محطات عند الطفوف
وانا انتهي من كتابي الواقع في جزئين (الدولة جدلية الحاكم والمحكوم) في (6/12/) المصادف (9/محرم) وجدت أن العلاقة متحققة بين مقالات الكتاب وواقعة الطف وكانت هناك رغبة تحدوني وماتزال منذ اكثر من شهرين في ان انشر الجزء الكبير من مقالاتي التي تتعلق أو ترتبط بـ (الدولة، الدستور، القوى السياسية، الحكومة، البرلمان، القضاء وعلاقة الحكام بالمحكومين…الخ) في المواقع الالكترونية التي اصبحت اكثر انتشاراً في العصر الحديث من اللجوء الى كتاب او كتيب لقراءته أو غيره من الاصدارات. فكانت البداية مع (المحكومين وأوامر الحاكم) فقيادة السبط، نجل البتول لعائلته بوجهته الى العراق تشكل عندي ربما بداية طيبة لاعادة شحن الذاكرة من جديد ودائماً الى تقويم العلاقة بين الحكام والمحكومين بوضع ضوابط التوازن لكي لايطفى الانسان (الحاكم) كما اكده له الباري عزوجل ” إن الانسان ليطغى ” فالطغيان ظاهرة ملازمة للانسان (المخلوق) فكيف اذا كان هذا الانسان يمسك زمام امور الرعية والاموال والقوات المسلحة ومصالح العباد بالتاكيد نحن بحاجة الى عدد كبير من المحطات لخلق التوازن والسير بالحياة لبني البشر جميعاً بعيداً عن الطغيان والظلم والتفرد والدكتاتورية والنظر بعلوية الى افراد الشعب واستخدام البشر ضد البشر لتحقيق مكاسب آنية مدمرة للحياة الاجتماعية التي تنشر السلم الاهلي والعدل والحرية. مع الايضاح انني لاأقر ابتداءً ان الحسين (ع) محكوم قبالة يزيد حاكماً على كافةالمستويات التي سترد في المحطات في منطلق ان طغيان الانسان الفرد ينعكس عليه وبالكثير على عائلته لكن طغيان الحاكم بالتاكيد يؤذي امة باكملها.
محطة رقم (1):-
عام (61) للهجرة ينحرف نظام الحكم الاسلامي انحرافاً غير مسبوق في توريث الابن بعد الاب في الحكومة الاسلامية وبهذا التصرف تم تجاوز كافة النظريات والفتاوى والاسس والاتفاقات والعهود التي وضعها الاسلام لنظام الحكم لاسيما مع يزيد الذي يتقاطع كثيرا مع الفكر الاسلامي بل ربما يعمل بالضد تماماً من السلوك الذي اراده الباري عزوجل في كتابه الكريم الذي نقل الى الامين.
محطة رقم (2):-
ان سلوك (المبعوث) سنتين (قولية وفعلية) ما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا و ان حلال محمد(ص) حلال الى يوم الدين وحرام محمد (ص) حرام الى يوم الدين. محمد صلى الله عليه واله وسلم أسس المدرسة المحمدية بأدب رباني (ادبني ربي فاحسن تاديبي). الحسن والحسين عليهما السلام كانا قريبين جدا من هذه المدرسة بل نتاج المدرسة المحمدية في الفكر والسلوك حتى اللعب الطفولي كان بالقرب من محمد (ص) وكان يقبل الحسن (ع) من فمه والحسين (ع) من رقبته وعندما يسال يقول الحسن يموت من فمه والحسين من رقبته فكان السم وكانت سيوف جيش يزيد. هذا هو جد الامام الحسين (ع) فمن له جد كجد الحسين (ع). لايذكر اسم الباري جل شانه إلا ومحمد (ص) تالياً بالذكر له وكان يتعبونه أهل مكة (بسبب النزاع على السلطة) (الحكم) ويهاجر الى المدينة. قلائل الافراد الذين هاجروا معه لكن (المبعوث) يصبح أمة تتزايد اعدادها على مر العصور وان ” من لم يصلي عليكم لا صلاة له “.
محطة رقم (3):-
اذا كان من حق كل انسان ان يفخر بابويه، فالفخار عند الامام الحسين (ع) له شكل اخر بالتاكيد فوالده علي ابن ابي طالب قائد الغر المحجلين وأمه فاطمة الزهراء البتول بضعة الرسول وسيدة نساء العالمين.
