ألدولة مفهومٌ تكاملي يقوم على أركانٍ ثلاثة، وهي الشعب والدستور والسلطة الحاكمة، فهذه الثلاثية المتلازمة هي الادوات الفاعلة والأساسية، في بناء الشكل الحقيقي للدولة، وإيجاد الحاكمية التي تمثل الرغبة الحقيقية للشعب، والتي يفترض أن تكون قادرة على توظيف جميع قدراتها وطاقاتها ومواردها الطبيعية والبشرية، بغية النهوض والإرتقاء حتى الوصول الى مصاف الدول النامية.
ألبناء المؤسساتي الناضج والمرتكز على أسس صحيحة ودقيقة، يجعل من الدولة قادرة على تكييف نفسها عالمياً، وتسويق مشروعها ومنهجها واطروحتها، بهدف التأثير الايجابي لتنعكس الصورة المضيئة والمشرقة التي تأخذ مساحات مهمة في الاوساط العالمية، ومن ثم ايجاد لنفسها مكانة مهمة وفاعله بهويتها الوطنية باتجاه دول العالم الكبرى.
واقع العراق السياسي يحتاج الى تشخيص دقيق وتوصيفات محكمة، لكل المجريات والاحداث والتجارب التي خاضها منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وما مرت بها من احداث وانقلابات وانظمة متعاقبة تسلقت للحكم، حتى سقوطها عام 2003، وكذلك هو بحاجة إلى قراءة مهمة لمجمل الانتقالات والمتغيرات على ساحته السياسية والمجتمعية منذ 17 عام وما تخللها من تحولات مجتمعية مهمة في التعاطي مع مشروع الدولة الوطنية الجديد، والذي تبلورت بعض ملامحه في الحراك الاحتجاجي الشبابي المطلبي عام 2018 بإنطلاقته العفوية وطابعه الوطني المحظ، مما دفع بقوى فكرية سياسية ذات تأريخ طويل مفعم بالاحداث والكبوات، حكمت العراق لما يربو على المئة عام، في محاولة جديدة منها، لتسويق نفسها واعتلاء صهوة الحكم ثانيةً.
تظاهرات 2018 تحولت من واقعها المطلبي إلى مفهوم آخر، لتنتقل المواجهة من عنوانها الظاهري الاحتجاجي الى صراع فكري آيدلوجي، تحاول أطراف الاحتدام أن تعبر عن وجودها بين مسك الأرض والتمدد والحفاظ على مكتسباتها بصبغتها الإسلامية، والتي هي بالواقع منقسمة على نفسها مبدئياً ومتفرقة فقهياً وعقائدياً وفكرياً، وبين جهات تريد العودة بلباس آخر يخدم مصالحها ويسهم في تمكينها للعودة إلى الحكم، تحت مسميات وعناوين متقاربة من خلال إطلاق شعارات تنادي بالمدنية والليبرالية والشيوعية وبعض الاشارات والتلميحات المتناغمة مع البعث الإجرامي، والتي جميعها تدفع بإتجاه العلمانية، وكل هذا الصراع إن جاز لنا التوصيف، يبقى خاضع لمعادلة مهمة وحاسمة وهي الانتخابات، والتي ستفرز قوى النفوذ والتسيد على المشهد السياسي العراقي للمرحلة المقبلة.