الدولة الكردية.. 100 عام.. بين جدلية التاريخ.. وفشل التجارب.. الحلقة الثانية.. (الدولة الكردية .. وتقسيم العراق):
ـ أولى خطوات تقسيم العراق كانت مبكرة جداً.. فقد تحرك الأكراد دولياً لتثبيت حقوقهم كشعب.. وطالبوا بتقرير المصير من خلال مؤتمر (سيفر*) العام 1920.. الذي ناقش موضوع العراق والانتداب.
ـ ويبدو إن المؤتمر لم يستجيب لمطالبهم باعتبارهم جزء من العراق.. ولم يكونوا يوماً مستقلين عن العراق.. أو يشكلون دولة كردية أو ولاية كردية عثمانية .. لا في العراق ولا في غيره.. وما يتحقق للعراق يتحقق لجميع مكونات شعبه.
الأكراد.. في العهد الملكي:
ـ وهكذا تشكلت حكومة عراقية مؤقتة تحت الرعاية البريطانية.. وتم الاتفاق على ترشيح الأمير فيصل بن الشريف حسين ملكاً على العراق.
ـ وجرى استفتاء في تموز العام 1921على مبايعة فيصل من قبل المواطنين العراقيين.
ـ إلا إن الأكراد العراقيين لم يشاركوا في الاستفتاء.. على الرغم من ذلك فأن كل ما تحقق للعرب والمكونات الأخرى في العراق الجديد.. تحقق للأكراد بضمنها المشاركة في الحكم.
ـ في 21 / 12 / 1922 صدر بيان مشترك للحكومتين البريطانية والعراقية يعترفان فيه بحقوق الاكراد ضمن حدود العراق.
ـ وإعطائهم الحق بتأسيس حكومة كردية ضمن هذه الحدود.. وطلبا من الاكراد إرسال ممثلين عنهم إلى بغداد للتباحث حول الموضوع..
ـ إلا أن الاكراد لم يتعاملوا مع هذا العرض بجدية.. ولم يرسلوا وفداً إلى بغداد.
ـ بدأ الاكراد بحملات مسلحة في شمال العراق.. وكان الجيش العراق يقف بوجهها..
ـ بعد سلسلة معارك دامية بين المقاتلين الاكراد والجيش العراقي سلم الشيخ محمود الحفيد البرزنجي نفسه إلى الحكومة العراقية.. في 13 / 5 / 1931.
ـ في 29 تشرين الثاني / نوفمبر / العام 1936 قام الفريق بكر صدقي معاون رئيس أركان الجيش العراقي.. (وهو كردي).. بانقلاب عسكري في بغداد.
ـ بالمقابل يبدو إن الأمنيات والأفكار أخذت تنتعش لإقامة دولة كردية في منطقة كردستان العراق.
ـ في هذا الاتجاه.. نشر كتاب يحمل عنوان:(العرب والاكراد) من دون ذكر اسم مؤلفه.. ونسبه البعض الى ابراهيم احمد.. يطالب هذا الكتاب بإقامة دولة كردية اسوة بالعرب العراقيين.
ـ فسرت هذه الخطوة على انها تمت بدوافع من افكار الفريق بكر صدقي .. الكردي القومية.. الذي يحمل نفس الطموح.
ـ لكنها لم تتحقق لاغتيال بكر صدقي بعد أقل من عام وانتهاء انقلابه.
ـ استثمر الأكراد الحرب العالمية الثانية ليعلنوا ثورتهم العام 1943 التي قادها الملا مصطفى البارزاني وعشيرته في منطقة برزان.
ـ استطاع الجيش العراقي القضاء على هذه الحركة العام 1945.
ـ فهرب الملا مصطفى البرزاني مع مجموعة كبيرة من المسلحين الاكراد أكثر من ( 500 مقاتل ) الى ايران.
ـ جمهورية “مهاباد”:
ـ استغل بعض الأكراد في إيران الأزمة الإيرانية الناشئة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية.. فقام قاضي محمد ومصطفى البرزاني بإعلان جمهورية مهاباد.. في المناطق الشمالية من ايران التي كانت واقعة تحت الاحتلال السوفيتي.. في 22 كانون الثاني / يناير / العام 1946.
