يستذكر العالم بحزن وأحيانا بفرح تفكك العديد من الدول المتعددة الثقافات أو الانتماءات والاتجاهات
(تيتو يوغسلافيا السابقة,الإمبراطورية العثمانية, الاتحاد السوفيتي السابق,جيكسلوفاكيا-الصومال,السودان,الخ.),وينظر بغرابة وعجب إلى دول الاتحاد الأوربي,الذي حمل تأريخها أسوء حربين عالميتين مدمرتين في العصور الحديثة,ويرغب العرب والمسلمين عموما برؤية اتحاد عربي أو إسلامي حقيقي يرى النور على الأقل في المستقبل البعيد!
يتفق الجميع بأن مراحل الانهيار يسبقها عدة أمور وأحداث ومتغيرات أو انهيارات سياسية واقتصادية وحتى عسكرية,ومن جملة الأسباب المباشرة التي تقود إلى الفوضى ,والموضوعة على طاولة نقد البناء للمراحل السياسية المختلفة لاي دولة,تمر بشكل جوهري وجذري على طريقة الأداء السياسي للحكومات المتعاقبة,وإشكالية التوجهات والانجازات ,وانتشار ثقافة وسيادة سلطة الرأي أو الفرد أو الحزب الواحد,
لكن البعض يجعلها سببا مقبولا للحفاظ على الدولة وهيبتها وحمايتها من الانهيار,والآخرين يعدونها حجة وذريعة رخيصة للدفاع عن المصالح والمنافع الفئوية أو الاثنية أو الشخصية ,التي كانت مفتوحة للجهات الداعمة لهذا النظام أو ذاك,
وأكثر تلك الأنظمة التي تسببت بشق صف الرأي العام العربي وحتى الرسمي,وأدخلته في حيرة من أمرها ,وتركت بصمات وأثار وإبعاد اخلاقية و طائفية مقلقة على المدى البعيد,وحملت في طياتها مواقف متذبذبة , أشرت بوضوح حول صعوبة اتخاذ القرار بالتأييد أو الرفض المطلق له ولمعارضته,
هو النظام السوري:من جهة تعتبر سوريا الموطن الأخير للفكر العربي القومي الرسمي,وملاذ امن للحركات والأفكار والجماعات والأحزاب والمعارضة للتطبيع العربي الإسرائيلي,ومنبع الثقافة القومية العربية,لها الفضل والتأثير والريادة في انبثاق اغلب الأحزاب العربية القومية التي ناضلت ضد الوجود الاستعماري أو الحكومات العميلة لها,
وأثبتت الوقائع والإحداث إن موقع الرئيس الأسد الأب من الحرب العراقية الإيرانية عام 1980,وانضمامه إلى حرب تحرير الكويت عام 1991,ورفض الرئيس الاسد الابن دعم أو تأييد حرب إسقاط النظام العراقي 2003,والانتعاش الاقتصادي السوري,واستقرار عملتها وأسواقها قبل الحرب الطائفية,
هذا فضلا عن الدعم اللوجستي المادي والنفسي والعسكري لحركات المقاومة اللبنانية(وحزب العمل الكردستاني),دليل على إن هذه العائلة أو الأسرة الحاكمة لم تكن خارج الإطار العربي الشعبي الرافض للغة الخنوع والرضوخ والاستسلام, التي تعاملت به بقية الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني إبان حروب الجبهات الأربع وما بعدها(مصر ,فلسطين ,الأردن, سوريا),
ولكن تبقى مسألة تأييد الأنظمة الشمولية لأي سبب كان مسألة لا أخلاقية وغير طبيعية(عدا مايقع تحت قاعدة الضرورات تبيح المحظورات),
وعلى الجميع إن أراد الانعتاق من قيود هذه الأنظمة, ان يتحمل ضريبة الانهيار والفوضى ,وعلى الأقل يستذكر الأمثلة والتجارب القريبة منه,ويرى مراحل انهيار جمهورية الصومال بعد عام 1991 وإزاحة الرئيس محمد سياد بري عن الحكم,وتعثر عملية الاستقرار الحكومي في لبنان(واليوم مصر وبقية دول الربيع العربي تدفع الثمن أيضا),
وبالأخص شعوب تلك الدول التي لاتوجد فيها أنظمة شمولية تشبه بأي حال من الأحوال النظام الدموي والإرهابي السابق في العراق وليبيا,عليهم التمسك بالمنهج والطرق السلمية للتغيير, والاعتماد على التغيير التدريجي والمرحلي لأنظمتهم السياسية ,وفقا للآية القرآنية الكريمة القائلة(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)سورة الرعد: اية 11.
