23 ديسمبر، 2024 8:06 ص

عندما تستأثر قوة وهيمنة السيادة والتسلَط على رقاب المجتمع ويتم تغييب المواطنة فان آلية الاستبداد تكون هي الحالة الطاغية لقيادة الأمة بكل تنوعاتها وفِي تعريف بسيط لسلطة الاستبداد هو الحكم الذي يقوم على التفرّد بالسلطة المطلقة بكل جوانبها التنفيذية والتشريعية لقيادة البلد ولذلك تجد هكذا حاكم لا يقبل ان يشاركه احد في القرار او حتى يسمح بإبداء الرأي وهو ما وصف بممارسة الاستبداد خارج أُطر القانون المفترض في هذه الدولة او تلك.

يقول الفيلسوف جون لوك في الحكم المدني (( الاستبداد هو ممارسة للسلطة لا تستند لأي حق٬ وهو يقوم على استخدام امرئ للسلطة من أجل مصلحته الخاصة لا من أجل خير المحكومين )) وهنا ليست الدعوة الى الحكم المدني في المنظور المتحقق وانما هي رسالة إنسانية الى كل الحاكمين خصوصا في دولنا العربية الاسلامية لأننا لا نتوقف عند الرأي فنحن نمتلك نموذجا للحكم العادل اذا توقفنا عنده فربما يكون افضل بكثير مما طرحه لوك في نموذجه ، فلدينا الامام علي ع الحاكم العادل بالمطلق لانه يحكم بارادة العدل الالهي تطبيقا لكل حرف في القرآن الكريم وهو النموذج الموغل في عدالة السماء ولذلك وجدنا ان عدالته زرعت في نفوس اعدائه الحقد والتآمر عليه لان الفاسدين يريدون الدنيا ولن يسمح لهم ولأيديهم السارقة او المتجاوزة الوصول الى بيت المال لعامة المسلمين فهو لم ولن يجامل على حدود الله تعالى وخير دليل حينما جاءه أخيه عقيل طالبا الزيادة في العطاء من بيت مال المسلمين فأمر بأن يحمي له جمرة ليضعها بيده تعبيرا على ان ذلك تجاوزا صارخا وسرقة للمال العام دون حق وهو في ذات الوقت درسا حقيقيا لكل الأجيال التي تصل الى سدة الحكم بأن يتحلوا بتلك الأخلاق والصفات النوعية للحاكم العادل بين الرعية مهما اختلفت اثنياتهم او دياناتهم فلكل مواطن حق من هذا المال في اطار الدولة ومسمى

المواطن فيه وهو ما كان يفعله علي ابن ابي طالب ع مع الرعية من غير المسلمين عندما يعطيهم حقوقهم من المال للعيش وفقا لقوله ( الناس صنفان إما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) وهي مقولة خالدة على مر التاريخ طبق فيها حقوق الانسان العالمية قبل ان تتشكَّل تلك الامم والمحافل الدولية لرعاية حقوق الانسان.

وفي وقفة مع الانسان الفذ والراقي جدا الأديب جورج جرداق صاحب الكتاب القيّم “” علي صوت العدالة الانسانية “” نجد الكثير من هذه المعايير ، وهو مؤلف مسيحي حمل بين جنبات فكره وامتلأ عقله الثقافي بحب إنسانية علي ابن ابي طالب مقارنا بذلك بين حكمه وكل الحكومات التي حكمت الدول الاسلامية على اقل تقدير وليس بعيدا حتى عن حكومات الغرب تاريخيا :: هذا الرجل الأديب الذي التقيته في بيروت حين كنت أعيش هناك وفِي احد المؤتمرات سؤالي له كان بسيطا وكلاسيكيا لماذا اخترت علي بن ابي طالب نموذجا لقرائتك في الحكم العادل على نحو الانسانية فقال مرددا بعض أقوال امير المؤمنين ع ومنها.

