الإنتخابات لا قيمة لها ولا معنى في واقع حال المجتمعات المتأخرة , التي تعاني من أمية سلوكية وجهل مدقع بالديمقراطية ومرتكزاتها الأساسية , وتترجم آليات التبعية والخنوع والسذاجة والإذعان للعمائم واللحى , ولذوي العاهات النفسية من أصحاب الكراسي المؤزرة بقوة من القِوى ذات المصالح والأجندات.
فالإنتخابات لن تأتي بجديد , وإنما ستعزز النكد وتسوّغ الفساد وتديم الظلم والقهر , وتسوّق الأضاليل والدعوات السيئة المبنية على التصارعات الداخلية ما بين أبناء المجتمع الواحد.
وما يتحقق في هذه المجتمعات هو سلوك ديماغوجي كما تؤكده الأساليب المتنوعة التي يتبعها المدّعون بالسياسة والقيادة لخداع الشعب , وإغرائه وتضليله واللعب بعواطفه وأفكاره وتخويفه , وإثارة الرعب في دنياه للوصول إلى السلطة وخدمة مصالحهم , وهي ستراتيجية لإقناع الآخرين بناءً على مخاوفهم وأفكارهم المسبقة , ويتم برمجتهم إنفعاليا وتأهيلهم للخضوع والخنوع والركون إلى المخادعين والمضللين , الساعين لإبتزازهم وإستثارة عواطفهم والإستثمار في مخاوفهم ومعتقداتهم.
وأساليب الديماغوجية بدأت واضحة ومشحونة بالنوازع الشريرة الهادفة للإستحواذ على السلطة , والعمل الجاد على تحقيق المصالح والأجندات , وفقا لآليات ميكافيلية تسّوغ وتبرر الوسائل الكفيلة بالوصول إلى الهدف ومهما كان الثمن والخسائر ولا علاقة لها بوطن أو أخلاق ودين.
فالخطابات والتصريحات العاصفة في العديد من المجتمعات المقتربة من مواسمها الإنتخابية تشير بوضوح ووقاحة إلى ديماغوجية فاضحة , لن تجني من ورائها المجتمعات إلا أسوأ مما هي عليه قبل الإنتخابات.
ولمواجهة الديماغوجية السائدة على أنها سلوك ديمقراطي , يتوجب على الأقلام الوطنية النزيهة الحرة الواعية أن تفند الطروحات الديماغوجية وتسفهها , وتتوجه إلى تحفيز قدرات العقول والتفكير والتقييم والتحليل وطرح الحقائق , أو الوصول إليها بالبراهين والأدلة القاطعة التي تنير منطلقات المحاججة والبرهان.
ذلك أن الديماغوجيين يتبعون أساليب ومناورات وحيّل وخطابات سياسية إغرائية بوعود كاذبة خدّاعة على أنها لمصلحة المواطنين وفي جوهرها للوصول إلى الحكم , فيقومون باللعب بمشاعر الناس ومخاوفهم , فيؤججون العواطف والإنفعالات ويستثمرون فيها , وقد يلجؤون إلى العنف وإشاعة الرعب لكي يستسلم الناس ويتبعون ويميلون إلى هذا المسمى أو ذاك, للحفاظ على وجودهم والشعور ببعض القوة والقدرة على السيطرة والتحكم بحياتهم.
فهل ستقوم الأقلام بدورها التنويري في المجتمعات المبتلاة بالديماغوجيين المدّعين بالديمقراطية , وما تصرفوا بطريقة ديمقراطية فأسقطوا الوطن من حساباتهم وغيّبوا المواطنة , وصار للفئة والطائفة والمذهب والمعتقد مراتب تتقدم على الوطن وجميع القيم الديمقراطية؟!
فالمعركة الديمقراطية الحقيقية هي ما بين العقل الواعي المنفتح المعاصر والديماغوجية المستشرية في المجتمعات المرهونة بالويلات , ولا بد للأقلام الحرة أن تخاطب العقل وتثير التساؤلات , وتأتي بالحجج والبراهين الثابتات النيرات , لتفند منطلقات كل ديماغوجي مخادع عقيم لئيم!!