 1991 وعقب هزيمتهم المنكرة أمام قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عقب غزوهم الغاشم لدولة الكويت، حيث دمرت قواعدهم العسكرية تماما وانقطعت صلاتهم ببغداد، فهاموا على وجوههم في شوارع وأزقة المدن الكردستانية وهم في حالة يرثى لها.
في هذا الوقت العصيب نسي الأكراد الجرائم البربرية التي ارتكبها هذا الجيش بحقهم عندما قاموا بأكبر عملية إبادة جماعية في تاريخ المنطقة عندما قاموا بدفن 180 ألف إنسان كردي بريء في الأرض وهم أحياء عام 1988، ضمن حملات «الأنفال» السيئة الصيت، وكذلك نسوا قصف مدينتهم «حلبجة» بالقنابل الكيماوية، وسارعوا إلى مساعدتهم وإنقاذهم من الضياع والجوع والموت المحقق، وكان بمقدورهم الاقتصاص منهم والقضاء عليهم بسهولة، ولكنهم لم يفعلوا، مع أنهم كانوا يستحقون ذلك وفق عدالة الإسلام وقانونه السمح «العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم».
وظل إقليم كردستان مأوى للمعارضين العراقيين وقادتهم ويوفر لهم الحرية بكل أشكالها، وما زال، رغم أن معظم هؤلاء عندما عادوا إلى موطنهم واستلموا الحكم قابلوا الإحسان بالإساءة والمعروف بالجحود، وأظهروا موقفا غاية في السوء ضد الإقليم وشعبه، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة السابق «نوري المالكي» الذي أظهر عن طبيعة شريرة مجبولة على أذية الآخرين وإلحاق الأضرار بهم مثل طبيعة (الذئب) مهما تحاول معها ستبقى على حالها طبيعة عدوانية لا يمكن أن تتغير، هكذا جبلت عليه.
لم يستطع هذا الرجل أن يخفي حقده الأسود على الشعب الكردي طويلا، حيث خاض معهم صراعا مريرا وفرض عليهم حصارا جائرا ما زالوا يعانون تبعاته، فهو في ذلك فعل مثل ما فعل الذئب بتلك الأعرابية التي ربته ورعته منذ أن كان جروا مع شاتها الوحيدة التي كانت بمثابة أم له، وعندما كبر الجرو، وأصبح ذئبا كبيرا هجم على الشاة وأكلها، فحزنت الأعرابية، وأنشدت بحزن:
بقرتَ شويهتي وفجعتَ قلبي *** وأنت لشاتنا ولدٌ ربيب
غذيتَ بدرها وربيتَ فينا *** فمن أنباكَ أن أباكَ ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء *** فلا أدب يفيد ولا أديبُ
وهذا التوصيف يشمل الكثير من السياسيين الموجودين اليوم على سدة الحكم في بغداد، والذين قضوا شطرا من حياتهم في كردستان لاجئين! فهل نستغرب بعد ذلك ما يجري في العراق من كوارث ومصائب في ظل هؤلاء؟! وقد قيل قديما: «إذا عرف السبب بطل العجب!».