23 ديسمبر، 2024 8:28 ص

الديمقراطية في العراق…وخطر الحلقة المفرغة…رؤية قانونية

الديمقراطية في العراق…وخطر الحلقة المفرغة…رؤية قانونية

الانتخابات هي الركن الأساسي في الديمقراطيات الحديثة وما ينتج عنها من مجالس نيابية، وبغض النظر عن اجراء الانتخابات النيابية مبكرة بأن يحل مجلس النواب وفقاً للمادة (64) (أولا: يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية) ومن ثم يدعو رئيس الجمهورية الى الانتخابات المبكرة وفقاً المادة (64) (ثانياً: يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلاً ويواصل تصريف الأمور اليومية.)
أو دورية اظهرتها المادة (56) (أولا: تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة.) وتجرى الانتخابات قبل 45 يوماً وفقاً للمادة (56) (ثانياً: يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسةٍ وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة.)
فإننا نواجه حقيقة مهمة هي هل يمكننا إقامة الانتخابات في ظل الأوضاع الفعلية من وجهة نظر قانونية؟
ﺑﯾﻧت اﻟﻣﺎدة (٩٣) (ﻣن اﻟدﺳﺗور اﻟﻌراﻗﻲ اﻟﻧﺎﻓذ اﺧﺗﺻﺎﺻﺎت اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ، ﺳﺎﺑﻌﺎ: اﻟﻣﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻧﮭﺎﺋﯾﺔ ﻟﻼﻧﺗﺧﺎﺑﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻌﺿوﯾﺔ ﻣﺟﻠس اﻟﻧواب)
وﺗﺄﻛد ذﻟك ﻓﻲ ﻗﺎﻧون اﻟﻣﻔوﺿﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﻟﻼﻧﺗﺧﺎﺑﺎت رﻗم (٣١) ﻟﺳﻧـﺔ ٢٠١٩ ﺻﻼﺣﯾﺎت ﻣﺟﻠس اﻟﻣﻔوﺿﯾن اﻟﻣﺎدة (١٠) (ﺳﺎﺑﻌﺎً: اﻟﻣﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻧﮭﺎﺋﯾﺔ ﻟﻼﻧﺗﺧﺎﺑﺎت واﻻﺳﺗﻔﺗﺎء واﻻﻋﻼن ﻋﻧﮭﺎ ﺑﻌد اﻟﻣﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﺟﮭﺎت اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﺻﺔ ﺑﺎﺳﺗﺛﻧﺎء ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﻣﺟﻠس اﻟﻧواب اﻟﺗﻲ ﺗﺻﺎدق ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ.)
اذن الحاجة لوجود المحكمة الاتحادية أساسية في استمرار الديمقراطية في العراق الحديث، فلا يمكن وجود المجلس التشريعي الأساس القانوني لما بعده، الحكومة وكل ما يحتاج المصادقة الا من خلال مجلس النواب.
الا اننا نواجه حقيقة في غاية الأهمية وهي ان المحكمة الاتحادية العليا التي نصت عليها المواد الدستورية لم يصدر لها قانون على الرغم من نص الدستور على ضرورة تشريعها بقانون، واما قانونها الحالي فيواجه مشكلة آلية ترشيح أعضاءها لان المحكمة بذاتها قد ابطلت المادة الخاصة بذلك اﻟﻣﺎدة (٣) ﻣن ﻗﺎﻧون اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎدﯾﺔ رﻗم (٣٠) ﻟﺳﻧﺔ ٢٠٠٥ (تتكون المحكمة الاتحادية العليا من رئيس وثمانية اعضاء يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة بناء على ترشيح من مجلس القضاء الاعلى بالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة هـ من مادة رقم الرابعة والاربعين من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية .)، واﻟﻣﺎدة (٣) ﻣن ﻗﺎﻧون ﻣﺟﻠس اﻟﻘﺿﺎء اﻷﻋﻠﻰ رﻗم (٤٥) ﻟﺳﻧﺔ ٢٠١٧ (يتولى مجلس القضاء الأعلى المهام الاتية :
ثالثاً- ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا من القضاة.)
قضت المحكمة الاتحادية العليا، بالعدد (38) في 21/5/2019، بعدم دستورية المادة (3) في قانونها بالرقم (30) لسنة 2005 والتي منحت لمجلس القضاء الأعلى صلاحية ترشيح رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا.
