22 ديسمبر، 2024 5:53 م

الديمقراطية الامريكية والعودة الى الدكتاتورية

الديمقراطية الامريكية والعودة الى الدكتاتورية

هذه هي الحلقة الأخيرة عن الديمقراطية في العراق، لقد تبين ان الديمقراطية والفوضى وجهان لعملة واحدة، والاستبداد هو المرحلة الوسطى بين الديمقراطية السابقة والديمقراطية اللاحقة.
سبق ان استعرضنا في ثلاث مقالات حقيقة الديمقراطية التي صدرتها الولايات المتحدة الامريكية للعراق وتداعياتها الخطرة لما أفرزته من نتائج مخيبة للآمال تتعارض كليا مع مفهوم الديمقراطية، ربما تتجسد بمقولة جيف سيمونز” الطريقة الامريكية في التعامل مع العراقيين” أطلق النار من ثم اطرح اسئلتك”. (عراق المستقبل/53).
فهم بعض العراقيين ان الديمقراطية تعني تعدد الأحزاب ووسائل الاعلام كالصحف والفضائيات، متناسين ان البلد الذي جلب لهم الديمقراطية المزعومة فيه حزبين رئيسيين فقط هما الجمهوري والديمقراطي، وما تبقى من أحزاب عبارة عن أحزاب محدودة تقع على هامش هذين الحزبين، وهذا ما يقال عن الدول الديمقراطية العريقة كبريطانيا وفرنسا وغيرها، في حين سجلت مفوضية الانتخابات في العراق اكثر من (250) حزبا سياسيا، وبلغ عدد الصحف عامي 2003 و2004 ما يزيد عن (400) صحيفة، وسرعان ما شملها الجزر لتبلغ عشر هذا الرقم، ولم يلمس العراقيون الديمقراطية، بل تصاعد الطغيان والاستبداد القمع والاعتقالات بلا مذكرات قضائية، وبوشايات المخبر السري مبلغا كبيرا، وغالبية المعتقلين هم من أهل السنة، الحلقة الأضعف في العملية السياسية.
لم تحترم الولايات المتحدة الأمم المتحدة في غزو العراق، ذكر(فيرماج) استاذ القانون الدولي في جامعة يوتا الامريكية” ان الرئيس بوش يقود البلاد الى حرب غير دستورية كما انها تمثل خرقا للقانون الدولي واعتداء على حقوقنا المدنية وتهديدا أمنا القومي وتنهك معايير المنطق السليم”.(عراق المستقبل/21).
كما علق (روبرت جاكسون) عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة” ان حرب بوش ضد العراق تنتهك القانون الدولي وتمثل جريمة حرب”. (المصدر السابق). وقال عضو مجلس العموم (توم داليل) في تصريح نشرته الغارديان في 27 آذار 3200 عن بريطانيا حليفة الولايات المتحدة “ان السيد بلير مجرم حرب ويجب ان يساق الى محكمة لاهاي لأنه مستمر في دعمه للهجوم الامريكي على العراق دون موافقة الأمم المتحدة”.

تبريرات الاحتلال الأمريكي للعراق
شوهت الولايات المتحدة سياستها الخارجية عبر الذرائع التي روجتها لاحتلال العراق، فمرة تدعي بأن الحكومة العراقية لها علاقات بتنظيم القاعدة الإرهابي، ومرة بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل واخرى القضاء على الاستبداد وتحرير العراق من الدكتاتورية وإرساء القيم الديمقراطية. ولم تتمكن من تثبيت هذه المزاعم، بل كشفت المخابرات العراقية ان ابن لادن رفض التعاون مع العراق، لأنه يعتبره كافرا. شارك ريتشارد بيرل وكان رئيسا لمجلس تخطيط السياسة الدفاعية في الولايات المتحدة زميله دوغلاس فيث الرجل الثالث في البنتاغون في كتابة دراسة عام 1996 لرئيس وزراء الكيان الصهيوني اليميني المنتخب حديثا (بنيامين نتنياهو) تدعو لإسقاط نظام صدام حسين باعتباره هدفا استراتيجيا مهما للكيان الصهيوني على اعتبار إن مستقبل لعراق يمكن أن يؤثر في التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط تأثيرا عميقا.
أما موضوع الديمقراطية في العراق فقد تحدثنا في المقالين السابقين، ويمكن الرجوع اليهما. لذا سنتحدث عن ذريعتين أخيرتين وهما:

