17 نوفمبر، 2024 1:34 م
Search
Close this search box.

الدولة الرسمية والدولة العميقة!

الدولة الرسمية والدولة العميقة!

يُؤكد علماء الاجتماع والسياسة بأن مفهوم (الدولة) من أهم محاور العلوم الاجتماعية بوجه عام، والعلوم السياسية بوجه خاص.
وخلال العقود الأخيرة لم يَعُد الحديث في السياسة والإعلام عن الدولة الظاهرة (العلنية) فقط، وصرنا نسمع بمصطلح الدولة العميقة (الخفية، السرّية، الظلّ)!
ويقصد بالدولة العميقة (Deep State) وفقا للموسوعة السياسية بأنها الدولة غير المرئية والسرّية والموازية للحكومة العلنية الشرعية.
وبخصوص نشأة مفهوم الدولة العميقة هناك مَن يدعي بأنه ظهر في عشرينيات القرن الماضي، وهذه الفرضية لا يمكن التسليم بها، لأن كتب التاريخ والسياسة مليئة باللوبيات والجماعات السرّية الضاغطة على المفاصل الحيوية لبعض الدول القديمة والحديثة!
ورغم أن غالبية تعاريف الدولة العميقة تؤكّد أنها تحالفات سرية تَتحكّم ببعض الدول، ولكن، واقعيا، هنالك العديد من التحالفات العلنية السياسية والاقتصادية التي تَحكمت، وتتحكم، في إدارة بعض الدول!
وتأتي قوة الكيانات الخفية من قدراتها المالية وعلاقاتها المتشابكة مع أصحاب القرار، وتغولها ببعض الكيانات المدنية والعسكرية والقضائية والتجارية والعشائرية!
وليس بالضرورة أن تكون دولة الظل “مدنية” فقد تكون “مسلحة”، وتحتمي بسلاح الدولة الرسمية عبر أذرعها الخاصة وعملائها!
ويستخدم رجال الدولة العميقة كذلك المناصب والترغيب والترهيب والعنف، والطرق القانونية وغير القانونية كأدوات لتنفيذ مخططاتهم وصفقاتهم.
وحينما تتعارض مصلحة الدولة العميقة مع مصالح الدولة الرسمية يحاول عناصر دولة الظلّ نشر الفوضى والتخريب لإرباك البلاد!
والغريب أن هنالك بعض “الدول” السقيمة لا يُمكنها فرض شخصيتها بالمؤسسات الرسمية وبالمقابل نجد أن الدولة العميقة فاعلة وحيوية وتَتحكّم بمؤسسات الدولة الرسمية الهشّة.
وهذا يعني أن هذه القوى غير الظاهرة أقوى من القوة الظاهرة (الدولة الرسمية) أحيانا، وقادرة على تنفيذ غالبية مشاريعها بعيدا عن المساءلة والإعلام والأضواء!
ولا يُمكن تصوّر دولة رسمية قوية تتغول فيها الدولة العميقة، وبهذا فإن الدول الرصينة لا مكان في ربوعها لدولة الظلّ، والدول المريضة تمتاز بتغلُّب الدولة العميقة الخفية على الدولة الرسمية الظاهرة!
والتجارب أظهرت أن جماعات دولة الظلّ لا يمكنهم العيش إلا في أجواء الفتن والحروب والفوضى لأنها البيئة الأنسب لتسويق مشاريعهم التخريبية، وهم حريصون بشدة على نشر الفوضى الأمنية والإدارية والأخلاقية والاقتصادية.
ويبدو أن الدولة العميقة “الحديثة” لم تقف عند السياسة والاقتصاد بل دخلت في عدة مجالات وفي مقدمتها الإعلام حيث ساهمت في تلميع صور السياسيين والإعلاميين الذين يَسيرون في ركبها وتشويهها لسمعة مَن يُخالفها، وبهذا فإن الدولة العميقة صورة مُنَمقة للفساد الإداري والمالي العالمي!
وربما يتبادر إلى ذهن سؤال واقعي ونادر، ألا وهو: هل الدولة العميقة تعمل ضد مصلحة الوطن دائما وتتّصف بالصفات السلبية؟
أظن أن بعض تجارب الدول القديمة والحديثة تؤكّد بأن هنالك عدة (دول عميقة) هي الداعم الأبرز والمُساند الأقوى للدولة الرسمية، وبالذات في الظروف غير الطبيعة ولهذا ربما تكون بعض تجارب حكومات الظلّ ناجعة وخادمة لسياسات الدولة الداخلية والخارجية!
وهذا يعني أن بعض الدول رتبت (دولة ظلّ) مساندة لها أمام (الدولة الخفية) المعارضة لها، وهذه السياسات تقع في ميادين الحرب والحرب المضادة والحرب النفسية!
إن الدولة السليمة هي القادرة على فرض شخصيتها، وتطبيق قراراتها بالأدوات المناسبة وفقا للحالة المراد علاجها وإدارتها.
تحتاج الدول الرصينة لتنقية مفاصلها من شوائب الدولة العميقة حتى لا تجد نفسها تُدار إما مِن وراء الستار أو من وراء الحدود وحينها سيخسر الجميع ولا ينفع الندم!
يُفترض تسليط الضوء على هذه الظواهر المدمّرة للوطن وعدم فسح المجال أمامها للتلاعب بمقدّرات الوطن والمواطن.
dr_jasemj67@
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية

أحدث المقالات