فأن “المحكمة الاتحادية العليا ذكرت أن الأمر قد اختلف بالكامل بعد صدور دستور جمهورية العراق ونفاذه عام 2005، حيث نصت المادة (92/ أولاً) منه على كون المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً وادارياً عن بقية مكونات السلطة القضائية المنصوص عليها في المادة (89) من الدستور، وأفرد الدستور لها الفرع الثاني من الفصل الثاني الخاص بالسلطة القضائية، وبيّن في المادة (92/ ثانياً) من الدستور الأحكام الخاصة بالمحكمة ومنها تشكيلها واختيار الأعضاء، ويكون ذلك بموجب قانون يسن بأغلبية أعضاء مجلس النواب.”
وأشارت إلى أن “المحكمة الاتحادية العليا ذكرت أن صلاحية مجلس القضاء الأعلى بموجب المادة (91/ ثانياً) أصبحت مقصورة على ترشيح عناوين قضائية محددة وردت على سبيل الحصر وعرضها على مجلس النواب لتعيينها وهي رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي.”
ولفت إلى أن (المحكمة أكدت أن الثابت من النص الدستوري المذكور أن ترشيح رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا أصبح خارج اختصاص مجلس القضاء الأعلى اعتباراً من صدور دستور جمهورية العراق ونفاذه عام 2005، وإنما يكون ذلك بموجب نص لقانون يشرع من مجلس النواب يكون بأغلبية أعضائه إعمالاً لأحكام المادة (91/ ثانياً) من الدستور يراعي فيه اختصاصات هذه المحكمة وضمان استقلاليتها على الوجه الأكمل لتأمين حسن تطبيق الدستور والمشروعية.)
وبعد حصول النقص في عدد أعضاءها بسبب إحالة القاضي فاروق السامي الى التقاعد
فقد قضى قرار الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية بالعدد 4/5الهيئة العامة/2020 في 17/3/2020 بعدم جواز ترشيح المحكمة الاتحادية العليا أو رئيسها لأي قاضٍ متقاعد أو مستمراً بالخدمة القضائية بصفة عضو أصلي او احتياط لعضوية المحكمة الاتحادية العليا بالاستناد إلى الحكم بعدم دستورية المادة (3) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وفق قرارها بالعدد (38) في 21/5/2019، فضلاً عن عدم وجود نص دستوري أو قانوني يُجيز ذلك.
وعلى هذا الأساس ﺟﺎء ﻓﻲ أھم وﻗﺎﺋﻊ وﻗرارات ﻣﺟﻠس اﻟﻘﺿﺎء اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺟﻠﺳﺔ اﻟراﺑﻌﺔ ﻟﻌﺎم ٢٠٢٠ اﻟﻣﻧﻌﻘدة ﺑﺗﺎرﯾﺦ ٢٣ /١ /٢٠٢٠ اﻟﻔﻘرة (٢) (…اﻻﻋﻣﺎم ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻣﺣﺎﻛم ﺑﻌدم اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اي ﻗرار ﯾﺻدر ﻋن اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻛون اﻟﻧﺻﺎب اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ ﻟﻠﻣﺣﻛﻣﺔ أﺻﺑﺢ … ﻏﯾر ﻣﻛﺗﻣل)
وھذا اﻻﻋﻣﺎم ﯾﻛﺷف ان ﻛل ﻗرار ﯾﺻدر ﻋن اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻻغ ٍ وﻣﻧﻌدم اﻷﺛر، وعلى هذا الأساس قضت محكمة التمييز الاتحادية بعدم دستورية قرار المحكمة الاتحادية العليا كونه فاقداً للشكل القانوني لعدم اكتمال نصاب المحكمة العدد/2/الهيئة العامة/2020 الموافق 27/1/2020 وما بعده.
وﻻ ﺷك ان ھذا ﯾﻧﺗﺞ ﻋﻧﮫ ﻣﺷﻛﻠﺔ دستورية وﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ واﺿﺣﺔ ﺗواﺟﮫ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﺳواء أﻛﺎﻧت ﻣﺑﻛرة ﺑﻌد ان أﺻﺑﺢ ﻣطﻠﺑﺎً ﺷﻌﺑﯾﺎً وﺳﯾﺎﺳﯾﺎً أم ﻛﺎن ﻟﻼﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﺑﻣوﻋدھﺎ اﻟطﺑﯾﻌﻲ.