ولعلي (ع) مواقف كثيرة اولها ان لعلي ولادة خاصة في الكعبة المشرفة فريدة في نوعها عندما تقترن باسم علي فالولادة والاسم كانت العلامة الفارقة مميزة وغير متكررة. السبق الى الاسلام وهو يافع. ايمانه وتقواه وشجاعته وحبه لرسول الله وسيفه المميز (ذوالفقار) حتى قيل شيد الاسلام باموال خديجة وسيف علي. عدد كبير من المسلمين جنحوا عن الفكر الاسلامي لكثرة حبهم لعلي حتى قال (ع): (ماعجبت من شيء الا من نفسي ناس تعبدني واخرى تفضل معاوية علي).
علي (ع) ووقفة بطوله مع احد شجعان العرب عمر بن ود العامري فالمبارزة عند العرب لا تبدأ الا بعد ان يتكافأ المتبارزان وفي معركة الخندق عمر بن ود يتحدى جيش محمد للمبارزة فينهض علي فيجلسه الرسول لصغر سنه. يعيدها عمر وينهض علي ثانية ويجلسه الامين (ص) وفي الثالثة علي متحدياً يقول عمر بن ود العامري واثقاً اكره مبارزتك يا علي لانني اريد ان احفظ علاقتي بأبيك (واثق من النصر) فيجيبه علي وانا لا أحب هذه العلاقة وتبدأ المبارزة فيرديه علي قتيلا ويجلس على صدره ثم ينهض والجموع تراقب يجول في ارض المعركة ثم يجلس على صدره ثانية ويحتز راسه ويسال لماذا في الثانية وليس في الاولى. يجيب لكي يكون الثأر لله سبحانه وتعالى وليس لنفسي واللبيب بالتاكيد يعرفها
وأمه فاطمة الزهراء البتول.
الرسول (ص) يقول فاطمة بضعة مني من اذاها فقد اذاني ومن اذاني فقد اذى الله. وفاطمة ام ابيها .
في النزع الاخير تقول لعلي (ع) في وصيتها :-
يا علي غسلني وكفني في ثيابي فانني طاهرة مطهرة وادفني ليلا لكي لايراني احد وتزوج من بنت اختي (فاختة) هي ترعى الحسنين (ع) الواثقة من نفسها في الطهر والعفاف والشرف بضعة الرسول وسيدة نساء العالمين وواحدة من اصحاب الكساء تدعو زوجها الى تغسيلها بثيابها والدفن ليلا لكي لايراها احد وهي على فراش الموت لاتنسى رعاية الحسنين (سيدي شباب اهل الجنة) وريحانة رسول الله في زواج علي بعد وفاتها.
فهذا هو جد الحسين الرسول الامين وهاذين هما الابوين علي وفاطمة خوالد في خوالد فمن له هذا النسب على وجه الارض.
محطة رقم (4):-
الفكر الاسلامي الرصين لاخر الرسالات السماوية الى الارض يلعب بها او يتصرف بها (الحاكم) على رغبته وهواه وهو مارق لايفقه من الاسلام شيء او يفقه ويتصرف خلاف احكام الاسلام وقواعده واسسه (الفكرية والتربوية) وهذا بالتاكيد يدعو الى عدم السكوت عن المحكومين فكيف بالحسين الذي اوجز خروجه الى العراق عام (61) للهجرة من محرم الحرام (ماخرجت اشراً ولابطراً ولامفسداً ولاظالماً وانما طالباً الاصلاح في امة جدي) وزحف بالعائلة الكريمة حتى الطفل الرضيع (عبدالله) وهذا امر يثير الكثير من الاسئلة بالنسبة لنا كعوام لكن السبط الذي يريد الحفاظ على رسالة جده له رأي في الخروج. ان تطور الامور الاسلامية من معاوية في مسالة (الصلح مع الامام الحسن) الى يزيد يعني انتهاء الرسالة الاسلامية وتنفيذ الامر الواقع من قبل معاوية. البداية لم تكن مع يزيد لكنها التطور الخطير لنكث العهود من قبل معاوية ان رفض البيعة من قبل الحسين (ع) كانت البداية الايمانية وايقاف تدهور ومجريات (نظام الحكم الاسلامي) لانها خروج على كافة السنن التي جاء بها دين محمد. رفض البيعة ثم القتال المر غيرالمتكافئ بين الجيش الحسيني والجيش اليزيدي.
