تعد عمليــة التحـول الديمقراطـي مسـألة في غايــة الصعــوبــة والحساسيــة في المجتمعــات التي كانت تعاني من حكم ديكتاتوري سلطــوي وذلك بسبب تدمير السلطة لقوى المجتمــع المدنـي والحركــات السياسيــة ان وجـدت وهذا الأمـر يـعزز انتشار الثقافــة الانقساميــة على أسس دينيــة او طائفيــة او عرقيــة أو أثنيـة وقد تكون هذه الانقسامـات في أعمــق صورهــا و المشتركات الوطنيـة بين هــذه المكونـات في حـدهـا الأدنـى ان لم تنعـدم في بعض الاحيـان لذلك تلجــأ الاطـراف السياسيــة إلى عقد ميثـاق شــرف مثلاً او التوافــق وعقد الاتفاقــات خارج الدستـور وقد تتمـدد إلى أبعــد من ذلك في محاولــة لتطويـع النصــوص الدستوريـة على أســاس توافقاتهـا واتفاقاتهـا بل قد يصــار إلى كتابــة الوثيــقة الدستـورية على أسـاس التوافق أيضا وقد تؤسس عرف دستوري يحمي تلك التوافقات وربما يعمل البعـض على ترسيخها كواقع سياسي يجب التعامـل معه من خلال تكوين تحالفــات تضــم المكونات المتنفذة والاساسيـة للمجتمع العراقي التعددي ويكون في صيغــة تحالف حكومي وهو الاسـاس الذي تسعـى اليـه اطـراف العمليـة السياسيـة من اجل الحصـول على أكبـر مغانـم ممكنـة وهـذا خلاف الديمقراطيــة البرلمانيـة التي نص عليهـا الدستور العراقي لسنـة 2005 في المادة الاولى منـه ” جمهـوريــة العــراق دولة اتحاديـة واحـدة مستقـلة ذات سيـادة كامــلة . نظام الحكم فيهـا جمهـوري نيابي برلماني ديمقراطــي 00 ” والنظام البرلماني كما هو متعارف عليـه يرتكـز على الاغلبيـة البرلمانيـة والمعارضـة داخـل البرلمــان والتي تكون عـادةً نتاج تنافس الاحزاب السياسيـة من خلال العمليــة الانتخابيـة الا ان الديمقراطيـة التوافقيـة التي اسس لهـا الساسـة العراقيون بعد عام 2003 كانت نتاج الاحتلال الامريكـي الذي سعـى إلى تشكيـل مجلس الحكم على اسـاس ديني – مذهبـي – قومـي وكان هذا المجلس اللبنـى الاولى للتوافقيــة التي ساهمــت بشكل كبيـر على اضعاف العـراق داخلياً ودولياً بسبب الصراعات التي نشأت بيــن الاحزاب والكتـل السياسيــة ووصــلت إلى حــد الخلافـات والقطيعـة التي انهـت مفهـوم المعارضـة في ادارة العـراق وعلى اساس المحاصصــة غير السياسيـة وبغض النظـر عن قبـولهـا من الشعـب أو رفضهـا لان جميـع الاطـراف تعمـل على جعـل ذلك واقع سياسي مفروض علينـا وهـذا الواقـع جعل غالبيـــة العراقييـن يتوهمـون بأن الديمقراطيــة فشلت بالعـراق واصبحــت امراً صعب التطبيـق ولكن الحقيقـة ان الخطأ ليس بالديمقراطيــة كنظام سياسي بل في انتهازيــة الطبقـة السياسيـة التي انحرفت كثيراً عن النظام الديمقراطـي من اجل تحقيق مصالحهـا وتطويـع هذا النظام لينسجـم مع ما تم فرضـه من واقع سياسي اصبح مفروض من الشعب لأنه لم يتحقق المساواة واحترام حقوق الانسـان وقبـول التعدديـة والتعامـل معهـا على اساس سياسي بعيداً عن التقوقع الديني او المذهبي او العـرفي وان كنا نعتقـد بعــدم وجود نظام ديمقراطي مثالي الا ان الوضع السياسي في العراق لم يحقق طموحات الشعب في الوصول الى الديمقراطيـة التي ينشـدهـا والاستقرار السياسي التي يبنى على اساس الدستور وتقوية مؤسسات الدولة وتغيير مفاهيم الشعب التي ترسخت بشكل خاطئ حول الديمقراطية مما جعل نسبة كبيرة من الشعب تقاطــع الانتخابات بسبب توافقيتهـم المقيتـة إذ من غير المعقـول بعد كل عمليـة انتخابيـة يكون الرئيس من مكون ورئيس الوزراء من مكون ثاني ورئيس البرلمـان من مكون آخــر يتـم الاتفاق عليهــم بين المكونات الرئيسيــة والاطـراف القويــة بعيداً عن الدستـور وخارج اطار البرلمـان كل تلك العوامـل جعلت المقاطعـة خيار نسبــة كبيـرة من الشعـب لامتعاضهـم من توافقيـة الاحزاب السياسيــة بعيداً عن المصلحــة العامـــــة ونأمل ان نغادر هذه الديمقراطية التوافقية بعد أن تعالت اصوات بعض الاحزاب التي تنادي بالاغلبية البرلمانية وتشكيل حكومة بعيداً عن التوافقات الحزبية.
م. محمــد عبــــد جري
جامعة القادسية