22 ديسمبر، 2024 10:30 م

الديانة الإبراهيمية، مقاربات في الترسيم والاستشراف

الديانة الإبراهيمية، مقاربات في الترسيم والاستشراف

– إشكالية إحياء الديانة الإبراهيمية بفاعلية الدبلوماسية الروحية.
– سؤالات: لماذا إبراهيم؟ لماذا إحياء الابراهيمية؟ لماذا الديانة العالمية؟ هل عاد التمازج السياسي الديني في إدامة الدولة؟ هل ستفقد الديانات الكبرى بريقها العالمي؟ ما سبب زيارة البابا الى أور وإقامة الصلاة؟
– إبراهيم أبو الأنبياء، وصاحب أقدم رحلة دينية لنشر قيم التوحيد من أور بابل الى الشام فمصر ثم الى مكة.
– إبراهيم في اليهودية هو أصل الديانة وأبو إسحاق، كما أنه هو الذي حصل- بمفهوم العهد القديم- على الوعد الإلهي بامتلاك الأرض من النهر إلى البحر، أما عند المسيحية فيمثل إبراهيم الأصل العرقي لـبني إسرائيل الذين خرج من بينهم المسيح عيسى من جهة أمه مريم. وأما في الإسلام فإبراهيم أبو إسماعيل وجد الرسول محمد، ويمثل قاعدة التوحيد والديانة الحنيفية، «ملَّة أبيكم إبراهيم».
كما أنا للصابئة لهم حصة في إبراهيم من خلال النبي يحيى، وأفادت من إبراهيم الديانات المشرقية مثل زرادشت في كتابه “أفستا”، بحسب بعض دراسات المستشرقين نقل الى الفرس القدماء وصايا ابراهيم الخليل. ذكر العهد القديم إبراهيم (ابرام) أكثر من أربعين مرة، وفي العهد الجديد (ابراهام) تزيد عن سبعين مرة، بينما في القرآن ورد إبراهيم ثلاثا وستين مرة.
الأسباب:
بعد فشل العولمة كحضارة من استيعاب الحضارات ولا سيما الدينية وإذابتها، بل على العكس شكلت العولمة تحفيزا لحفاظ الحضارات الدينية على وجودها. وبعد فشل أقطاب السياسة العالمية من تحقيق مخططاتها في الربيع العربي، وتأسيس كيانات دينية أصولية في المنطقة العربية؛ لتأهيل الدولة الدينية في إسرائيل.
إن الرسالة الظاهرة توكد أن “الأديان والمذاهب” هى السبب الرئيس لإشعال أشد الصراعات عنفاً على مر العصور؛ والسبب عدم تقبل الآخر بسبب عدم فهم نصوص ديانته.
المنهج والأدوات:
عماد “الديانة الإبراهيمية” مراكز بحثية ضخمة وغامضة، أطلق عليها اسم “مراكز الدبلوماسية الروحية”، ويعمل على تمويلها أبرز الجهات العالمية، مثل: الإتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأميركية.
منهج “مراكز الدبلوماسية الروحية” يتمثل في دعوة نخبة من رجال الأديان الإبراهيمية، للتحاور وإيجاد قيم عامة مشتركة بينها، مثل: المحبة، والتسامح، المساواة، والتعايش، وتقبل الآخر؛ ثم تشرع في بثها وخاصة بين الأجيال الجديدة.
دعوة ناعمة ملاكها: التنمية المستدامة و القضاء على الفقر والمرض وانهاء العنف وتحقيق السلام من خلال تقديم خدمات مباشرة للأهالى المتضررين فى أماكن النزاع، ليكون مدعاة لنشر الدين الجديد بشكل عملى بينهم.
الأهداف:
تستهدف الأجيال الجديدة من أجل غرس كره خفي للأديان التي يتبعونها، وخلق ميل إزاء اعتناق الدين الإبراهيمي الجديد. ولقد بدأت، بالفعل، “مراكز الدبلوماسية الروحية” بتوزيع كتيبات تنطوي على مجموعة من القيم السامية على المدارس الدولية (الإنترناشيونال)، والتي تشتهر برفضها لتدريس مادة الدين، وبدلاً منه تحرص على تدريس مجموعة من القيم العامة تعطى للطلاب في شكل كتيبات تغطي قيم الدين الإبراهيمي الجديد؛ بغرض إعداد أجيال تُقبل على اعتناق الدين العام العالمي. وعندئذِ تتحول المراكز البحثية إلى أماكن ومزارات مقدسة تحل محل المعبد والكنيسة والجامع.
