تتصدر دائرة التسجيل العقاري في الديوانية قائمة الدوائر الحكومية الأكثر فساداً، وهي التي تتعامل بمئات الملايين كرسومات، ولا تقل مديرية المرور شأنا في وجود الفساد، فيما تعدّ مديرية بلدية الديوانية واحدة من أكثر الدوائر التي يسود فيها الفساد وبشكل كبير جداً، وهناك قضية تحسب هي الأكبر في ملفات الفساد، اذ تم خلالها التلاعب والاحتيال من قبل بعض موظفي البلدية وبتواطؤ زملاء لهم في التسجيل العقاري، للاستيلاء على قطع أراض سكنية بمواقع متميزة، يتجاوز سعر قطعة الأرض الواحدة المائتي مليون دينار، وتمت العملية بتزوير في الوثائق وإضافة أسماء غير مستحقة في القرعة التي تجريها البلدية للتوزيع.
وهذه المعلومات ليست إشاعات بل تصريح لرئيس لجنة النزاهة في مجلس محافظة الديوانية، لوكالة (المدى برس)، ومع ذلك لم يتخذ أيّ إجراء بينما تنشغل الأجهزة الرقابية ومكتب تحقيقات النزاهة والقضاء بقضية صغيرة مثل ملاحقة مدير سابق في الديوانية بشأن جهاز موبايل لا يتجاوز سعره العشرين ألف دينار، تسلمه المدير وسلمه بموجب مستندات رسمية عام 2009، وسجن بسببه.
ويزيد رئيس اللجنة لشعرنا بيتا عندما يذكر أن مكتب النزاهة شغل نفسه بقضية بيع اسطوانة غاز بخمسة آلاف دينار، بزيادة 150 دينارا عن سعرها الرسمي البالغ (4850) ديناراً، يذكر هذا وينوه بأن الدوائر الحكومية في الديوانية لا تختلف عن شقيقاتها في محافظات البلاد الطوافة على بحر من الفساد، ويكشف عن ملف المستشفى الاسترالي الذي أحيل إلى حامل جنسية استرالية، فأخذ أموال المشروع وطبعا هي ليست دراهم معدودات وهرب بها.
وبعد هذا العرض الأبيض للواقع الأسود، لم نستغرب حين أتتنا الأخبار بوفاة المخرج الإذاعي الشاب “زين العابدين” في مستشفى الديوانية لعدم توفر مصل لعلاجه من لدغة أفعى، وعدم استغرابنا أكده أهالي المدينة الصابرة حين أطلقوا عليه “شهيد الفساد”، وليس كحالات أخرى عندما يقوم ذوو المتوفي مثله بالاعتداء على الأطباء المعنيين، بل صار الشعب يعرف على قولة أحمد فؤاد نجم: (مين اللي خان بهية.. ومين قتل ياسين)، فنظم المئات من الشباب والناشطين في البلدة الغاضبة تظاهرة احتجاجية تضامنا مع عائلة الشاب الشهيد، وقطع المتظاهرون جسر المحافظة والطرق القريبة منه، وطالبوا بمحاسبة مدير عام الصحة ورئيس
لجنة الصحة في مجلس المحافظة ومدير المستشفى بتهمة التقصير والإهمال المتعمد، وهددوا ـ وهذا الأهم ـ بتصعيد مواقفهم الاحتجاجية في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.
ومن بعيد جاء الشاعر گزار حنتوش مع رسميته المنيرة وانضما إلى الحشد المتظاهر، فاستقبلتهما الجموع بترحاب وابتهاج واعتزاز، إذاك حيّاهم “أبو سلام” وأنشأ يقول:
(غنمتُ لها تفاحا في غير الموسم،
كتبتُ لها
شعرا فوق التين..
ناطحتُ لاجل “الديوانية”
أوغادا،
بقرون من طين..)