محطة رقم 5:-
الامام الحسين (ع) يقود جيشه وحامل الراية اخيه العباس. يتالف الجيش من 32 فارسا و40 راجلا والعدد 72 فقط. اما جيش يزيد فيقوده عمر بن سعد بن ابي وقاص. قوامه 30،000 ثلاثون الف مقاتل. عمر بن الحجاج كان على الميمنة وشمر بن ذي الجوشن كان على الميسرة وعروة بن قيس كان على الخيول. قبل ان تبدا المعركة لجأ جيش ابن زياد الى منع الماء عن الحسين واصحابه فلبثوا اياما يعانون العطش ثم بدا رماة الجيش الاموي اليزيدي يمطرون الحسين واصحابه بوابل من السهام. وكان العباس قد توجه الى نهر (العلقمي) لجلب الماء الى الاطفال والنساء. هناك وعند الماء تقطع يدي العباس وبعد برهة السهام تتوجه الى (القربة) فتربق الماء. هكذا تكون الاخلاق. اول الخارجين على جيش يزيد كان الحر الرياحي وقد حاصر جيش الحسين في البداية. والحسين يامر اصحابه باعطاء جيش الحر الرياحي الماء والخيول بواسطة الاواني التي نقلت مع ركب الامام الحسين. قارن بين الموقفين (موقف الحسين وموقف جيش يزيد). يسقط الامام الحسين وكانت خيل (الاعوجي) تمشي وتسير على جسده الشريف وكان ذلك في يوم الجمعة من عاشوراء المحرم احدى وستين للهجرة وله من العمر (56) عاماً ولم ينج من المعركة الا علي بن الحسين فحفظ النسل بعد ابيه.
محطة رقم 6:-
القتال عند العرب كما تقرا ذلك في الكتب دائما يكون رجلاً لرجل وأن لايقاتل الأعزل، فما شان الخيام لكي تحرق وما ذنب الاطفال لكي تسبى وهل من المروءة العربية او الاخلاق الاسلامية التي يحملها جيش يزيد ان تروع النساء. وهل حصل في تاريخ العرب ان تنصرف السرقة الى قطع الاصبع لسرقة (الخاتم) الذي كان يلبسه الحسين وهل للملابس التي كان يرتديها الامام علاقة بالمعركة وهل استطاعوا ذلك في حياته وقبل شهادته وهو القائل (والله لاأعطيكم بيدي اعطاء الذليل) و(هيهات منا الذلة) وهو الذي يؤكد لن انزل على حكم (الدعي بن الدعي) وقد اطّرها بذكر دين جده محمد (ان كان دين محمد لايستقيم الا بقتلي فيا سيوف خذيني) وهو صادق في كل ما قاله.
محطة رقم 7:-
اذا كانت معركة الطفوف قد انتهت باستشهاد الامام الحسين فلماذا تحمل الرؤوس على الرماح من ارض الطفوف في كربلاء الى الشام؟ ولماذا تسير خلفها جيش النساء الهاشميات المحمديات بنات فاطمة؟ هل هي اعراف جديدة في القتال العربي ـ الاسلامي؟ وهل نجاة عليل كربلاء (علي بن الحسين) محض صدفة. لولا المرض لكان من بين الشهداء وهو على الحالتين من الفائزين لكنه يبقى راعيا وحافظا ومستمرا في عطاء الرسالة الحقة والدين القويم ام هي مصادفة؟ ام ارادة ربانية؟ لماذا يجري نكران ذلك وتتكلم الروايات عن دفن الراس في الشام او عسقلان او القاهرة او المدينة علما ان الراس الشريف حمل الى كربلاء ودفن مع الجسد الشريف في كربلاء ويطلق على هذه الواقعة (مرد الرؤوس) يحتفل بها بأسى اليم كل عام. هل الرواة ادق من ال البيت حملةالرؤوس؟
محطة رقم 8:-
دور بارز للخطابة ومن خلال الحوراء زينب بنت علي في دار يزيد وهي التي بدأت الخطابة بالعديد من الايات القرانية وقد ذكرت بموقف سابق للرسول ونتذكرها دائما وهي القائلة (الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله واله اجمعين. صدق الله سبحانه حيث يقول “ثم كان عاقبة الذين اساؤو السوء كذبوا بايات الله وكانوا بها يستهزؤون” ).
وقالت في خطبتها: امن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حراؤرك وآماؤوك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن… الخ.