ـ ثم هرب البرزاني ومقاتليه من ايران بعد سقوط جمهورية مهاباد.. التي شكلها الاكراد الايرانيون.. التي لم تعش سوى 11 شهراً.
ـ وهرب الملا مصطفى وحوالي 700 برزاني إلى الاتحاد السوفيتي.. التي أقاموا فيها كلاجئين سياسيين.
ـ وفي العراق الملكي كان العرب والأكراد والمكونات الأخرى يتقاسمون العيش بحب.. كذلك في إدارة الدولة.
الأكراد.. شركاء في هذا الوطن:
ـ عند قيام ثورة 14 تموز 1958 مَثلً الأكراد:
1ـ في مجلس السيادة بعضو من أصل ثلاثة أعضاء يتكون منهم المجلس.. وهو العقيد خالد النقشبندي.
2ـ كما كان للأكراد تمثيل في وزير واحد هو بابا علي الشيخ محمود وزير للمواصلات.. من أصل عشرة وزراء.
3ـ كما أن ضباط أكراد شاركوا في ثورة 14 تموز.
4ـ نص الدستور المؤقت لثورة 14 تموز 1958.. في المادة الثالثة منه على أن: “العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن.. ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية”.
5ـ صدر عفو عن الذين شاركوا في الثورة على النظام الملكي.. الذين هربوا من البلاد بسبب اضطهادهم وملاحقتهم.. ومنهم الملا مصطفى برزاني وأتباعه.
6ـ عاد إلى العراق بحراً من خلال ميناء البصرة يوم 5 تشرين الأول 1958 مصطفى البرزاني ومعه شقيقه الشيخ أحمد البرزاني وأولاده وعائلته.
7ـ خصصت الحكومة العراقية لهم بيت نوري السعيد.. كما خصصت له سيارة الأمير عبد الإله ـ الوصي على العرش للبارزاني.
8ـ صرفت الحكومة العراقية رواتب شهرية سخية للأكراد العائدين.. فكان مصطفى.. يتقاضى راتباً قدره (500) دينار والشيخ أحمد (150) دينار.
9ـ نشط (الحزب الوطني الديمقراطي الكردستاني) بقيادة الملا مصطفى البرزاني في الشمال.. وفي بغداد.. والمحافظات العراقية.. وصدرت جرائد له باللغتين العربية والكردية (خه بات ..التآخي وغيرها).. وشكلوا ميليشيات عسكرية..(البيشمركة).
ـ منذ أيار 1960 بدأ في العراق تطبيق قانون الإصلاح الزراعي.. ووقف الإقطاعيون في وسط العراق وجنوبه ضد تطبيق هذا القانون.. وأحدثوا فوضى في البلاد.
ـ عند محاولة تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في شمال العراق.. وقف الأغوات الأكراد ضد تطبيق القانون في كردستان.. ليتطور الرفض الكردي الى مطالب وحقوق في مقدمتها سحب الجيش من شمال العراق.
ـ فبدأت المناوشات بين الأكراد والجيش العراقي بدفع ودعم قوي من الأغوات الأكراد لتندلع الحرب بين الطرفين.
موقف القوى السياسية من القضية الكردية:
ـ لم يكن للأحزاب القومية العربية وحزب البعث والإخوان المسلمون.. مواقف واضحة من القضية الكردية.. بل لم تكن شاغلهم.. وبعضهم ضد حقوق الأكراد.
ـ فكان البعثيون والقوميون العرب منشغلين بموضوعة إسقاط حكم عبد الكريم قاسم وإقامة الوحدة العربية مع مصر الناصرية.
ـ أما الشيوعيون والديمقراطيون واليساريون.. فكان موقفهم في وقف إطلاق النار وسحب القوات العسكرية الإضافية من الشمال.. وحل المسالة الكردية حلاً سلمياً عبر المفاوضات بين الحكومة والأكراد!!