((لا تقسروا اولادكم على اخلاقكم فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم

(من تعادل يوماه فهو مغبون)

ثم قال لي ان هناك القليل جدا في أوساط عظماء التاريخ من لديه التطبيق الحرفي لمقولته الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق وتركيزي بأن كل إنسان هو نظير في الخلق اي ان الناس أسوة في منظور الامام علي.

هذه المفردات وجدتها في كتابه وهو يحلق في سماء الثورات العربية تحديدا وأقصد هنا الثورات القديمة وليس ما يعرف بالربيع العربي حيث يقول ( ثم إن لِما انبثق من وجود علي قصة في تاريخنا ذات فصول عجاب ! قصة تناولت خطوطها الكبرى من شموخ علي ومن صموده وراحت تنسج حوادثها أيدي الزمان انها قصة الثورة التي عاشها العالم العربي خلال عصور قاتمات تناهى سوء حالها في الاستئثار والامتهان وطغيان ليالي الاستبداد الرهيب

فلا قوي فيها – بمقياس قوة البهيمة- الا وهو سيد مُطاع ينكّل ويقتل وينهب ويسطو ويضرب الخلق بالترويع)

هذا الصفات بالفعل المنجز نعم انها موجودة وهي تشخيص حاذق من قبل جرداق وتستوجب خيار الحصول على الحرية والحقوق الى اخر حرف فيها وبذلك تستوجب قيام الثورات وردع اي متسلّط يحكم العباد بالحديد والنار وفرض الهيمنة الاستبدادية عليهم وقد شهدنا الثورات التي حصلت عفويا في بلاد العرب وسبقها لذلك الثورات المتعددة في العراق على نظام حكم فاسد قاس إجرامي مثل نظام البعث وبسببه ذهب الآلاف من الشهداء وسط تغييب الكثير منهم في السجون او تحت الارض ولعل الانتفاضة الشعبانية كانت دليلا صارخا على المطالبة بالعدالة عند حكم الرعية فليس منطقيا ان يتم استقدام جاهل مجرم وفاسد ليحكم ابناء منطقة اخرى كي يقيم عليهم حفلات الموت المجاني والإعدامات كما هو الحال مثلا مع مجرم مثل علي حسن المجيد وهناك أمثلة اخرى.

ما اود قوله هنا هو العودة الى صوت علي ع في طاعته والامتثال لقوله بأن يكون الانسان نظير لي في الخلق مع ما لدينا من تعددية إثنية ودينية في العراق تستوجب ردم الفرقة والتناحر وعدم السماح لأي شخص التفرد في حكم الآخرين بعيدا عن مشاركة الجميع وما اعتقده اليوم في العراق نمتلك مساحة كبيرة جدا من حرية الاختيار للأفراد الحاكمين دون تدخل من هذا الطرف او ذاك ليصار الى نظام خالٍ من القهر والاستبداد وتنظيف المجتمع من ثقافة العداء المذهبي والطائفي والعرقي والديني خصوصا بعد تحرير العراق من تنظيم داعش الإرهابي وما زرعه من أفكار ظلامية في أوساط الناس وبالذات البسطاء منهم والقيام بالمصالحة المجتمعية وطرح الأفكار التي تنحصر في اطار المواطنة والانتماء للوطن وليس للدين او القومية مع الاعتزاز بكل منهما سواء كان الانتماء لمفهوم الدين او تبعية القومية.

(الغاية التي أنشئت من أجلها الدولة هي الخير المشترك) جون جاك روسو

(اخترع الناس الدولة لكي لا يطيعوا الناس) ج. بيردو

(إن غاية الدولة في الواقع هي الحرية)

(إن غاية الديمقراطية و مبدؤها هو تخليص الناس من سيطرة الشهوة العمياء والإبقاء عليهم بقدر الإمكان في حدود العقل بحيث يعيشون في وئام وسلام) سبينوزا