23 ديسمبر، 2024 1:04 ص

الدولة العميقة أخطر مفرزات العملية السياسية

الدولة العميقة أخطر مفرزات العملية السياسية

العملية السياسية في العراق بُنيت من قبل المحتل على أسس غير صحيحة وهي الطائفية والقومية والمذهبية مغلّفة بالديمقراطية الزائفة وذلك لاضعاف العراق واستمرار الفوضى ولضمان استمرار الوصاية عليه بهذه الحجج,ولقد كانت لهذه العملية السياسية الخاطئة التكوين مخرجات سلبية كثيرة لها أول وليس لها آخر ومنها قانون انتخابات سانت ليغو السيء الصيت الذي يضمن للكتل والاحزاب الكبيرة الديمومة والاستمرار والهيمنة على مقدرات البلد وابتلاع كل الكتل الصغيرة والأشخاص المستقلين في طريقها بل ومصادرة أصواتهم الانتخابية لصالحها, وكذلك كان الفساد الذي استشرى بشكل مخيف في البلد وضعف الأمن والقضاء والتعليم وانتشار البطالة والفقر والمرض والمشاكل الكبيرة في الاقتصاد وغيرها الكثير من السلبيات التي لاتكفي هذه الأسطر القليلة لذكرها.
من أهم المخرجات السلبية الخطيرة للعملية السياسية والتي أردت التركيز عليها اليوم هي الدولة العميقة التي كونتها الأحزاب والكتل الكبيرة داخل الدولة وامتدت جذورها وتغلغلت بشكل واسع في جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها.
الدولة العميقة هي مفهوم شائع غير اختصاصي يستخدم لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمسيرة الدولة, وأبطالها هم عناصر موجودة ومتغلغلة يتم زرعها في مؤسسات ومفاصل الدولة المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية، وواجب هذه العناصر التي تعمل صوب أهداف مشتركة من التأثير وتوجيه مؤسسات الدولة الرسمية وقراراتها السياسية ضمن اتجاه معين وذلك تحقيقاً لمصالح وخدمات محددة للأشخاص والكتل والأحزاب التي أوصلتها لهذه المراكز.
تعتبر تركيا هي المنشأ الأول لهذا المصطلح حيث ظهر في تسعينيات القرن العشرين، حيث اُطلق هذا المصطلح على المجموعات التي تشكّلت من الضباط وغيرهم للحفاظ على علمانية الدولة التي أسسها أتاتورك ومحاربة أيّ توجّه يشكل خطراً على الدولة الجديدة.
في العراق نشأت الدولة العميقة بشكل غير منظم ولا مخطط له والسبب في نشأتها هي ضعف الحكم والقضاء والقوانين والتي سمحت لكل كتلة أو حزب أوسياسي كبير يتصدى لمسؤولية رفيعة في الحكم ولمدة أربعة سنوات وهي مدة الدورة البرلمانية المحددة أن يخططوا لديمومة المصالح الشخصية والقوة والسطوة مابعد انتهاء الأربعة سنوات فعملوا ومن خلال نفوذهم وسلطاتهم وعلاقاتهم مع الآخرين على تعيين أشخاص من كلا الجنسين في مناصب حساسة في كل مفاصل الدولة المهمة ومن الطبيعي أن يكون ولاء هؤلاء الأشخاص مطلقاً لمن وضعهم في هذه المناصب وجعلهم يتنعمون بالامتيازات والسلطة والمال وهذا يجعلهم رهن إشارتهم في تنفيذ كل مايطلبون,لذا نجد المسؤول في العراق عندما يخرج من منصبه بعد اعفائه أو انتهاء الفترة البرلمانية يتمتع بكل السطوة والنفوذ والقوة والمصالح الشخصية وهو خارج المنصب وكل هذا بفضل الأشخاص الذين زرعهم داخل الدولة وهذا هو الفساد بأقوى صوره, ومن هنا تكمن خطورة الدولة العميقة على مستقبل العراق لأنها ستكون عائقاً أساسياً أمام كل رئيس حكومة يحاول الاصلاح وينوي القضاء على الفساد وايصال البلد الى برّ الأمان لأنه سيصدم في طريقه بألغام كبيرة وخطيرة ومنتشرة في كل مكان وفي كل المؤسسات وهي أذرع طويلة للأحزاب والكتل السياسية المتنفذة في البلد ومن الصعب محاربتها والقضاء عليها أو تغيير ولائاتها لأنها تدين لمن وضعها في هذه المناصب,لذا علينا التفكير بوضع استراتيجية دقيقة ومحكمة تخلص البلد من خطر الدولة العميقة واجتثاث كل أذنابها وقطع صلاتهم مع أسيادهم أو تغيير ولائاتهم بشكل جذري من الأحزاب والأشخاص والمصالح الضيقة الى الولاء المطلق للوطن والشعب, وهذه العملية تحتاج اشتراك كل الأطراف الوطنية التي تريد مصلحة العراق وشعبه من شخصيات سياسية الى وسائل الاعلام والقضاء العراقي ومنظمات المجتمع المدني والأهم هو من يتصدى للحكم في البلد لكي نصل الى يوم يكون البلد فيه خالٍ من أي دولة عميقة تعمل لصالح أحزاب وأشخاص محددين وتعرقل كل المساعي الطيبة لاعادة اعمار هذا البلد ورفاهية شعبه.