18 ديسمبر، 2024 9:37 م

الدولار ب1200 دينار .. اختبار لمصداقية المركزي العراقي

الدولار ب1200 دينار .. اختبار لمصداقية المركزي العراقي

حدد البنك المركزي العراقي سعر صرف الدولار الأمريكي ب1200 دينار عراقي ، وقال في بيان أصدره الثلاثاء الماضي وتناقلته وكالات الأخبار ، إنه يدعو المواطنين والتجار الذين يدفعون أكثر من مبلغ 1200 دينار عن الدولار الذي يتم شراءه من المصارف أو شركات التحويل أو شركات الصيرفة نقداً أو حوالات أو إعتمادات مستندية بتقديم شكوى إلى البنك المركزي مع وصل الدفع ، إذ سيتم دفع فرق الزيادة للمشتري من قبل البنك المركزي واستقطاعه من حساب البائع ، ومن اطلع على هذا البيان اعتقد بان سعر الدولار سينخفض فورا باعتبار إن البنك المركزي العراقي هو الجهة الوحيدة التي تقوم بضخ الدولار سواء على شكل حوالات أو إعتمادات مستندية أو لشركات ومكاتب الصيرفة ، ولكن ما حصل اثار العديد من التساؤلات فرغم إن البيان حمل تهديدا بخصم الفروقات من البائعين غير الملتزمين بالسعر المحدد إلا إن انخفاضا طفيفا حصل على سعر بيع الدولار إذ تحول من 1290 إلى 1280 ثم إلى 1270 ولم يصل إلى 1200 قط ، وقد فسر البعض أسباب الانخفاض لا بسبب بيان المركزي العراقي ولكن بسبب زيادة المبيعات بما يسمى مزاد العملة التي بلغت ( 142,409,372 ) مليون دولار وبسعر 1182 دينار لكل دولار في يوم الخميس الماضي ( 9/6/201 ) ، وهناك من يعتقد بان بيع الدولار ب1200 دينار من ضروب المستحيل بسبب :
. إن الآلية التي طرحها المركزي العراقي في الرقابة على المبيعات عقيمة ولا يمكن تطبيقها لأنها علاقة بين زبون وزبون
. صعوبة تطبيق الجزاءات على شركات الصيرفة لأنها يجب ان تقترن تقديم شكاوى ووصولات لكي يتم الخصم منها
. الاعتقاد بان المستهدف من بيان البنك هو حماية مكاتب الصيرفة في حين إن المتضرر الحقيقي هو المواطن
. إمكانية قيام المصارف وشركات التحويل بحجب الدولار عن المواطن حتى حين يكون بحاجة إليه
. إن البنك المركزي ربما يتجاهل حقيقة إن من بيع وشراء الدولار باتت تجارة رائجة لمن يشاء
. نظرا لتوسع عمليات التعامل بالدولار بيعا وشراء بحيث وصل لبائع ( اللبلبي ) فان الآلية غير مجدية قط
ودق أصبح المواطن أي مواطن يطرح العديد من الأسئلة حول أسباب التذبذب بأسعار صرف الدولار صعودا فقط دون النزول ، ففي كل مرة ترتفع أسعار الصرف إلى أرقام فلكية ثم يقوم المزاد ببيع كميات كبيرة فينخفض السعر في أحسن الأحوال إلى 1220 ثم يأخذ بالارتفاع مرة أخرى ليصل إلى 1300 أو أكثر فيدخل المركزي منقذا من خلال زيادة مبيعات الدولار فينخفض الدولار ثم يبدأ بالارتفاع وكأنها دورة متكاملة ومترابطة تسير بانتظام ، والسنوات السابقة لم نشهد استقرارا في أسعار الصرف رغم إن المبيعات وصلت لمليارات الدولارات وقد بلغت 13,641 مليار دولار منذ بداية العام الحالي ( 2016 ) وحتى اليوم ، وهذه المبيعات ربما تتجاوز إيرادات العراق من مبيعات النفط بعد انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية ، وإذا كان البنك المركزي العراقي لم يستطع من المحافظة على استقرار صرف الدولار فان ذلك يعني انه قد اخل بواحدة من مهماته الأساسية حول الحفاظ على استقرار أسعار الصرف ، وعدم الاستقرار يضر المواطن لان كل السلع والخدمات مقومة بالدولار والمستفيدون من الدولار هم من الفئات التي تستطيع الحصول عليه وتحديد سعر الصرف في الأسواق المحلية كما إن من شانه أن يؤثر على احتياطي الدولة من الدولار .
ولكي لا نبتعد عن صلب الموضوع ، فان بيان ( الأخير ) المركزي قد توعد المخالفين بعقوبات لم يشير إلى إنها جزائية رغم إن التلاعب بأسعار الصرف من الجنايات أو الجنح الاقتصادية ، وإذا كانت العقوبات هي خصم الفروقات بموجب قوائم وشكاوى تقدم من قبل شركات الصيرفة وغيرها من الجهات التي تقتات على بعضها البعض ، فانه من غير المتوقع أن يكون هناك رادعا لأحد لان المطلوب هو أما إعادة النظر بسياقات بيع الدولار بما يضمن الاستقرار الفعلي أو إشراك الجهات الأمنية للرقابة على الأسعار والإحالة للمحاكم يمكن أيضا الاستفادة من تجارب الدول الأخرى بهذا الخصوص ، ولكي لا نكون مبالغين ونطالب بتطبيق تجارب الدول الأوربية أو حتى الخليجية ، فان هناك تجارب لدول وضعها الاقتصادي والمالي والنقدي ( أصعب ) من وضعنا بكثير ولكنها تتمتع باستقرار سعر الصرف ، حيث إن سعر الصرف في لبنان 1500 ليرة للدولار في كل مكان وزمان والأردن يبلغ فيها سعر الصرف 70.8 دينار أردني لكل 100 دولار ، دون أن ننسى إن جميع الأموال التي يتعامل بها ( مزاد ) المركزي العراقي لم يحصل عليها من المتاجرة وفعالياته الاقتصادية أو غيرها وإنما هي أموال الشعب من النفط التي يحولها من الدولار إلى الدينار ، مما يعني بأن من مسؤولياته أن لا يسبب الضرر للمواطن العراقي بمقدار فلسا واحدا وليس أن يكون الدولار على المواطن ب1300 أو اقل بقليل وسعره الرسمي 1182 دينار ، ويعني ذلك إن البيان الأخير للبنك يجب أن يعد اختبارا لمصداقية البنك المركزي العراقي في الإيفاء بالوعود للجمهور والقدرة على فرض إرادته بقوة القانون بجعل أسعار الصرف 1200 دينار بالفعل في القادم من الأيام حفاظا على سمعته والمال العام وحقوق المواطنين وتقليل الفساد .