أولا علينا أن نعرف ما هي الدولة المدنية, فهي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينة أو الفكرية, هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين.
ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر, فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك, فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
ربما إن هذه السطور سوف تثير حفيظة الكثيرين من دعاة المدنية بعيدا عن الإسلام, لكن هذه هي الحقيقة إن الدولة المدنية هي فكرة إسلامية بحته ولان فيها سعادة ورفاهية المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية وفيها الخلاص من كل, فلو أجرينا مقارنة بسيطة بين المدنية والإسلام لوجدنا التطابق واضح, فالإسلام يدعوا للتسامح وهي كذلك, يدعوا إلى المساواة والعدالة, وهي كذلك, قبول الأخر وان كان على خلاف في الدين والعقيدة والفكر, وهي كذلك, مسألة أخذ الحقوق ورد المظالم في الإسلام ترجع إلى الحاكم أي السلطة وليس لغيرها, والدولة المدنية كذلك.
فمن خلال هذا التعريف الموجز والبسيط عن الدولة المدنية, نجد إن الدولة المدنية, هي الدولة التي ينشدها الإسلام, لان الإسلام يدعو إلى المساواة والعدل والحرية, بمعنى أخر إن فكرة الدولة المدنية مستوحاة أو مستنبطة من الفكر الإسلامي, لكن للأسف الشديد إن المتأسلمين ومنتحلي التشيع والتسنن, شوهوا صورة الإسلام والمذاهب حتى صار الإسلام ممقوتا عند الكثير, حتى أخذت صورة وفكرة وهي إن الإسلام في تقاطع مع التمدن.
فالدولة المدنية وفي ظل هذه الظروف التي يمر بها العراق هي الحل الأمثل, لأنها سوف تخلص هذا الشعب من كل أشكال الطائفية والتقسيم العرقي والقومي والمذهبي والديني, وترجع الأمور إلى الدولة في كل شيء بعيد عن التشكيلات والتكتلات التي تريد أن تفرض نفسها على كل قرارات الدولة – كما هو حاصل الآن – مع الأخذ بنظر الاعتبار إن تكون هذه الدولة فعلا وصدقا دولة مدنية غير خاضعة أو تابعة, وكذلك لا تنافي الأخلاق والشرع.
ومن هذا الأساس والمنطلق, نجد إن المرجع الديني السيد الصرخي الحسني, دعا سابقا ويجدد الدعوة اليوم لإقامة دولة مدنية في العراق, وهذا ما أكد عليه في الحوار الصحفي الذي أجرته معه صحيفة الشرق السعودية بتاريخ 17 / 3 / 2015 م, حيث قال …
{ … إننا ندعو إلى دولة مدنية يسودها القانون المدني والعدالة الاجتماعية للجميع دون منافاة للشرع والأخلاق وندعو إلى إخلاء العراق من كل أجنبي وعميل يعمل لتنفيذ مخططات أجنبية مدمرة للعراق ولمصالح خاصة ومكاسب نفعية دنيوية فيسبب الفساد والتفرقة والطائفية والاقتتال والتقسيم والضياع…}.