19 ديسمبر، 2024 1:18 ص

الدولة ومغارة علي بابا !!

الدولة ومغارة علي بابا !!

تتشعب التفسيرات، والطروحات النظرية حول نشأة الدولة كمفهوم سياسي تنظيمي، لِتَخضَع نتائج البحث المعمق الى التحليل الفلسفي لطبيعة الانسان وعلاقته بالمجتمع، ويتعقد البعد التحليلي لنشأة الدولة عندما تنعدم تقريبا” المصادر التاريخية لنشأة الدولة الاولى في الجماعات البشرية. فعندما يعرف جون لوك الانسان بأنه ذا طبيعة اجتماعيه، وأن فطرته الاولى لا تكفيه ليعيش حياة سعيدة مع الاخرين من دون تنظيم سياسي يحمي حقوقه، فنشأت الدولة عند لوك بدأت بنشأة العقد الاجتماعي، حيث ان المجتمع الانساني عند لوك بلغ ذروة النضج السياسي عندما اخضع سلطة الحاكم لحكم الشعب. ولكن في زمن ابن خلدون لم ينضج البعد الانساني ليتحقق التعاقد العام بين الفرد والجماعة، فكانت الدولة في نشأتها نتاج القوه و الغليه, فمنطق الصراع يبرر سلطة الغالب على المغلوب فنشأة الدول كتعبير حقيقي عن  الارتباط العضوي بين  الدولة والانسان فالدولة تبدأ وتكبر وتنتهي مثل ولادة وموت الانسان. وعندما كان الانسان انانيا” بطبعه ميالا” للتسلط عند توماس هوبر كانت الدولة هي نتاج للحاجة الطبيعية لمواجهة الفوضى، فنشا العقد الاجتماعي بين الافراد وقائد يتعهد بحماية ممتلكاتهم مقابل التنازل عن الحقوق الطبيعية. اما عند جان جاك روسو فكان ظهور الدولة لديه تعليلا” لظهور مفهوم الملكية الخاصة، فالإنسان قبل الصناعة والتعقيد الإداري لم يكن في حالة صراع توجب التنازل عن بعض الحقوق لسلطة ما، وهذا التفسير ليس بعيدا” عما يراه كارل ماركس في صراع الطبقات، ولكن الاختلاف فقط حول علّيّة تملك ادوات الانتاج وكلاهما يدور في فلك تحليل القوة والغلبة لصراع ونشأة مفهوم الدولة.
أي ايدلوجيا ظهرت عبر التاريخ لا تخلو من مفهومها الخاص للدولة رغم ظهورها قبل جميع هذه الايديولوجيات. حتى الفلسفة، اذ لم يفارق فيلسوف معبد الفكر دون ان يترك رؤيته الذاتية في الدولة. فظهرت مفاهيم الدولة التعاقدية والثيوقراطية والملكية وغيرها. وتنوع مصدر السلطة في الدولة فمرة يكون الشعب مصدر السلطة ومرة يكون الله مصدر السلطة كما قال معاوية (الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي، وما تركته كان جائزا إلي) او يكون العشيرة ورابطة الدم هو مصدر السلطة للدولة كما قال لويس الرابع عشر (انا الدولة والدولة انا). فجميع التعريفات والتوصيفات لا تخرج عن ان الدولة هي بقعه جغرافية فيها شعب وفيها سلطه تحكمها أي أنها شعب وارض ونظام سياسي.
ظهرت الدولة السياسية في الوطن العربي ككيان مموه غير محدد الملامح لأنه اما تكوَّن نتيجة الانقلابات العسكرية او نتيجة صراع مرير بين الطبقة الثرية المتنعمة العميلة لشركات الاستثمارية الأجنبية وبين الطبقات الفقيرة، فاستخدمها الاغنياء لكبح الفقراء والجياع، فأنشأت الطبقة البرجوازية أجهزه استخباريه ووزارات امنيه استخدمتها لتمرير القوانين والدساتير الظالمة بحق الشعوب. فتحولت الدولة الى منظمه ارهابيه تنظم العنف ضد الطبقات الاضعف، بمعنى تحولت الدولة عند العرب الى عقده حقيقيه للتناقض بين المفاهيم الإسلامية والسلوك، وانعكاس لطبيعة ترسبات التاريخ في اللاشعور الجمعي في انعدام الرحمة، وخشونة المعاملة والتمايز الطبقي وغياب المسؤولية التاريخية.
بلوَرَ الصراع التقليدي بين المواطن والدولة في العراق مشكله اجتماعيه خطيره هي ظاهرة السلب والنهب للممتلكات العامة، فما ان تضعف الدولة في مكان ما حتى تتحول رزانة المجتمع الى جنون مطبق في التخريب والحرق والنهب. بحيث أصبح أسم علي بابا أشهر من اسماء الرموز الوطنية ورجالات العلم في البلد. حفز الامريكان العراقيين في 1991 و 2003 في التعبير عن حريتهم في نهب الدولة والمتحف الوطني والممتلكات العامة، وضاع تراث بغداد مرة” ثانيه مثلما ضاع عندما احرقها هولاكو ليثبتوا للعالم بأن مدينة السندباد لا تختلف عن أي مدينة أخرى يسكنها اللصوص. ويبدو ان علي بابا لن يغادر بغداد قريبا مادام اللصوص الكبار يطعمون اولاده كراهية الدولة وقصص عفاريت الحروب المذهبية.