ـ وهكذا أجرت الحكومة أكبر حملة اعتقالات على الأكراد والشيوعيين والديمقراطيين واليساريين المستقلين حتى وصل عدد المعتقلين والسجناء الى أكثر من 20 ألف سياسي.. غالبيتهم من الشباب بعمر الورد!!
ـ في يوم 2 نيسان/ ابريل / العام 1962 كنتُ (أنا هادي حسن عليوي) ـكاتب هذه المقالةـ.. طالباً في كلية العلوم السياسية.. وكتبتُ مذكرة الى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم.. للمطالبة بحل المسألة الكردية حلاً سلمياً.. ووقعتها من قبل معظم أساتذة الكلية.. وعند خروجي من الكلية ألقت عناصر الأمن القبض عليً.. واعتقلتُ في مديرية الأمن.
ـ بعد شهرين من الاعتقال قدمتُ للمجلس العرفي الثاني.. وبعد أن عرف القاضي إنني طالب في الكلية.. قال: (سؤال واحد فقط أسألك.. أما تطلع من هنا الى بيتكم.. وأما السجن ثلاث سنوات).. وقال: مصطفى البرزاني: خائن أم لا؟؟ وأردف قائلا: إن قلت خائن.. تذهب لبيتكم وكليتكم.. وبغيرها 3 سنوات سجن!!
ـ فكرتً جلياً وجدتُ إنها إهانة لي إن لم اقل ما اعتقد به.. فقلتُ: ليس خائناً!!).
ـ وهكذا قضيتُ 3 سنوات في سجون: (بغداد.. والرمادي.. ونقرة السلمان.. وبعقوبة).. وهي كل ما تبقى من عمر حكم قاسم.. وكل العهد الأول للبعث.. وكل حكم عبد السلام عارف.. وجزء من حكم عبد الرحمن عارف حيث أطلق سرحي في 24 أيلول 1966.
الأكراد.. وانقلاب البعث 1963:
ـ أوائل العام 1963التقت بعض القيادات الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني في شمال العراق مع وفد من حزب البعث.
ـ وتم الاتفاق على قيام الحركة الكردية بمنع تحرك لأية وحدات عسكرية عراقية من الشمال إلى بغداد لدعم عبد الكريم قاسم عند قيام الانقلاب.
ـ مقابل منح البعثيين حقوق الأكراد.. ونجح الانقلاب.. وسقط نظام عبد الكريم قاسم.. ولم يفي حكم البعث بوعوده للأكراد.. فاندلعت بعد شهور الحرب بين الطرفين وبشكل عنيف لم تشهده المنطقة سابقاً.
الحرب.. واللا حرب.. بين الحكومة والأكراد:
ـ في عهد الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف (تشرين الثاني / سبتمبر / العام 1963 ـ تموز / يوليو / العام 1968).. استمرت حالة الحرب واللا حرب بين الحركة الكردية والحكومات العراقية المتعاقبة.. وفشلت كل الاتفاقيات بين الطرفين.
الحكم الذاتي لكردستان العراق:
ـ بعد انقلاب 17 ـ 30 تموز وسيطرة حزب البعث على السلطة ثانية.. جاء اتفاق 11آذار 1970 بين البعث والحركة الكردية بمنح الحكم الذاتي وفق فقرات محددة على أن تنفذ من قبل الحكومة خلال أربع سنوات.
ـ طبقت فقرات الاتفاق.. لكن الكرد رفضوا تنفيذ آخر بند وهو (إعلان الحكم الذاتي في 11 آذار 1974).. وطالبوا بضم كركوك إلى منطقة الحكم الذاتي باعتبار كركوك جزء من كردستان.. التي رفض الحكومة بقوة هذا الطلب.. مؤكدة ان كركوك لم تكون لا في المفاوضات ولا في الاتفاق.. كما ان كركوك عراقية.. وليست منطقة كردستانية.
ـ يبدو إن الحكومة العراقية كانت جادة في إنهاء الحركة الكردية.. فجاءت اتفاقية الجزائر في آذار العام 1975 بين إيران والعراق.. التي تنازل فيها صدام عن نصف شط العرب إلى إيران.. مقابل عدم دعم إيران حركة البرزاني.