انما ارادت ان تذكّر زينب ان ابي سفيان ومعاوية عندما وقعا في الاسر قرر الرسول اطلاقهما لهذا قالت يا ابن الطلقاء لكي تقارن بين الموقفين. محمد جد الحسين يطلق الاسارى من الرجال ويزيد يتمسك بسبي الاسارى من النساء قارن بين الموقفين .
خطبة علي بن الحسين:-
لم يكن سهلا على علي ان يصعد المنبر لمعارضة يزيد لذلك خوفا من كشف الكثير من الامور التي اغفلها عن اهالي الشام. لهذا طلب ممن الخطيب العائد له ان يخطب فبعد ان صعد الاعواد حمد الله واثنى عليه ثم اكثر الوقيعة في علي والحسين واطنب في تفريط معاوية ويزيد فذكرهما بكل جميل فصاح به عليا ويحك ايها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق..
اما الخطبة التي بدئها بعد الاذن له:-
ايها الناس اعطينا ستا وفضلنا بسبع. اعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين وفضلنا بسبع بان منا النبي المختار محمد ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا اسد الله واسد رسوله ومنا سبطا هذه الامة.
من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني انبأته بحسبي ونسبي.
ايها الناس انا ابن مكة ومنى، انا ابن زمزم والصفا، انا ابن من حمل الركن باطراف الرداء، انا ابن خير من ائتزر وارتدى، انا ابن خير من انتعل واحتفى انا ابن خير من طاف وسعى، انا ابن خير من حج ولبي، انا ابن من حمل على البراق في الهواء، انا ابن من اسري من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى، انا ابن من بلغ بـ جبرئيل الى سدرة المنتهى، انا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى، انا ابن من صلى بملائكة السماء، انا ابن من اوحي اليه الجليل ما اوحى. انا ابن محمد المصطفى، انا ابن علي المرتضى، انا ابن ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا اله الا الله، انا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين، انا ابن صالح المؤمنين، ووارث المؤمنين وقامع الملحدين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وزين العابدين وتاج البكائين وآصبر الصابرين وافضل القائمين من ال ياسين رسول رب العالمين. انا ابن المؤيد بجبرئيل المنصور بميكائيل، انا ابن الحامي عن حرم المسلمين، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين، انا ابن فاطمة الزهراء، انا ابن سيدة النساء… الخ.
هذه الخطبة مع خطبة زينب بنت علي كانت كفيلة بايقاظ الغفلة عن اهل الشام اوهمهم يزيد ان هؤلاء خوارج كما ورد في الروايات وجملة من الاسئلة تطرح في هذا المجال:-
1- هذه عائلة ال محمد اوضحتها زينب وعلي.
2- من انت يا يزيد قبالة عائلة ال الرسول.
3- لماذا تحمل الرؤوس من كربلاء الى الشام.
4- لماذا تسبى النساء الهاشميات وهذا هو تاريخ العائلة.
محطة رقم 9:-
عشرة ايام من كل عام والمؤمنون مع القصة الكاملة لشهادة الحسين واهل بيته واصحابه (مقتل الحسين والجموع تنادي ياليتنا كنا معكم) وهم يذرفون الدموع ويضربون الصدور ويستذكرون الاذى الذي حل بال الرسول الذي لم يطلب اجراً لرسالته ودعوته وجهاده الا المودة في القربى وان اجره عند الله رب العالمين فكيف كانت الوديعة وكيف كان الوفاء لال الرسول؟
منافق من قال في البكاء عليه خرافة
ان المصيبة ادمعت جبريلا
فما قام به يزيد وجيشه يتقاطع تماما مع وصية المصطفى.
محطة اخيرة:-
يتضح تماما ان الطف والمعارك التي دارت عليها لايمكن اعتبارها (معارك عسكرية) لكي نقول انتصر جيش يزيد وخسر جيش الحسين وهذا يتبين من عدد جيش يزيد الى جيش الحسين 30،000 الى 72 مع الفارق في العدد والتجهيزات والماء والحكم الذي يسيطر عليه يزيد سواء كان ذلك في الشام ام في الكوفة لكن بالامكان القول ان المعركة سجلت بامتياز (ثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف) ونذكر ان تاريخها 10 محرم سنة 61 للهجرة الموافق 12 اكتوبر 680 م.
(كل انسان يكتب ما يريد بقلمه الا الحسين فقد كتب ما يريد بدمه).
تابعونا في جدلية العلاقة بين الحاكم والمحكوم.