من المعروف للعامة إن طريقة حياة الناس أو ثقافتهم يصنعها عملهم ودخلهم فقط، وبالتالي فإن الاقتصاد ومستوي معيشتهم هو الذي يحدد طريقة تفكيرهم, وليس العكس : أي أن نوع العمل وأدواته والأشكال القانونية التي تضمن وجوده مثل الاتفاقيات والتعاقدات والقوانين المنظمة للعمل.. هي التي تحدد مكانة الناس في مجتمعاتهم، ومكانة المجتمعات نفسها في العالم، أي تحدد مدي سلطة كل منهم علي الآخرين.
مشكلة البعض أنهم لا يعترفون بالتطور العلمي ومخرجات الحضارة الغربية التي أحدثت انقلاباً كبيراً في مستوى المعيشة ونمط التفكير وقادت ثورة كبرى من الصعب تجاهلها ولكن بعض المتأسلمين لازالوا يعيشون في القرن الأول الهجري , بينما العالم يعيش في القرن الحادي والعشرين .
وقد يحاول بعض رجال الدين من مدمني المنابر العاجية الرجوع بالناس إلى الماضي البعيد بكل سلبياته وإعادة صياغتها بثوب جديد فيه نغمة حزن وتأسي على ما فات ,تحت شعار إن هناك من سلب الحقوق من أحفاد النبي محمد (ص) وقاتلهم بحد السيف ,وكأن الخلافة الإسلامية نزلت من السماء على ارض الكوفة ويجب إن تبقى فيها إلى يوم القيام , وبما إن ذاك لم يحصل سوف يأتي مخلص من السماء ليعيد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها ويحاسب المارقين والناكثين والقاسطين , وينشر العدل والسلام في الأرض .. ومثلهم هاذ كمثل من يبكي على أجداده الذين ماتوا قبل مائة عام ولم يراهم , ولكنه سمع بطولاتهم من جدته الطاعنة بالسن , التي بدورها ورثتها من أمها المتوفاة في بداية القرن العشرين.
يجب إن يفهم هؤلاء بان التجديد ضروري وان البكاء على الماضي البعيد نوع من الرياح العاتية التي تقتل الحرث والنسل.
الإسلام بالأمس :
الإسلام : نعم قامت قيامته على السلطة السياسية ولولاها لما انتشر ولظلت دعوته مركونة في أرض نجد والحجاز , و قد ينقرض كما انقرضت كثير من الدعوات وأصحابها، ولا يمكن الفصل بين الإسلام والسلطة قبل قيام الدول الحديثة والدساتير العالمية،لذا فكل إحداث الصراعات السياسية لا يمكن فصلها عن الإسلام ,إذ كان الخليفة والحاكم يمثل ظل الله في الأرض وخليفته فيها.
والآن الحركات الإسلامية والجهادية بكافة عناوينها تريد العود بنا إلى ذلك الزمن الغابر، اليوم نستطيع القول إن الأنظمة السياسية الحالية في الدول الإسلامية لا تمثل الإسلام بكل تفاصيله , ولا يوجد حاكم يقول : أنا ظل الله في الأرض، فقد أصبح الدين عبارة عن طقوس ومناسك يؤديها عموم الناس كالصلاة والصوم والذهاب للمسجد, وغيرها من الأمور التعبدية .
لكن المشكلة في كتابة تاريخ وسير الحكام من قبل بعض الكتاب الإسلاميين حينما كتبوا عن أولئك الحكام والقادة أمثال ( صلاح الدين الأيوبي ومعاوية بن أبي سفيان وخالد بن الوليد وأبو العباس السفاح ) . . وغيرهم , كتبوا عنهم بصفتهم حاملي مشاعل الإسلام ، وإنهم منزهون وأخطاءهم تغتفر بأمر الله ولا يسمح المساس بهم .. لهذا حسب ما قاموا به بأنه عمل ديني قائم على أحكام الشريعة .
فالدولة العباسية مثلاً كسابقتها الدولة الأموية قامت على سفك دماء مروعة في دمشق، وانتهت بسفك دماء أشد ترويعاً في بغداد.
وبالرغم من أن حكم مؤسسها أبو العباس السفاح ( عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبن أبي طالب ) لم يتجاوز الأربع سنوات، لكن السيف كان منطقه، وسفك الدماء منهجه، وفرض الإرادة بالقوة ديدنه، وكان متأجج التفاعلات شديد الصولات، حتى تمزقت البلاد التي كانت تحت إمرة بني أمية، “وتقسمت ممالك الأرض عدة أقسام، وصار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالتعسف، وينكبهم بالقهر”.
مأساتنا إننا اعتبرنا كل أفعال رجال الحكم منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى إعلان انتهاء الخلافة العثمانية دين وممنوع المساس به , يا جماعة الصحابة حاربوا بعضهم البعض وآلاف المسلمين قتلوا في هذه المعارك وعشرات من المسلمات اغتصبن ( الم يأمر مسلم بن عقبة بن رباح المري قائد جيش بني أمية باستباحة مدينة رسول الله لجيشه فقتلوا واغتصبوا ونهبوا عشرات من الصحابيات في هذه الموقعة إي موقعة الحرة وعشرات من صحابة رسول الله قتلوا على يد جيش مسلم ) , هذا أيضا في تاريخنا . لماذا نتغنى بالانتصارات على الروم والفرس والفتوحات في شمال أفريقيا والأندلس ونتناسى جرائمنا بحق خلق الله , هل هذا يرضي رب العالمين بأن تساق فتيات آمنات في بيوت إبائهم إلى سوق النخاسة ؟ هل يقبل إي شخص بأن يحدث هذا لأبنته ؟ طبعا لا فكيف يقبل منك رب الرحمة أن تفعل بخلقه ما لا ترضاه على نفسك .