علاقة العراق بالإرهاب الدولي
ذكر المفكر نعوم تشومسكي في مقابلة له في شهر مارس 2015 بأن ” العنف الأمريكي زاد الطين بلة ونحن جميعًا على دراية بتلك الجرائم، التي ساعدت على بزوغ الكثير من القوى القاتلة والعنيفة، وداعش هي إحداها وأن استمرار الولايات المتحدة في سياساتها العسكرية لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة”. كما ذكرت صحيفة “ديلي ستار” 19/9/2012 أن النائب عن حزب الاحترام (جورج غالاوي) قوله “ان القوات البريطانية درّبت إرهابيي تنظيم القاعدة في المملكة المتحدة”. وأشارت الصحيفة إلى أن غالاوي ” يعتقد أن تنظيم القاعدة هو من صنع بريطانيا، وزعم في رسالة صوتية في موقع يوتيوب أن بريطانيا موّلت وسلّحت ودرّبت نشطاء الإرهاب لمحاربة الروس في عقد الثمانينيات من القرن الماضي”. ونسبت إلى النائب قوله ” إن تنظيم القاعدة ظهر في أفغانستان لأننا ساهمنا بإرساله إلى هناك، وسلّحنا وموّلنا مقاتليه وأسميناهم مناضلين من أجل الحرية”. بذلت الولايات المتحدة جهدا كبيرا لتضليل الرأي العام العالمي حول علاقة العراق بتنظيم القاعدة الإرهابي، ولكنها من خلال التحقيقات والاطلاع على الوثائق باءت محاولاتها بالفشل، أخيرا في شهر كانون الثاني من عام 2004 أعلن وزير الخارجية الأمريكي (كولن بأول) بأنه ” لم يرً دليلا ثابتا أو ملموسا أو حتى تلميحا يدعم تأكيدات إدارة بوش بوجود علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة”. كما ذكر (ريتشارد كلارك) وهو من كبار مسئولي مكافحة الإرهاب في ثلاث حكومات أمريكية متعاقبة معللا سبب استقالته عام 2002 ” إن سبب انتقادي الصارخ لسياسة الرئيس بوش هو أن غزو العراق قد زعزع حربه ضد الإرهاب”. (نيويورك تايمز 25/3/2004). وعلق الأمريكي (مايك برسنر) الذي قاتل في العراق ” قيل لنا أننا نحارب الإرهابيين لكني كنت أنا ذاك الإرهابي والإرهاب الفعلي هو احتلالنا”. نظن ان هذه الاعترافات كفيلة بكشف الحقيقة، وتفنيد الادعاءات الامريكية.

أسلحة التدمير الشامل
كانت هذه الحجة من الذرائع التي أشاعتها الولايات المتحدة لتبرير احتلال العراق، وكانت النتيجة مخيبة أيضا، في عام 2004 أعلن (Kenneth M. POLLACK ) عضو مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس كلينتون والمحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية ” عندما تواجه الولايات المتحدة تحديات في المستقبل فإن المبالغات التي ضخمت أسلحة الدمار الشامل في العراق سوف تخيم على المحادثات الدبلوماسية شبحا يقطر بشاعة”. ويخلص إلى القول بأن على أمريكا كي تستعيد ثقة العالم مجددا توجب عليها أن تدرك بأنها أخطأت وتعترف بخطئها وبالتالي تتلافى الطرق التي أوقعتها في هذا الخطأ”. في 24 ك 2/2004 بعد استقالة ديفيد كي (David Kay) من وظيفته كرئيس لجنة المفتشين في العراق فقد أعترف ” إننا كنا على خطأ في كل شيء تقريبا فيما يتعلق بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل”. كما ارسلت جمعية اصوات في البرية (VOICE IN THE WILDNESS) رسالة ساخرة الى الرئيس بوش جاء فيها ” لقد اكشفنا فعلا وجود اسلحة دمار شامل، فقد مات في العراق مئات الآلاف من الاطفال بسبب العقوبات التي تصر الولايات المتحدة على ابقائها”.
الحقيقة ان أسلحة التدمير الشامل هو ما تمثل في قول العقرب مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عندما سُئلت عن الحصار الأمريكي للعراق الذي تسبب في وفاة نصف مليون طفل حتى عام 1996 قالت بكل استهتار ولا مبالاة: ثمن كان من الضروري دفعه. أو ” أن الثمن يستأهل”:

حقيقة ما حدث
بعد احتلال العراق نتيجة لأكاذيب اشاعها الرئيس بوش الابن واركان نظامه التي وصلت الى (935) اكذوبة خلال الاعوام 2001 ـ 2003 كما ورد في تقرير مركز (من اجل السلامة العامة ومن اجل صحافة مستقلة)، امعنت سلطات الغزو وعملاؤها في تدمير العراق تدميرا شاملا بكل معنى التدمير الشامل، ولاحقت علماء واساتذة الجامعات العراقية لتصفيتهم. في حديث لجنرال فرنسي متقاعد يروي للتلفزيون الفرنسي القناة الخامسة في 8 نيسان 2004 ان أكثر من 150 جنديا اسرائيليا من وحدة الكوماندوس دخلوا العراق بمعرفة لجان التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق لاغتيال علماء العراق الذين يعملون في برنامج التسلح العراقي وكان عدد العلماء العراقيين المستهدفين 3500 عالم.
كما اعترف وزير الخارجية البريطاني الاسبق (ديفيد ميلباند) لصحيفة غارديان البريطانية في 28/5/2023 في مهرجان (هاي في ويلز) إن البعض” قد يرى ان الغرب منافق في موقفه المناهض للحرب في روسيا، ولذا فأنني اشعر بعميق الندم على قراري بدعم الغزو في العراق. ان الغزو والفترة التي احاطت بتلك الاحداث تسببت لاحقا بـضرر حقيقي للادعاءات الغربية بالدفاع عن القيم الانسانية للنظام الدولي والعدالة، فقد صوت للحرب، ودعمت موقف الحكومة، وليس هناك شك في ذهني حول مدى خطورة هذا الخطأ”.
الحقيقة المرة
ذكر روبرت فيسك في مقال نشر له في الاندبندنت/ لندن في 18 كانون الثاني عام2003 ” يعتقد كل عربي بأن البترول وحده يفسر حماسة بوش لغزو العراق وكذلك يعتقد الاسرائيليون وانا أيضا أعتقد ذلك “. وهذا ما ينفق مع كلمة نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني” الرئيس العراقي صدام حسين يتربع على 10% من احتياطات العالم من النفط” وكذلك قول الخبير النفطي ( Anthony Sampson ) بان ” شركات النفط تتوق شوقا للوصول الى العراق وتزداد رغبتها كلما زاد قلقها على سلامة امدادات النفط السعودي” جيف سيمونز- ص 324″ . وأشار (دان مورغان) في مقال نشره في صحيفة واشنطن بوس في19/9/2002 ” ان مصادر للمعارضة العراقية أكدت بأن إسقاط نظام صدام من شأنه فتح أبواب كنز هائل لشركات النفط الامريكية” وهذا ما أكده الجلبي” سيكون للشركات الامريكية نصيب كبير من النفط العراقي”. وهذا ما أكده (كنيث بولوك)، أحد مخططي السياسة الأمريكية بالقول: “الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1978 تعتمد على ضمان استمرار تدفق النفط، ومنع هيمنة القوى الأخرى على المنطقة، وضمان بقاء إسرائيل كدولة مستقلة، مع المحافظة على علاقات مستقرة مع الدول العربية المجاورة.”
من الطرف ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز في 2/1/3200 بأن ” خطة بوش لاحتلال العراق حددت هدفين هما الحفاظ على وحدة العراق وسلامته الاقليمية، ومنع أي تدخل خارجي سواء كان عسكري أو غير عسكري”، معتبرة ان ذلك تحذير لدول الجوار وخاصة إيران.
نسأل هل فعلا نجحت خطة بوش بالحفاظ على وحدة العراق وسلامته الإقليمية؟
أما الأعجب منه فهو تصريح السابق رئيس الوزراء الاسرائيلي (ايهود أولمرت) في مؤتمر صحفي خلال زيارته الى موسكو بتاريخ 13/2/2004 ” آمل أن تبقى علاقتنا التي كانت متميزة مع الزعماء العراقيين الجُدد الذين سبق وأن التقيت معهم شخصيا خلال زياراتي إلى أميركا وأوربا، وأنهم لن ينسوا ذلك بعد أن أصبحوا زعماء الآن”.
ما رأي رافضي التطبيع؟

علي الكاش