واﻟﺗﺳﺎؤل ﻋن اﻟﺣل ﺗﺟﺎه ھذه اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ واﻟدﺳﺗورﯾﺔ ﻓﻼ ﻣﻌﻧﻰ ﻣن ﺗﺷرﯾﻊ ﻗﺎﻧون اﻟﻣﻔوﺿﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻟﻼﻧﺗﺧﺎﺑﺎت وﻗﺎﻧون اﻷﺣزاب وﻗﺎﻧون اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت وﻏﯾرھﺎ ﻣن اﻟﻘواﻧﯾن ذات اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑل واﺟراء اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﻛل ھذا وﻻ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ اﻟﻣﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺗﺎﺋﺟﮭﺎ؟
وهنا تدخل الدولة العراقية في فراغ دستوري حقيقي وشلل كامل، لعدم وجود مجلس النواب ويتبعه مجلس الوزراء ففي الوقت الذي يحل مجلس النواب بالصورتين يتحول مجلس الوزراء الى حكومة تصريف اعمال يومية ولا يمكن العود عن ذلك فمن ناحية لا يمكن التصديق على الانتخابات لعدم قانونية قرارات المحكمة الاتحادية كما أشرنا ولا يمكن العود الى المجلس السابق لتشريع قانون المحكمة الاتحادية لان المجلس قل انتهى عمله وقد حل، وهذا حقيقة خطر بالغ وحلقة مفرغة تواجه العراق.
وﻧﺣن ھﻧﺎ ﻧطرح ﺣﻼً ﺟذرﯾﺎً ﻷﺻل اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺗﻲ وﺻﻠﻧﺎ اﻟﯾﮭﺎ ھو ﻛﺎﻻﺗﻲ:
ﺗﺷرﯾﻊ ﻗﺎﻧون اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎدﯾﺔ ﻛﺎﻣﻼً ﺑﻣﺎ ﯾﺗﺿﻣن آﻟﯾﺔ ﺗرﺷﯾﺢ أﻋﺿﺎء اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ وھو اﻟﺣل اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟذي ﻧﻧﺗظره ﻣﻧذ ﺻدور اﻟدﺳﺗور ﻛﻣﺎ ﻧﺻت اﻟﻣﺎدة (٩٢) (ﺛﺎﻧﯾ ﺎً: ﺗﺗﻛون اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻣن ﻋدد ﻣن اﻟﻘﺿﺎة وﺧﺑراء ﻓﻲ اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻓﻘﮭﺎء اﻟﻘﺎﻧون، ﯾﺣدد ﻋددھم وﺗﻧظم طرﯾﻘﺔ اﺧﺗﯾﺎرھم وﻋﻣل اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﺑﻘﺎﻧون ﯾﺳن ﺑﺄﻏﻠﺑﯾﺔ ﺛﻠﺛﻲ أﻋﺿﺎء ﻣﺟﻠس اﻟﻧواب).
وﻣن ﺛم ﺗرﺷﯾﺢ أﻋﺿﺎء اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ وﻓﻘﺎً ﻟﻠﻘﺎﻧون، وﻻ ﺷك ان ھذا ھو اﻟﺣل اﻷﻓﺿل اﻻً اﻧﮫ ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم ﺻﻌوﺑﺗﮫ وھو ﻣﺎ اﺧره طوال ھذه اﻟﺳﻧوات ﺑﺳﺑب اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺣوﻟﮫ.
ﻓﻛل دﻋوة ﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﻣﺑﻛرة او انتخابات ﻏﯾر ﻣﺑﻛرة ﺗﺗطﻠب ﺗﺷرﯾﻌﺎ ﻗﺑﻠﮭﺎ وا ّﻻ ﻓﺎﻧﮫ ﻟو ﻗﺎم ﻣﺟﻠس اﻟﻧواب ﺑﺣل ﻧﻔﺳﮫ أو اﻧﺗﮭت ﻓﺗرﺗﮫ اﻟدﺳﺗورﯾﺔ ﻗﺑل ان ﯾﺷ ّرع ﻗﺎﻧون ﺗرﺷﯾﺢ أﻋﺿﺎء اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎدﯾﺔ ﻓﺄﻧﻧﺎ ﺳﻧدﺧل ﻓﻲ ﻓراغ دﺳﺗوري حقيقي.