– تصر إسرائيل على تسمية اتفاقها مع الإمارات باسم الاتفاق الإبراهيمي، كما أطلقت على صندوق التنمية الصندوق الإبراهيمي.
– ستفتتح الإمارات معبد الديانات الإبراهيمية الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية في أبوظبي العام المقبل. ليكون هذا المجمع الديني مكانا للتعلم والحوار والعبادة، وسيركز على التقريب بين الناس من جميع الأديان- بحسب السفير الاماراتي في روسيا.
زيارة البابا:
– في منتصف القرن العشرين نشط الحديث عن التعددية الدينية قال بها جون هيك، ومايكل كوك الذي قال بموت المسيحية موتاً نسبياً، إثرها بادرت الكنيسة في مجمعها البابوي عام 1965 الى الفرادة في إقرار التعددية الدينية.
– بعد كثرة الحديث عن الديانة الابراهيمية، جاءت بادر البابا- في آذار 2021- الى حج مقام إبراهيم في أور، وصلى فيه، ودعا المؤمنين الى الحج اليها، على انها قبلة المسيحيين ومركز عنايتهم.
الخلاصة:
– حاول الإنجليز نشر مذهب القاديانية (الأحمدية) في الهند، للتقريب بين الديانات الثلاثة، ثم ظهرت فرقة البهائية، وأصدروا كتابًا دينيًا خاصًا بهم، يتضمن مجموعة من التعاليم المشتركة بين الديانات السماوية الثلاث، وبرغم الدعم المقدم لهم من قبل إسرائيل وأمريكا، ووجود أهم محفلين للبهائيين في حيفا وأمريكا، فإن نسبة انتشارهم لا تذكر، فبرغم بقائهم فإن أتباعهم ما زالوا أقلية لا تأثير لهم.
– تعد الديانة الابراهيمية الجديدة مخاض حركة يهودية انجيلية سياسية ترعاها امريكا، ومن ثم أوربا. وهي على الرغم من مدخلاتها القيمية، فإن معطياتها توجب الشك والحذر لدى الأديان، لأنها تسلبها خصوصياتها الروحية، ولها آثار سياسية سلبية على المنطقة.
النتائج:
– إعادة صياغة التعاليم المشتركة بين الأديان السماوية الثلاثة، ونبذ مواطن الاختلاف بينها، ووضعها فى قالب جديد يسمى الدين الإبراهيمي، لتجريد الديانات من خصوصياتها. إذ إن مساحة التشابه مهما كانت كبيرة بين الأديان وحتى المذاهب فإنها تركز على نقاط اختلافها، لأن الأسئلة الأساسية التي طرحتها هي أسئلة مختلفة، وكل منها خرج في نهاية المطاف بإجابات مختلفة، وممارسات مختلفة، ووسائل فكرية وعقائدية مختلفة.
– ثمة ما يدعو الى أن الأديان والمذاهب ستحفز نفسها وتكرس أدواتها لمواجهة أي جديد يحدث تغييرا في مفاهيمها العقدية والطقوسية.
– إن لقاء القطبين الدينيين الأكبرين في العالم: البابا فرنسيس والإمام السيستاني جاء تدعيما للفكر الديني المحض وأثره القيمي في النفس البشرية.
– إن الخطاب الذي صدر عن مكتب المرجع الأكبر يرفض محاولات السياسة العالمية للتدخل في تقرير الشعوب لمصيرها، ويؤكد على القيم الإنسانية، ويرمز الى عزم الإسلام على مقاومة محاولات تغيير الخارطة الدينية التي تضطلع بها اليهودية والانجيلية والسياسة الأمريكية.
أ. د. صادق المخزومي
مؤسسة أديان للثقافة والحوار