(أتذكر هنا حادثة خطيرة بالنسبة ليً ـ أنا هادي حسن عليوي ـ كاتب هذه المقالة ـ حيث كنتُ آنذاك طالب ماجستيرـ في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد.. وقد حضر حسن العامري القيادي في حزب البعث ـ وعقدً اجتماعاً مع أساتذة وطلاب الدراسات العليا في كلية العلوم السياسية ببغداد لشرح أبعاد اتفاقية 1975.. ومما قاله العامري: “إن الجيش العراقي لم يعد يملك سلاحاً سوى قنبلتين.. وإذا عرفً الأكراد ذلك سوف يعلنون انفصالهم.. لهذا تم توقيع هذه الاتفاقية مع إيران”.
ـ لكن ذلك لم يثنيني من الرد عليه وقلتُ له: (إن “اتفاقية الجزائر” اتفاقية دولية.. ولا يمكن إلغاءها من قبل طرف واحد.. في حين إن انفصال الأكراد شأن داخلي يمكن معالجته داخلياً).
ـ كان رد العامري على تعليقي متشنجاً وضعيفاً.. وهكذا خسرً العراق نصف شط العرب بلا مبرر.
ـ المهم: اندلعت الحرب بين الجيش العراقي والحركة الكردية.. وانتهت بهزيمة الأكراد.. وبقيً الأكراد جزءاً من الشعب العراقي.
ـ استغلً صدام الحرب مع إيران (1980 ـ 1988).. ليقوم بعمليات قذرة ضد الشعب الكردي في كردستان.. حرب الإبادة الجماعية.. والأرض المحروقة.
ـ وجاءت عمليات الأنفال.. بقصف بعض المدن الكردية بالسلاح الكيمياوي فأحدث مجاز رهيبة ضد الأكراد.. بسبب تعاون الحركة الكردية مع إيران ضد العراق.
ـ كل ذلك لم يؤثر على العلاقات الصميمية بين الشعب العراقي بكل مكوناته.
منطقة الحكم الذاتي:
ـ بعد حرب الخليج الثانية العام 1991 وتحرير الكويت من سلطة صدام.. استطاع الأكراد بدعم دولي إقامة الحكم الذاتي بعيداً عن سلطة بغداد.
ـ وفرضت الأمم المتحدة حظراً جوياً وبرياً على القوات العراقية باجتياز خط العرض 36 ومنعت تدخل حكم صدام بالشأن الكردي.
كردستان بعد 2003:
ـ تضمن دستور العراق العام 2006 فصلاً كاملاً عن إقليم كردستان.. ومنحه حقوقاً أكبر من حقوق وواجبات الحكومة الاتحادية.. وفي حالة الاختلاف بين الإقليم والمركز.. فتفسر الأمور وفق الفصل الخاص بإقليم كردستان بالدستور العراقي.
ـ وهكذا أصبحت كردستان شبه مستقلة دستورياً وقانونياً عن الحكومة الاتحادية.. مثلما هي مستقلة أمنياً وعسكرياً من خلال قوات البيشمركة الكردية الأسايش.
ـ كان للحرب الطائفية في العراق العام 2007 انعكاس سلبي كبير بين أبناء الشعب العراقي.. وعلى الرغم من وأد هذه الحرب الطائفية.. فأن سلبياتها انعكست على العلاقة بين العرب والأكراد بشكل كبير.
مشروع تقسيم العراق:
ـ بدأت حكومة كردستان العمل عملياً للانفصال وإيجاد المبررات لذلك.. ولابد أن نشير هنا إن رئيس جمهورية العراق جلال الطالباني السابق زار كركوك خلال ولايته ثلاث مرات.
ـ أعلن في الزيارة الأولى: أن (كركوك قدس كردستان).. وفي الثانية قال: (إن كركوك كردستانية).
ـ ولم يزور الطالباني اية محافظة عراقية أخرى طيلة رئاسته للعراق!!
ـ وجاء مشروع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في نيسان / ابريل / 2013 لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم (كردي.. وسني.. وشيعي).