اما بخصوص جمعة الخيارات الأربعة المفتوحة التي رفعت في ساحات الاعتصمات السنية في المناطق الغربية من العراق,فهي خيارات مع الأسف يستحق ان يطلق عليها “خيارات لأكل التبن”والتبن معروف تضرب فيه الأمثلة,يخلط مع الطين في بناء البيوت في الأرياف (لأنها يبدوا كانت عقوبة الإقطاعيين ضد الفلاحين المشاكسين او المعترضين على أوامر الأسياد),
تحت شعار انتفاضة التهميش (تهميش السنة في الحكم),وهو ادعاء كاذب ومغلوط وغير واقعي,المناطق السنية تحكم من قبل الإدارات المحلية(مجلس المحافظة والمحافظ),وللمناطق ممثلين في مجلس النواب والحكومة الاتحادية, والمديريات العامة والأجهزة الأمنية والعسكرية كافة,
اما اذا كان المقصود بالتهميش ان رئيس الحكومة شيعي,فهذه هي واحدة من أهم مقومات ومبادئ وأسس اللعبة الديمقراطية القديمة والحديثة,وكذلك هذه هي نظرية النظام العالمي الجديد,أي بمعنى أخر لن يسمح بوجود الأنظمة الشمولية او مايسمى بحكم الأقلية(وهناك تقريبا دول تعد على الأصابع, لازالت تقاوم النهج العالمي الجديد, بما فيها سوريا والبحرين وبعض الأنظمة الخليجية الملكية او الأميرية),لانها تتعارض مع النظام الرأسمالي الامبريالي العالمي
اما بخصوص بقية الشعارات المرفوعة في ساحات الاعتصامات(الطائفية)ومنها إنقاذ السجينات(او الحرائر المتهمات بالإرهاب),فللعلم نقول ان افسد أفراد الشرطة والأجهزة الأمنية الحالية هم في الأعم الأغلب من مخلفات وبقايا أجهزة النظام البائد
(نقل عن احد أفراد الشرطة في احدى سجون المحافظات الجنوبية : قال يأتي الضابط سكران في أخر الليل ,ويبعث على احدى السجينات المتهمات بقضايا الدعارة ,ويقضي الليل معها),
ونحن نقول ان السيد رئيس الوزراء وبقية الكتل المشاركة في الحكومة ,هي من الأحزاب والحركات الإسلامية ,والتي علقت كثيرا وسائل الإعلام والصحف الالكترونية والورقية عن ممارسة الضغوط المباشرة والموجهة من قبل تلك الأحزاب ضد الموظفات المسفرات بغية ارتداء الحجاب,فكيف يتم اتهامهم بأن مليشيات تابعة لهم تقوم بممارسة تلك العمليات القذرة والمحرمة أخلاقيا ودينيا,
وبالنسبة للدعوة لإيقاف عمليات الإعدام,فهذا تدخل سافر بعمل القضاء العراقي,كنا نتمنى ان نسمع عن شعارات وطنية وواقعية قابلة للتنفيذ,تخص مسألة محاربة الفساد المالي والإداري,إعطاء فرص التعيين للخريجين الجدد,تشديد الإجراءات الأمنية في المناطق الساخنة,الاهتمام بقطاع الخدمات والصحة والتربية والتعليم ,او يكون الاحتجاج لقضايا مهمة,كأن يكون على سبيل المثال ان شخصا بريئا حكم بالإعدام,او رفض طلب لسجين بتوكيل محام يتكفل بالدفاع عنه,ماذا يفعل المالكي إذا كان الإرهابيون هم من الطائفة العربية السنية!
إن دعوات التقسيم وفدرلة المحافظات هي دعوات خارجية مدفوعة الثمن,يراد منها توسيع دائرة الصراع الطائفي(بين المحور الشيعي الإيراني السوري العراقي المدعوم من قبل روسيا والصين,وبين المحور السني العثماني تركيا قطر وبعض دول الخليج, والمدعوم أوربيا وأمريكيا),
يكون المكون العربي السني أول الخاسرين جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا,لان الوضع في سوريا مختلف تماما ,هناك انتفاضة الأغلبية المفترضة(الطائفة السنية)ضد الأقلية المفترضة أيضا(الطائفة العلوية),ولكن قلما سمعنا او طالعنا او شاهدنا ان انتفاضات الأقليات حققت نصرا مهما,فكيف إذا كانت احتجاجات بقايا النظام البعثي البائد مرفوضة من قبل الأغلبية السنية العربية ( وبالطبع مرفوضة من بقية مكونات المجتمع العراقي),المتشبعة بحب الوطن والفكر القومي الوحدوي…..