أكثر ما إستفزّني هو ظهور أحد المقرّبين من نوري المالكي على شاشة “العربية” للحديث عن “ديمقراطية” المالكي وشفافيته. ولن أصدّق أنّ رجلا عراقيّا يتكلم بمثل هذا المنطق المليء بالمغالطات، والأسلوب الذي تعمّد التضليل، وذهب بعيدا في تحوير الحقائق. وقد سهى عن بال الذي إتخذ لنفسه مهمة الدفاع عن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، والذي إرتضى أن يكون صوت سيده، أنّ ديمقراطية المالكي لا تعدو كونها شعارا من دون مضمون. وأيّ عراقي لا يعرف أنه إستحوذ على الحكم عنوة بدعم من الإدارة الأميركية والفرس. وها هو اليوم يسعى للإفادة من هذا الدعم ليعود إلى رئاسة الوزراء للمرّة الثالثة، ضاربا عرض الحائط ما شاب هذه الإنتخابات من ضغط ورشوة وتزوير.
إن تأييد الخارج ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإيرانية للمالكي، دفعه إلى المضي قدما في مصادرة الدولة، والإستواء على عرشها، والسيطرة على مفاصلها الرئيسة. وليس أدلّ على ذلك من حرصه على إضافة مهمات أخرى على مهمته الأساسية. من هذه المهمات: القائد العام للقوات المسلّحة، وزير الدفاع، وزير الداخلية، والمسؤول المباشر عن جهاز المخابرات لمدّة ثماني سنوات, وكأني به الملك لويس الرابع عشر الذي قال ذات يوم “أنا الدولة، والدولة أنا”. ولم يكتف المالكي بهذا القدر من المسؤوليات الكبيرة التي إنتزعها عنوة وبشكل مخالف للدستور والقانون، بل قام بإخضاع مؤسسات مستقلّة تابعة لمجلس النواب كالمصرف المركزي العراقي، وهيئة النزاهة والأجهزة القضائية، والمفوضية العليا للإنتخابات. ولم يتقيّد المالكي بالضوابط القانونية، وقواعد الشفافة في موضوع الإنفاق الذي تمّيز بأنه كان طوال عهده بالحكم من دون سقف، فدمج بين الخاص والعام، متجاوزا الأصول المحاسبية، متخطيا الأجهزة المحاسبية بعدما همّش دورها وحضورها. هذا الإنفاق كان مرهقا للخزينة العراقية.
إن المالكي لم يقدّم إنجازا واحدا لمصلحة الشعب العراقي الذي آنتهكته الحروب جلّ ما فعله هو انه أنفق من دون حساب لتأمين مصلحته الخاصة، ومصلحة الجماعة الشديدة الصلة به.
إن “ديمقراطية المالكي” أوقعت المالكي في براشن التقاتل الطائفي والمذهبي والعراقي: سنّي – شيعي، عربي – كردي، مسلم – مسيحي، وهو امر لم تألفه بلاد الرافدين منذ فجر التاريخ. ذلك كله والعراق يتراجع على كل المستويات، خصوصا في مجال الخدمات الأساسية وتحديدا الإجتماعية والصحيذة والتربوية، ما زاد الشعب إحباطا، وأذاقه مرارة الظلم.
والعجب أن هناك من يتنطّح وتحت تسميات شتّى للظهور على شاشات التلفزة للحديث عن المالكي و”مآثره” فلم يجد سوى الأبجدية الفارسيّة يلجأ إليها في معرض إمتداحه رئيس لوزراء العراق لم يحقق طوال ولايتيه السابقتين أي إنجاز بآستثناء تفانيه غير المسبوق في خدمة المصالح الإيرانية القريبة والبعيدة المدى.
إن ما يجري حالا في بلاد الرافدين يعتبر تدميرا ممنهجا للدولة العراقية وما تحمل من إرث حضاري تهادى إليه منذ العصور الغابرة، وما تختزن من قيم أخلاقية. لكن للأسف الشديد لم يعد هناك أيّ حضور للعراق الذي كان في مقدّم البلدان رائدة والواعدة في الشرق الأوسط مع وصول المالكي إلى الحكم، تحيط به بطانة معظم أفرادها، هم على مشاكلة ذاك “المحامي” فاشل الذي أطلّ على شاشة “العربية” ذات مساء مطبّلا مزمّرا، يسبح بحمده. ولا جرم عليه إذا كان وفيّا للقاعدة التي تقول “الناس على دين ملوكهم”. على أنّ المثل السائر يقول “أطعم الفم، تستح العين”، ولأجدر أن يضاف إلى هذا المثل “ويكرج اللسان” متفنّنا في جعل الأبيض سودا، والأسود أبيضا، من دون وازع من ضمير.
التحية “لديمقراطية المالكي”، ولكل من “أكل من خبزه” ويهدّد بان يضرب ب “سيفه” … لكن شعب العراق الذي صبر طويلا سيقلب الطاولة على الجميع، ويصوّب البوصلة في الإتجاه الصحيح، ويضع الأمور في نصابها.
وإنّ غدا لناظره قريب.