ـ رفض المشروع بقوة من قبل السنة والشيعة الذين أصروا على وحدة العراق.
ـ فيما كان موقف الكتل الكردستانية بين مؤيد بشكل علني للتقسيم.. وبين موقف غير واضح.
استفتاء تقرير المصير:
ـ بدأت الدعوات من قبل حكومة كردستان للاستفتاء بتقرير المصير.. وأخذت العملية تتوسع بشكل انفصالي تماماً بعد احتلال داعش للموصل في 10 حزيران / يونيو / 2014.
ـ وإدخال كركوك ومعظم المناطق المتنازع عليها في ديالى وصلاح الدين والانبار في استفتاء تقرير المصير.
ـ وانطلقت شعارات وتصريحات من القيادات الكردية بأن المناطق التي تحررها قوات البيشمركة من داعش ارض كردستانية.. وفعلاً تدار المناطق المحررة من قبل كردستان.
ـ أكد رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني: (إن من حق الأمة الكردية أن تخطو الخطوة الحاسمة في الحصول على استقلالها.. لكن الظروف الحالية لن تسمح لها بضمان هذا الاستقلال).. مؤكداً (اهتمام كردستان بحل هذا المسألة حلا سلمياً وبخوض حوار مع بغداد حولها).
ـ وهنا يعترف البارزاني إن الظروف الحالية (المحلية والدولية لن تسمح بقيام كيان كردي لا في العراق.. ولا في المنطقة).
ـ لكنه عاد لتأكيد إقامة الدولة الكردية.. فخلال جولته الخارجية لبعض الدول الأجنبية.. صرح: (لنا دولة ستعلن قريباً).
ـ إن أخطر تصريح صدر لمسرور البرزاني الذي كان رئيسا لمجلس الأمن في إقليم كردستان لجريدة الواشنطن بوست جاء فيه: (انه من الآن وصاعداً نحن لسنا مواطنين عراقيين.. ولا توجد أية روابط بيننا وبين بغداد).. مؤكداً: إن الحل الوحيد هو الانفصال.. مستدركاً: لكن بشكل سلمي بلا عنف واقتتال.
ـ بالمقابل أكد قباد طالباني نائب رئيس حكومة الإقليم: (إن الأكراد لا يستطيعون حل المشكلات السياسية والإدارية الداخلية.. فكيف بإمكانهم الاتفاق على مسألة مصيرية كالاستقلال؟ في الوقت الذي يشمُ عند النخب الكردية الرفيعة في الإقليم رائحة الانشطار الإداري).
ـ وتابع قائلاً: (إضافة الى عدم توحيد المعبرين بين اربيل والسليمانية).. وأضاف الطالباني قائلاً: (إن طريق الوصول للاستقلال كهدف كبير لا يمكن أن يتم باتخاذ قرار متسرع.. لأن الإقليم ليس متهيئا على المستوى الداخلي والخارجي لذلك).
ـ حقيقة الأمر إن البيت السياسي الكردي.. كبقية البيوت السياسية (الشيعية والسنية).. لم يعد موحداً حتى حول المطالب الكردية أمام الحكومة الاتحادية ببغداد.
ـ بل تشرذمً وتقاطع بشكل واضح.. لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية معروفة.. ولم يعد بعض الأكراد يعترفون برئاسة مسعود البارازاني للإقليم.. ليس من قبل الأحزاب والقادة السياسيون فحسب.. بل من قبل الكثير من الشعب الكردي.
ضربات ضد الانفصال:
ـ وجهت لمشروع البارزاني في الانفصال ضربتين قويتين:
الأولى:
ـ إن 28 دولة أبلغت مسعود البارزاني رسمياً رفضها انفصال إقليم كردستان عن العراق.. من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتركيا وروسيا.
الثانية:
ـ إقالة وزيره الوحيد وزير المالية في الحكومة الاتحادية هوشيار زيباري.. من قبل مجلس النواب الاتحادي بتهم فساد.
