الدين معتقد موضعه في القلب , والوطن حالة مكانية جغرافية وبيئة إجتماعية للناس , ولا وطن لدين , وللبشر وطن , أي مكان يعيش فيه , فكيف تتحقق الموازنة ما بين المعتقد والوطن؟
الدين بلا وطن إستعباد ومصادرة لحقوق الإنسان وتدمير لوجوده , لأنه سيجرده من الإنتمائات الضرورية للقوة والحياة الحرة , ويربطه بحالة فردية أو فئوية تدعو للخصام والتصارع , وإستنزاف الطاقات والقدرات , وإنهاك الأجيال في تداعيات خسرانية متراكمة.
وفي ذات الوقت الدين أو المعتقد عالمي التطلعات , مما يوجب عليه الإيمان بالأخوة الإنسانية , ليتمكن من التفاعل مع البشرية جمعاء.
وفي تأريخنا إنطلق الإسلام وتألق بتفاعل المهاجرين والأنصار في المدينة , التي هي وطن الإسلام الأول وحاضنته ومنها إنتشر وتأكد , فالوطن المدينة عامل أساسي في بلوغ الإسلام مراميه , فإنْتشر وتَسيَّد.
فالوطن من ضرورات الدين القويم , ولكي تكون مؤمنا يجب أن تكون مواطنا , أي أن تتآخى مع الناس من حولك ولا تتفاعل معهم بما يعتقدون , بل وفقا لضوابط ومعايير تدعو للعدل والمساواة وضمان الحقوق وتحديد الواجبات.
وأول خطوة قام بها الرسول عند وصوله المدينة أن آخى بين الأنصار والمهاجرين , الأخوة الإنسانية أولا ومن ثم الدينية.
إذا إنتفت الأخوة الإنسانية يتحول الدين إلى عدوان على الحياة والدين.
ولا تقاطع بين الدين والوطن , فالمواطنة إنتماء للوطن , وبذات الوقت تعبير عن الدين بما يعزز المواطنة ويساهم في إعلاء قيم الدين.
أما التوجهات العدوانية على الوطن والدين , والقاضية بنفي الوطن والإنتماء للدين , الذي تحول إلى أديان ومذاهب ومشارب , فهي سلوكيات لمحاربة الدين بالوطن والوطن بالدين , وبذلك تمحقهما معا.
فلا بد من وعي حقيقة ضرورة الوطن للدين والدين للوطن , وأن يتحقق التوازن والتكافل ما بين الحالتين , لكي يتعلم الناس مهارات صناعة الحياة الحرة الكريمة.
فهل من وطن سليم ودين قويم؟!!