سارع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام الى إعلان دولته المزعومة على الأراضي التي استحوذ عليها في خطوة متعجلة ستترك آثارها السلبية على التنظيم القاعدي الجذور والعقيدة أولها الانكفاء نحو الداخل لترتيب شؤون “ولايات” الدولة والانغماس في الأمور التنظيمية لفصيل ليس بحجم ما أستولى عليه من أراض شاسعة في العراق وسوريا وليس آخرها الاصطدام المباشر مع رافضي البيعة.
امير دولة الدواعش هو ابو بكر البغدادي أول الخلفاء الداعشيين ليس على الكائنات الداعشية فحسب بل على المسلمين جميعاً الذين يجب عليهم البيعة والسمع والطاعة ما أثار ردود فعل واسعة حتى من بيئات قاعدية ولا يجوز أن تكون للمسلمين دولة غير دولة الخلافة المعلنة بعد أن أكمل صناعتها “الشيطان الاكبر” ومكنها من بسط سلطانها على مساحات واسعة من بلاد الشام وأرض العراق.
الاصول الفكرية والعقيدة الجهادية للدولة تفرض عليها قتال “المرتدين” ابتداءً ومن ثم تنصرف للفتوحات الخارجية في تبدل للأولويات ما يعني أن الساحة الداخلية لجبهة الدواعش قد تشتعل، وقد تخمد بنسبة ضئيلة جبهات حدودها الخارجية والأمر مرتبط بمدى تقبل التيارات والقوى والجماعات المسلحة العاملة في ساحتها السورية او بمحاذاتها للوضع الجديد والتي يبدو أن كثيراً من قواها رضخت لسلطة الخليفة البغدادي المضطر للدخول في مواجهات تصفية مع الفصائل الرافضة – خصوصا العاملة في الساحة العراقية التي عملت دوما على استحماره – بحسب ما يفرضه عليه فقه أولوية مقاتلة “العدو القريب” الذي يؤمن به مما يضع الدولة أمام تحديات داخلية ومخاطر خارجية تهدد وجودها المرتبِك.
يبدو أن تغييرا تكتيكيا طرأ على استراتيجية “إدارة التوحش” التي تتبناها داعش للفكر الجهادي والاساليب الهجومية عبر اعتماد اساليب الإبادة لترهيب الخصم بالقتل والتنكيل والسبي والاغتصاب واحراق قرى ببشرها وحجرها وشجرها بصرف النظر عن انتماءها الديني… وحتى الدواجن لا يجب أن تسلم مما يوفر على المجاهدين العناء ويكون كل ما يقع بين ايديهم حلالا لهم – على حد تعبير الشيخ نبيل نعيم أحد قادة القاعدة السابقين المقربين من أيمن الظواهري – الذي أكد حصول انقسام داخل المنظومة الفكرية – الجهادية بعد أحداث 11 ايلول 2001 اذ تقرر وقف العمليات الكبرى واعتماد القضم المنظم في مسيرة الجهاد لإقامة “الخلافة الاسلامية”.
الاعلان أفقد الدواعش ديناميكية الحركة والقدرة على الانتقال والانتشار السريع وكبلهم بقيود “دولتية” كانوا في غنى عنها الا أن نشوة “الانتصارات والفتوحات” أنستهم الالتفات اليها واتضح بجلاء أن استيعاب ابعاد وغايات ما يجري اكبر بكثير من عقولهم القرو- وسطية وأن وهم اقامة الخلافة قد أخذ من مساحة أحلامهم الكثير ولم يدركوا انهم يُستخدمون كقنبلة صوتية في سياق معركة أكبر منهم بكثير أُريد بها ارعاب وتخويف خصوم واشنطن الساعية الى ابقاء الكلمة الفصل لها في ادارة الصراع ورسم الخرائط.
مشروع ادارة الفوضى الامريكي في المنطقة الذي تلاعب بقواعد و أسس نظام الحياة وبالظروف “المناخية” الموضوعية لحركة التاريخ من خلال استعجال حلول فصل “الربيع التكفيري” ثم اطلاق العنان لوحش داعش ليعيث خرابا وفسادا هذا المشروع بدأ يتهاوى فداعش بدأت نهايتها منذ يوم اعلان دولتها لتخطأ خطأ استراتيجيا فانكمشت وانشغلت وبعد حين سيبدأ أعداؤها بمحاصرتها والقضاء عليها وبغداد انطلقت بقوة بعد أن استوعبت الصدمة وطهران ودمشق ساندت ودعمت بسرعة بعد أن ادركت ابعاد وآثار المخطط الجديد عليها والرياض بدأ المكر السيء يحيق بأهله فتعلن حالة الطوارئ وتعيد “بندر مان” للواجهة وتنشر الآلاف من جنودها على الحدود الشمالية فيأتيها التهديد من الحدود الجنوبية ويهتز أمنها.
الإجماع الاقليمي والدولي على لجم الوحش وضرورة ترويضه بدأ يتبلور فثمة مؤشرات عديدة تؤكد على ذلك.