ـ إن الأزمة السياسية والاقتصادية والإدارية في كردستان.. والصراع بين حزب البارزاني والجماعة الإسلامية على حكم دهوك.. جعل من شعار (الاستفتاء حول حق تقرير المصير).. أفضل حل للهروب من المشكلات الداخلية.
ـ ولم تعد مسألة الاستقلال عن العراق ابرز الأمنيات الكردية الشعبية.. بل ألازمة الاقتصادية والسياسية.. وإعادة الديمقراطية هي المشكلات الأساسية التي يهرب منها البارزاني تحت يافطة (الاستفتاء والاستقلال).
ـ جرى الاستفتاء في يوم 25 أيلول / سبتمبر / 2017.. بالتصويت ب 92% الى صالح الاستفتاء.
ـ لكن الحالة لم تستمر وانتهت بعودة الحكومة الاتحادية والقوات العراقية للسيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها.
ـ إلا إن جميع المشكلات بين الإقليم والحكومة الاتحادية مازالت قائمة!!
ـ يبدو إن قيادات الحركة الكردية استفادت من التجارب الأليمة مع الجيش العراقي.. فلم تدم الفرحة..
ـ فبعد 20 يوما من الاستفتاء دخلت القوات العراقية الى كركوك.. دون قتال وانسحبت قوات البيشمركة من كركوك ومن المناطق المتنازع عليها… وعادت الى حدود الإقليم المثبتة بالخط الأزرق.. إلا إن جميع المشكلات بين الإقليم والحكومة الاتحادية مازالت قائمة!!
ـ بقيً أن نقول:
ـ إن أكراد العراق لم يكن لهم دولة.. ولم يتم اغتصاب أرضهم من قبل أية جهة غريبة.
ـ بل هم جزء من شعب العراق ذو الشرائح المنوعة من أديان ومذاهب وقوميات مختلفة.
ـ عندما تأسس الاتحاد السوفيتي.. وانضمت له ولايات أو دول برضاها أو عدمه.. ترك الدستور الحق لهذه الولايات.. أو الدول بحق الانسلاخ والعودة لاستقلالها كدولة إذا قرر برلمان أي منها استعمال هذا الحق.
ـ بينما الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت بثلاثة عشر ولاية في العام 1776.. وانتهت بخمسين ولاية في العام 1948.. نص دستورها على أن الدولة التي تنظم لها.. لا يحق لها مستقبلا الانفصال أو الاستقلال وفي أي ظرف.
ـ لو اعتبرنا وجود علاقة مشابهة.. وهي علاقة كردستان مع العراق.. وعلاقة إقليم كاتالونيا في اسبانيا .. فان برلمان كاتالونيا قرر الانفصال.. لكن لم يتم الموافقة عليه من برلمان اسبانيا.. وانفصال واستقلال كردستان.. يجب أن يحض بموافقة شعب العراق ودستوريا.. ممثلاً في برلمانه.. وليس من خلال برلمان كردستان فقط.
______________
* مؤتمر سيڨر: عقد 10 آب / أغسطس 1920.. وهو واحد من سلسلة مؤتمرات ومعاهدات.. وقعتها دول المركز عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.. وقد كانت مصادقة الدولة العثمانية عليها هي المسمار الأخير في نعش تفككها وانهيارها بسبب شروطها القاسية والمجحفة.. التي كانت بدافع النقمة من هزيمة الحلفاء في معركة جاليبولي على يد العثمانيين.
ـ وتضمنت تلك المعاهدة التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية.. إضافة إلى استيلاء الحلفاء على أراض تركية..
ـ وعلى بلدان شرق المتوسط حيث أخضعت فلسطين للانتداب البريطاني… وسورية للانتداب الفرنسي.
ـ وقد ألهبت شروط المعاهدة حالة من العداء والشعور القومي لدى الأتراك.. فجرّد البرلمان الذي يقوده مصطفى كمال أتاتورك موقّعي المعاهدة من جنسيتهم..
ـ ثم بدأت حرب الاستقلال التركية التي أفرزت معاهدة لوزان حيث وافق عليها القوميون الأتراك بقيادة أتاتورك.. ممّا ساعد في تشكيل الجمهورية التركية الحديثة.