لم تكن الديمقراطية الا وسيلة الشعوب لاختيار ممثليها في تشريع القوانين او تولي السلطة نيابة عنها لتحقيق الأمن والرخاء ، ولم تكن الديمقراطية المستعجلة في العراق قد اختزلت التناقضات الاجتماعية بقدر ما اختزلت الزمن لتولي كل من هب ودب امر السياسة وشؤون البلد . ولقد حرص السياسيون العراقيون على تحويل مفهوم الديمقراطية التوافقية الى مفهوم المحاصصة الطائفية ، بتعبير ادق ،، قسمة عرب ،، هذه الرئاسة لك وهذه الكابينة لي ، ورئاسة المجلس النيابي للمكون الثالث ، وهذه الوزارة لكم ، وتلك الهيئة لهم وذلك المرفق العام لنا ، تشكلت الاقطاعيات الإدارية حسب حصة الكتلة وعمل الحزب الفلاني على جعل هذه الوزارة علاوية او تلك المؤسسة كربولية ، وثالثة فضلية او رابعة صدرية، وهكذا يستبعد الموظف من من هو خارج الكتلة صاحبة الحصة في هذه الوزارة ، بالضبط اقطاعية وسركال ، خوشية وحمايات وارتال، ، وزراء عقود وعائدات ، مدراء تزوير وتفاهات.
ان الديمقراطية التوافقية تعني الحكم من خلال ائتلاف واسع بين كافة القطاعات المكونة للمجتمع التعددي ، ومن خلال انتخابات نزيهة تأتي ببرلمان سياسي تقوده الكتل تنبثق عنه حكومة فنية تقودها الكفاءات ، تكون مستقلة لا سياسية ، السياسة في البرلمان ، والادارة في الحكومة ، والكل يوحدهم الفيتو المتبادل ، فيتو البرلمان على اعمال الحكومة ، فيتو الكتلة على اراء الكتلة الاخرى .
ان المراد من وراء استقلال الحكومات هو التوجه نحو أعمال البناء والتطوير بعيدا عن تفاصيل معتقدات ومفاهيم الاحزاب والكتل ، إلا فيما يخص البرنامج الحكومي،
ان الفيتو المتبادل بين الكتل لم يكن على الإطلاق طيلة الاعوام السابقة يقوم على نقد برنامج ، بل كان على نقد سلوك سياسي او أثني او طائفي او عنصري ، بتعبير اخر البناء في واد والكتل في واد اخر ، لقد كانت تجربة قاسية ، لقد كانت ائتلافات النوايا المبيتة لا ائتلافات النوايا الحسنة ، لقد كانت ائتلافات التابعين للغير لا أئتلافات التابعين للوطن. لهذا فشلت التجربة وضاع معها البلد ، فالتوافقية المعمول بها في ماليزيا مثلا ، كانت وراء بناء دولة عظيمة،والحل هو ان تبتعد الكتل الفاشلة ، وتترك الساحة لمن هو قادر على قيادة العراق إلى بر الأمان ، وتحقيق أحلام الشباب في دولة العراق المستقلة المدنية الساعية للبناء لا للتالف الفاشل…